جنبلاط: الشعب لن يرحم من باسم فلطين عاداه وباسم الممانعة سجنه

  
ألقى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كلمة في حفل عشاء جمعية خريجي الجامعة الأميركية في بيروت الذي أقيم في الكويت، قال فيها: "ما رأيكم أيها السادة، لو عدنا سويا لبعض من اللحظات، عبر بعض من العقود، إلى أروقة ال Nicely، أو قاعات ال West Hall مثلا، ثم تنزهنا وسط ال Campus الأخضر، تلك البقعة النادرة من الطبيعة اليوم في بيروت الاسمنتية، إلى جانب حديقة الصنائع اليتيمة وحرش بيروت.
صحيح أن هناك ال Golf Club، بجوار السفارة الايرانية، حمايته مؤمنة وقوية، وماذا لو ذهبنا إلى مطعم فيصل، لنتناول الصحن المفضل من الفول، ها هو نايف يطل علينا، ليسجل الطلب، ويصرخ قبل أن يصل إلى حيث جلسناكأس وسكي بفنجان شاي للدكتور، ها هو الدكتور إيبش يدخل بعدنا.
وبعد الفول، لا بد من "تمشاية" صغيرة إلى آخر شارع بلس، إلى المنارة، حيث البناء القديم، والحدائق الصغيرة، حيث منظر البحر، ومن حين إلى آخر بحر ال Tramway بهديره المعهود وجرسه المألوف.
صحيح أن المنظر اليوم تغير نسبيا، فقانون البناء الجديد، حيث لا حدود للاستثمار، أتى بصفوة القوم إلى هذا الشارع، فإذا بناطحات السحاب تحجب البحر والشمس والهواء، أما ال Tramway، فقد أصبح أثرا بعد عين، والمنارة قد تجدها بصعوبة من خلال الـ Google، وحجارة الرصيف القديم من البازالتا إختفت، وإستبدلت برصيف إسمنتي جديد بشع، بلدية بيروت تحافظ على التراث على طريقتها، في مستودعاتها، ولم يبق إلا سقراط، يطعم الأحياء والأموات، عفوا أقارب الأموات في مناسبات العزاء".

أضاف: "لذا أقترح، قبل التخرج، وقبل أن تسير بنا حافلة عين الرمانة، وتدخل البلاد في دوامة عنف ما بعد عنف، ودم ما بعد دم، وإغتيال ما بعد إغتيال، أقترح أن نعود سويا إلى ال Nicely، لنستمع إلى زين زين ونجول معه عبر القرون في أنحاء سلطنة بني عثمان.
ها نحن مع زين، ندخل مع الجيش، جيش الفاتح، نقتحم أسوار القسطنطينية، عام 1453، عام تغير فيه التاريخ، والسلطان آل باديشا، أحد ألقابه، في أوج قوته ومجده، حيث الامتيازات آنذاك أي بالمعنى الحديث اليوم يحترم ويعترف بحقوق الأقليات.
مع زين، وتحت راية سليم الأول، نجتاح بلاد الشام، عام 1516، ولاحقا مصر، ونقول لأحرار جبل لبنان، أو مشايخهم، بالعربي الدارج المقاطعجية آنذاك: تستطيعون إدارة شؤونكم بأنفسكم لكن إياكم والتهرب من دفع الخراج. إذهبوا، وكان مصيرهم لاحقا ولا يزال بين والي عكا ووالي الشام. ثم يدخل السلطان إلى بغداد ويعيد للخلافة مجدها وتألقها ويثبتها في الباب العالي ويرسم حدود السلطنة مع بلاد فارس.
مع زين ها نحن نحاصر فيينا عام 1529، تحت راية سليمان القانوني، لكن إله الحرب خذلنا هذه المرة، لا بأس نكتفي بسائر بلاد البلقان، وقد وصلنا إلى الجزائر وطنجة، وخير الدين قائد الأسطول يجول في المتوسط، يزرع الرعب في كل مكان خدمة لسلطان بني عثمان".

وتابع: "مع زين نسافر وكبير المحاربين سنان، سنان باشا على طرقات السلطنة من بغداد إلى بلغراد، ونقف في كل لحظة خاشعين مدهوشين أمام عظمة السلطان. مع زين أيضا نستقبل على أرض السلطان، سلطان بني عثمان، اليهود المضطهدين، الهاربين من الأندلس، بعد أن إستعادها الافرنج، لينضم هؤلاء إلى العديد الذي لا يحصى من أمم وخلائق، وأعراق وشعوب، تعيش جنبا إلى جنب في حماية السلطان.
مع زين، نجوب في حدائق ال Topkapi، بين شتى أشكال الورود، ومنها ال Tulipe، ونحتفل مع السلطان بعيد الورود في كل عام. وإذ يمنحنا السلطان شرف الغذاء معه، وينعم علينا بتذوق ألسنة السنونو. إنها أكلته المفضلة.
وندخل مع زين إلى الحرم، فيهمس بصوت خافت، هي تلك الجارية، والعرف كان أن نساء السلطان تخترن من بين جواري البلقان فقط، هي التي دست السم لذاك السلطان فمات، أما الأخرى، فحرضته على إبنه البكر، فأعدمه، ليصبح إبنها خلفا له. إن كيدهن لعظيم.
وفي يوم من الأيام، مع زين في حضرة السلطان عبد الحميد، يدخل علينا زائر غريب. بدلته سوداء، ولحيته سوداء، وقبعته سوداء، وربطة عنقه سوداء، فينحني خاشعا أمام السلطان، وبصوت خافت متلعثم يتمنى على السلطان أن يبيعه أرضا ليسكن بني قومه، فيرفض السلطان غاضبا، أيعقل أن يبيع السلطان بني عثمان أرضا فيها القدس والحرم الشريف، وهو سلطان بني عثمان وخليفة المسلمين".

واردف جنبلاط: "دكتور زين، من هو هذا الزائر الغريب؟ إنه Theodore Hertzel يجيب.وإذ نهم للخروج يستدرك زين حزينا، لينبئنا بأن أيام السلطنة بعد خمسة قرون من الفتح أصبحت معدودة. ها هي شعوب الصرب واليونان والبلقان تتمرد، ها هم الأرمن يرحلون ويهجرون ويبادون، ها هو جيش القيصر يتقدم على كل الجبهات.
ثم يختم: أسمعتم ما قال Lloyd George رئيس وزراء بريطانيا آنذاك؟ ماذا قال: إن السلطنة العثمانية يجب أن تزول، The Ottoman Empire must cease to exist وفعلا إنهارت السلطنة، فكان وعد بلفور، وكان إتفاق سايكس- بيكو.
هذا قليل من كثير، لكن الذاكرة أصابها صدأ السنين، والفكر صدع الأحداث ودوي القنابل، والنفس سأمت لوداع الأحبة تلو الآخر. بالأمس، من أسبوع، رحل نصير، نصير الأسعد".

وختم: "إذا إنهارت السلطنة، وإنهارت معها وحدة العرب والمسلمين، تنهار اليوم أنظمة الاستبداد والقهر والقمع، التي مزقت العرب وأضاعت فلسطين.
عله في تلاقي هذه الشعوب الحرة، وفي تواصلها، على أساس العدالة والحرية والعيش الكريم، عله يتوحد عالمنا العربي، ويواجه تحديات العصر في كل مجال ويستعيد فلسطين.
والشعب العربي، والشعب السوري بالتحديد، في نضاله الأسطوري، في ملحمة لا مثيل لها في التضحية والعذاب والقهر، إن هذا الشعب لن يرحم من باسم فلسطين عاداه وقهره من أنظمة وأحزاب، ومن باسم الممانعة سجنه وقتله". 

السابق
العريضي: الحكومة غير منتجة وتخدم معارضيها وبديل الحوار القطيعة
التالي
الأنوار: ميقاتي يتمسك ببقاء الحكومة ويتناسى انذاره حول الملف المالي