الراي: معارك طرابلس تشتد.. ومساعي التهدئة تصارع الفشل

اختلط الحابل الاقليمي بالنابل المحلي في الـ «ميني حرب» الامنية – السياسية التي دهمت طرابلس، عاصمة شمال لبنان قبل ثلاثة ايام، مع «القشة التي قصمت ظهر البعير»، حين اوقف جهاز «الامن العام» الناشط الاسلامي شادي المولوي بتهمة الانتماء الى تنظيم «ارهابي» بعدما كان استدرجه الى مكتب الوزير محمد الصفدي لـ «الخدمات الاجتماعية»، وهو الحادث – الفخ الذي تحول شرارة الهبت المدينة في فوضى، بدا وكأنها نصبت لها لاصابة اكثر من عصفور في حجر واحد.
وعلى وقع قرقعة السلاح والصراخ السياسي، استمرت طرابلس امس كـ «برميل بارود»، تتدافع فوقه صواعق انفجار، نشطت الاتصالات الماراتونية للجمها، خصوصاً بعدما ادركت فعاليات المدينة وجود «مكمن» اراد الايقاع بعاصمة الشمال في اطار تصفية حسابات اقليمية – محلية على صلة بالازمة في سورية واداء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واوضاع «الساحة السنية» وما شابه من وقائع تختصرها التضاريس السياسية والامنية الوعرة في طرابلس.
ومن خلف غبار «الفوضى المسلحة» وتشعب الملفات السياسية، رسمت اوساط خبيرة في شؤون وشجون طرابلس لنا  لوحة داكنة لما يجري مع انزلاق الجميع وللوهلة الاولى الى الفخ الذي نصب للمدينة، قبل ان يهرع هؤلاء انفسهم الى العمل من اجل اطفاء الحريق ومحاصرته.
ورأت هذه الاوساط ان خيطاً واحداً يربط الازمات التي اشتعلت دفعة واحدة في طرابلس، يتمثل في قرار اقليمي (سوري) بتأديب المدينة التي شكلت دعامة قوية للثورة السورية، وقرار محلي بتأديب الرئيس ميقاتي الذي اظهر تململاً في المدة الاخيرة مع اشتداد ازمات حكومته.
ولفتت الاوساط عينها الى ان اختيار مكتب الصفدي للايقاع بالناشط الاسلامي كان القصد منه توجيه رسالة الى ميقاتي في الدرجة الاولى، وهي تندرج في اطار الضغوط التي تمارس عليه لابقائه في «بيت الطاعة»، خصوصاً في ضوء ما يشاع عن تبلغه بـ «دفتر شروط» من سورية.
ولاحظت تلك الاوساط مسارعة الاطراف الرئيسية في طرابلس الى لملمة الموقف بعدما كادت ان تركب موجة التصعيد بوجه رئيس الحكومة، لا سيما «تيار المستقبل» بزعامة سعد الحريري، الذي ادرك وجود محاولة لاسقاط المدينة في الفوضى، في اطار تصفيه الحسابات معها.

وطوال يوم امس تركّزت الاتصالات التي شكل محورها مفتي طرابلس والشمال مالك الشعار ودارة النائب محمد كبارة (من كتلة الرئيس سعد الحريري) على تنفيذ الاتفاق الامني ـ السياسي الذي تمّ التوصل اليه في الاجتماع الذي عُقد في منزل الرئيس نجيب ميقاتي في طرابلس اول من امس ومقررات المجلس الاعلى للدفاع التي عُلم انها قضت بتكثيف انتشار الجيش اللبناني في المنطقة التي شهدت الاشتباكات، في ضوء رفع الغطاء السياسي من كافة الأفرقاء المعنيين عن كل شخص يخلّ بالأمن.
وفي موازاة هذه المساعي التي بدا عصراً انها باءت بالفشل ما انعكس تجدُّد السخونة على «محاور» القتال ولا سيما على جبهة جبل محسن ـ باب التبانة والتي زاد من حماوتها ادعاء القضاء على شادي مولوي بتهمة الانتماء لتنظيم ارهابي مسلّح الامر الذي قطع الطريق على اي امكان لإطلاقه كما كان يترقب الاسلاميون، برزت محاولة «فصل مسارين» في هذا الملف، بين أسلوب توقيف مولوي من جهاز الامن العام الذي برز توافق بين قادة طرابلس السياسيين على رفضه وصولاً الى اعلان وزير المال محمد الصفدي انه سيدّعي عليه، وبين خلفيات التوقيف التي تُركت في عهدة القضاء.

وفي هذا السياق، كان لافتاً ما نُقل عن رئيس الحكومة من انه استغرب امام قيادات طرابلسية و«استنكر» تصرف الامن العام وقال «ان الامن العام يوقف الاشخاص عادة في المطار وعند الحدود وليس في الداخل»، علماً ان تقارير اشارت الى ان قيادات طرابلسية أبلغت الى ميقاتي ان النظام السوري وضع لائحة باسماء مناصرين للثورة السورية ومسهلين لعمل مقاتليها من لبنان، وطلب من الامن العام اللبناني القبض عليهم، كما يطالب الحكومة اللبنانية بتسليم معارضين سوريين ومقاتلين فروا الى لبنان.
وجاء اعتراض ميقاتي على اسلوب الامن العام ليلاقي موقف الرئيس سعد الحريري الذي حاول في الموقف الذي أطلقه اول من امس سحب فتيل الانفجار رافضاً من جهة الفوضى ومظاهر الخروج على الدولة من «قفل للطرق واعتصامات عشوائية وإشهار السلاح على أهل المدينة أنفسهم، تماماً كما هو مرفوض الأسلوب الذي تمّ فيه اعتقال الشاب شادي المولوي»، مناشداً الجميع ضبط النفس والتزام القانون، ومطالباً القوى السياسية بأن تتحرك بحزم وسرعة في ملف الاعتقال والاسلوب الذي تمّ به، وداعياً لمحاسبة جهاز الامن العام.
وفي موازاة هذا الجانب الذي بدا في اطار محاولات تأمين مخارج وإن «معنوية» يمكن استخدامها لتهدئة النفوس المشحونة، سارت المساعي لضمان «تعويض» آخر للغاضبين يقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر وهو تسريع ملف محاكمة الاسلاميين الموقوفين منذ احداث نهر البارد خصوصاً (صيف 2007) بلا محاكمات (بعضهم موقف منذ فترة تتجاوز مدة المحكومية التي قد تصدر بحقهم)، وسط معلومات عن ان مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا هو في صدد انجاز المطالعة بالاساس في هذه القضية، في مدة زمنية لا تتعدى هذا الاسبوع، على ان يتولى مجلس القضاء الاعلى بعد استكماله البت بصورة اقرارية بقضية كل متهم.

الا ان مجمل هذه المساعي بدا انها انهارت عصراً على وقع مؤشرين هما:
 انسحاب النائب معين المرعبي (من تكتل الحريري) من الاجتماع الذي كان منعقداً في منزل النائب محمد عبد اللطيف كباره وضم الوزير احمد كرامي وممثلين لقيادة الجيش وحركات اسلامية، آخذاً على قيادة الجيش «عدم تنفيذ قرارات مجلس الدفاع الاعلى» ومحملاً اياها «مسؤولية اي نقطة دماء تراق او روح تزهق بسبب عدم الرغبة في دخول مناطق الاشتباكات»، وواصفاً المدير العام للامن العام (عباس ابرهيم) بأنه «ينفذ السياسة السورية في لبنان على حسابه الخاص من دون مراعاة القوانين المرعية الاجراء». علماً ان انسحاب المرعبي ترافق مع دعوة كبارة الرئيس ميقاتي للاستقالة بعد عجزه عن حماية مدينته طرابلس معتبراً ان «السلطة السياسية والمجلس الاعلى للدفاع يتآمران على طرابلس».

عودة الاسلاميين الى ساحة النور (ساحة عبد الحميد كرامي) والخيم المنصوبة فيها في الساعة ـ الانذار التي كانوا حددوها لإطلاق مولوي، معلنين رفضهم قرار القضاء بحقه وداعين «لتطبيق العدالة على الجميع وليس عند أهل السنّة فقط»، ومؤكدين «بقاء الاعتصام مفتوحاً وقطع الطرق في ساحة عبد الحميد كرامي، الا في حال قدم لنا مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر اثباتات وادلة تدين شادي المولوي»، ومحذرين من قطع طرق أخرين وداعين لاطلاق المولوي فوراً «مع الإعلان عن القبول بدفع كفالة لخروجه».

يشار الى أن المعتصمين كانوا يوزعون الورود على الامنيين والجيش.
وترافقت هذه التطورات مع تجدُّد الاشتباكات على محور جبل محسن ـ باب التبانة مروراً بالملولة وحيّ المنكوبين لجهة البداوي وحي البقار والريفة في القبة وسط مخاوف من ان تؤدي حصيلة الضحايا التي ارتفعت امس لترسو على ما لا يقل عن ثمانية قتلى و60 جريحاً الى النفخ في «نار» الفتنة المذهبية بين السنّة والعلويين ولا سيما مع «اندفاعة» المواجهات الليلية التي عكست صعوبة احتواء الموقف في طرابلس اقله بانتظار دخول الجيش النقاط الساخنة، وهو ما علمت «الراي» انه سيتم في غضون 48 ساعة.
واعلنت الوكالة الوطنية للاعلام الرسمية مساء امس مقتل بهاء محمد داوود ورياض علي معروف في تجدد الاشتباكات في طرابلس، فيما تحدثت وسائل اعلام عن قتيل ثالث يدعى خضر الجلخ ليرتقع عدد الضحايا الى ما لا يقل عن ثمانية.
وكانت الاشتباكات نهاراً ادت الى سقوط قتيلين وعشرات الجرحى بينهم ضابط في الجيش وعنصر من قوى الامن الداخلي، بعدما استُخدمت في المواجهات الاسلحة الرشاشة مع بعض القذائف الصاروخية وعمليات القنص، فيما لوحظ تعزيز قوى الامن الداخلي وجودها في طرابلس حيث أرسلت سريتين مؤلفتين من 120 عنصراً اضافة الى مصفحتين لتنتشر بمؤازرة الجيش في جبل محسن وباب التيانة.
وكان بارزاً امس ان منطقة الضنية شهدت لجوء عشرات العائلات إليها من مدينة طرابلس في حركة نزوح متصاعدة من مناطق الاشتباكات. علماً ان أكثرية العائلات النازحة إلى الضنية هي إما من أهالي المنطقة المقيمين في طرابلس أو من الطرابلسيين الذين يصطافون في الضنية

السابق
الانباء: تواصل الاشتباكات في طرابلس بعد الادعاء على مولوي وجنبلاط يطالب بإطلاق سراحه.. والأسير: حزب الله يوزع السلاح
التالي
مئتي غرفة في فندق