حكومة اللاحرب؟

ما كان ينقص المشهد الانفعالي العام في المنطقة إلاّ إعلان قيام "حكومة وحدة وطنية" في إسرائيل، أي حكومة حرب بحسب العُرف والتاريخ.
ولكن أي حرب؟
الذي فُهم من اجتماعات اسطنبول الأخيرة بين إيران والدول الغربية الأساسية، أنّ جواً مختلفاً عمّا سبق ساد للمرّة الأولى منذ بدء قصة البرنامج النووي الإيراني، وأنّ الأميركيين لمسوا كما غيرهم، جدّية غير مسبوقة في استعداد طهران لمقاربة تسووية تختلف تماماً عن البديهيات القطعية التي اعتادت على ضخّها والتمترس عندها، وأنّ الاجتماع المقبل في بغداد، في الثالث والعشرين من الشهر الجاري سيشهد تثميراً لذلك المناخ، وأنّ الصيغة المعروضة تلحظ البدء في رفع تدريجي للعقوبات في مقابل فتح المنشآت النووية أمام المفتشين الدوليين في سياق تأكيد الطابع المدني السلمي لتلك المنشآت والأهداف المطلوبة منها(؟).

والذي فُهم ويُفهم، انّ الأميركيين قبل اجتماع اسطنبول لجموا الجموح الإسرائيلي نحو توجيه ضربة عسكرية لتلك المنشآت، وأنّ الأوروبيين ومعهم روسيا والصين عزفوا على تلك النغمة من دون أي نشاز، وبالتالي فإسرائيل ليست قادرة وحدها على الانخراط في ذلك العمل العسكري الكبير من دون تغطية أميركية واضحة.. وغائبة حتى الآن.
غير أنّ احتمال الحرب على إيران مُعطى جديد في تاريخ الحروب الإسرائيلية.. المُعطى القديم المألوف والمعروف هو الحرب باتجاه العرب في الجوار. واختصاراً للمصطلح العريض، فإنّ العرب المقصودين صاروا في مكانين محدّدين: غزّة وجنوب لبنان.. والذي يبدو ظاهراً بيّناً واضحاً، هو أنّ أهل القرار في ذينك المكانين ليسوا في وارد افتعال حرب من جهتهم، ولا جديد يوحي أو يؤشّر إلى أنّهم في وارد "تقديم أي خدمة" تسمح لإسرائيل باستغلالها كما حصل في العام 2006!
ماذا تعني حكومة "الوحدة الوطنية" الإسرائيلية إذن؟

للمرّة الأولى (ربّما) يكبّر الإسرائيليون الحجر كي لا يرموه.. يلوّحون بالاستعداد للحرب كي لا يذهبوا إليها! ويرفعون سقف المناورة من الإعلام والسياسة إلى مستوى حكومة موحدّة تضم 3 من رؤساء الأركان السابقين، من بينهم ايهود باراك رئيس الحكومة السابق ووزير الدفاع الحالي، كي تبقى المناورة تحت سقف المواجهة.. والرسالة موجّهة إلى اجتماع بغداد وإلى الإيرانيين تحديداً وحُكماً، ولكن ليس بهدف دفعهم إلى التسوية في الموضوع النووي، بل العكس: استفزازهم لإحراجهم وإخراجهم، ومن ثم لإبقائهم حيث هم في حالة عصابية ترى في ثلاثة أرباع الكرة الأرضية أعداءً فظيعين!
…متنوّر وفهيم جداً، مَنْ يستطيع تصوُّر مآل الأمور في الفترة المقبلة، علماً أنّ مكرمة التواضع يُفترض أن تدفع بالأسوياء إلى التوجّس التام من وجود هذا الكم من الجامحين والخلاصيين واليقينيين في المنطقة، كما من الإضافة الجديدة إلى حكومة المجانين في إسرائيل!

السابق
مد يساري جديد
التالي
مهزلة البعث السوري