نصير بيك: لا حوار مع الموت!

عرفته "بيك"، بكل معنى الكلمة.
زميل في المهنة وصل إليها من عالم السياسة، عندما أتى به عدنان الزيباوي إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فعرض عليه فورا الانتساب إلى أسرة "المستقبل".
"بيك" بكل معنى الكلمة. "بكاويته" تنضح من كل شيء فيه. من تهذيبه الكامل بالتعامل مع الجميع، من رئيس لمجلس الوزراء يطلب رأيه في قرار مصيري، إلى نادل يقدم له فنجان قهوة.
"بيك" في ترفعّه عن البحث عن دور أو مصلحة شخصية في عالم يضجّ بأجندات ولاهثين خلف مناصب ومكاسب.
"بيك" في ثقافته النبيلة، الممتدة من مقاعد الليسيه إلى الاحتكاك بعقل محسن ابراهيم ومعترك الحركة الوطنية، مرورا بإقامة باريسية طويلة، قبل العودة إلى وطن باحث عن الحرية.
"بيك" برفضه لأي اتصال مع أي جهاز مخابراتي في زمن حكم المخابرات السورية وأدواتها اللبنانية.

"بيك" بوفائه الشخصي لأصدقائه وتحمّله كل أذيّة حتمية تعترض كل مشوار صداقة بقلب أبيض وعقل منفتح.
"بيك" بدمعته التي لم تفارق قلبه على رفيق الحريري، وبعنفوانه في مواجهة مصيبتنا جميعا، مصيبة لبنان التي لم نستفق منها منذ 7 سنوات.
"بيك" برفضه لكل منطق مذهبي أو طائفي، وبفهمه العميق العميق لمعنى 14 آذار 2005، مشهدا أبيض يخرج من السواد، ولقاء يخرج من فراق، وحلما مضيئا يخرج من كابوس حالك.
"بيك" أيضا باعتقاده أنه أقوى من الموت. يلتهم السجائر. يعاند داء السكر باختلاس الحلويات بنهمٍ لم يكن يقوى على ضبطه إلا نهرُ الرئيس سعد الحريري له، فيردَّها إلى مكانها كما الطفل الذي ضُبط وهو يسرق السكاكر من جرة المطبخ. ويؤخر ثم يؤخر فيؤخر كل موعد مع طبيب أو زيارة إلى مختبر طبي.

شهدتُ نصير "بيك" الأسعد يروي أمامي وبفارق أعوام عشرة، للرئيس رفيق الحريري، ثم للرئيس سعد الحريري كيف أنه في يوم من أيام شبابه كان في الصفوف الأمامية في تظاهرة طلابية في محيط الأونيسكو؛ وفي خضم قمع الدرك للتظاهرة، حصل تدافع أدى إلى سقوط نصير "بيك" في حفرة كبيرة إلى جانب الطريق. وفيما كان مستلقيا على ظهره من هول السقطة وأوجاعها، مد له أحد عناصر الدرك يد العون لرفعه من الحفرة، فعاجله "البيك" برفض اليد الممدودة صارخا في وجهه: "لا حوار مع السلطة!"
نصير "بيك" الأسعد. زميل تخسره المهنة، ومفكّر تفقده السياسة، وصديق أبكي فراقه، و"بيك" بكل معنى الكلمة، يخسر معه كل لبنان بعضاً من المثالية.
وداعا يا "بيك". ذهبتَ عنا كما مررتَ بنا، وكأني بك تصرخ: "لا حوار مع الموت!".
  

السابق
الورقة الأخيرة للنظام السوري في لبنان
التالي
بصمات للقاعدة في مذبحة الحولة.. والحرب الأهلية أتية ؟!