ما بين القوى الكبرى

يقرعون طبول الحرب ويشغلون العالم بتوقعات خطرة وكأنهم يخيفون الدول والشعوب ثم لا يلبثون أن يقروا باستحالة النصر فيكون التراجع عن الاثارة والتخويف معترفين بأن التهويل والتهديد ليسا سلاحاً فعالاً في وجه المصرين بصلابة على المقاومة ومنع التدخل، وهذا ما ينطبق على إسرائيل فلا تكون غطرستها وممارساتها رادعاً لأصحاب الأرض والسيادة عليها.

والمثل الآن هو العزوف عن التهديد والوعيد إلى المفاوضات وعقد المؤتمرات وصولاً إلى حل يجنّب الكبار بصورة خاصة نتائج اصعب وأشد لأن ليس هناك ارتكاز على ثوابت بل على ما يمكن وصفه بأوهام، لذا يتم الانتقال من قرع طبول حرب أو عدوان إلى تبني سياسة الحل السلمي أي التفاوض لأنه الطريق الأقرب إلى التفاهم، وقد حدث مثل ذلك في الحرب الباردة وحرب النجوم وظل الأوفر حظاً للتقارب وعدم تحمّل ويلات استخدام السلاح والقوة.
ولا بدّ وأن ينسحب هذا المفهوم على ما تمارسه إسرائيل من عرقلة لحل الدولتين ومساعي السلام العادل والشامل وقد بدأت تعي خطورة اي عدوان تقوم به وما زالت تجربتها في لبنان دافعاً يفرض عليها عدم المغامرة في عدوان جديد وهي تعلم أن كل ما قامت به منذ العام ثمانية وأربعين لم يوفر لها الاطمئنان أو الاستقرار.

يضاف إلى تلك التجارب أن القوى الكبرى ذات القدرة على اتخاذ القرار وتنفيذه غير متوافقة في النهج والاسلوب وقد برز ذلك أكثر من مرّة في أثناء العدوان الثلاثي على مصر وحتى التسبب بنكسة العام 1967 وما بعدهما حيث كان موقف الاتحاد السوفياتي والرئيس ايزنهاور حائلاً دون اتساع رقعة الخلاف ومن ثم العودة إلى المحادثات على أعلى المستويات كي لا يقع صدام واسع ولجوء إلى أسلحة الدمار الشامل وإن كانت مصالح الكبار هي التي تفرض نفسها مهما بلغ الخلاف من حدة الاقوال والتصريحات.

كذلك فان أولئك الكبار ما زالوا على طرفي نفيض أن لم يكن لمصلحة دول وشعوب فلما يُعزّز حضورهم في هذه المنطقة أو تلك وهذا ما تثبته التباينات في مجلس الأمن إذ يتم اللجوء إلى استخدام حق النقض من هذه الجهة أو تلك عندما لا يكون القرار يصب في مصلحة احداهما، ولعل الشعور بخطر بقاء أماكن متفجرة مثل الشرق الأوسط نتيجة الاحتلال الاسرائيلي حافز لموقف موحد يفرض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وإنجاح مساعي الحل العادل والشامل، وهذا كلّه يجعل الاعتماد على النفس هو الأكثر جدوى.

السابق
إيفون: عالجت أزمة الإكوادور والبيرو
التالي
طائرتا استطلاع اسرائيليتان تخترقان الاجواء