السفير: الـ8900 مليار تظهـِّر “صراع المصالح”.. والكلام عن وقف الرواتب تهويل

كتبت "السفير" تقول ، يطرح ربط اصدار مشروع قانون الاعتمادات الإضافية بقيمة 8900 مليار ليرة لتغطية نفقات الموازنة عن العام 2011، بوقف الرواتب والأجور عن موظفي الدولة، علامات استفهام حول قضايا خلافية أخرى، خصوصا أن هذه المسألة تتسم بطابع سياسي، وتتصل بصراع المصالح والصلاحيات بين أركان الحكومة من جهة، وبين المجلس النيابي وفرقاء في المعارضة من جهة ثانية، فضلاً عن سعي قوى اخرى وراء تحصيل النفقات الاستثمارية المقدرة بحوالي 1800 مليار ليرة للفترة المقبلة، والتي لا يجوز إنفاقها من دون موازنة أو قانون يشرعها.
من هنا، لن يكون بمقدور الحكومة تحمل قرار وقف الرواتب والأجور للقطاع العام أو لموظفي الدولة الذين يزيدون عن 270 ألف موظف ومتعاقد، بينهم حوالي 90 ألفاً من العسكريين، ذلك أن خطورة هذه الخطوة تكمن في أنها تفترض مسبقاً إعلان لبنان دولة مفلسة وهي ليست كذلك، بدليل التزامها تسديد ديونها ونجاح سنداتها الخارجية والداخلية وتحوّل مصرف لبنان الى تمويل الضروريات في الأزمات، وكذلك وجود احتياطي في حساب الخزينة يفوق ثلاثة آلاف مليار ليرة.
ومن المفيد التذكير أنه لم يكن في إمكان أية حكومة وقف الرواتب او تأخيرها حتى في أصعب سنوات الحروب منذ "حرب السنتين" وحتى الأمس القريب.
بات الإنفاق على القاعدة الإثني عشرية وفقاً لأرقام موازنة العام 2005، وهي آخر موازنة معمول بها، مستحيلاً لاعتبارات عدة أبرزها أن إجمالي نفقات موازنة 2005 تقدر بحوالي 10 آلاف مليار ليرة، وكانت كلفة الرواتب والأجور وملحقاتها خلالها حوالى 3400 مليار ليرة، بينما كلفة الأجور والرواتب اليوم تصل الى أكثر من 6000 مليار ليرة، منها فقط 4200 مليار للرواتب، ويأتي ذلك بعد زيادة الحد الأدنى في العام 2008 ببدل قدره 200 الف ليرة. فهل تستطيع الحكومة تقليص الحد الأدنى إلى 300 الف ليرة كما كان في العام 2005؟ علما ان هذا الأمر يندرج في خانة التعدي على حقوق الموظفين ويعد مخالفة دستورية.
أما النفقات الاستثمارية، أي المخصصات للمشاريع من مياه وكهرباء وطرقات وبنى تحتية، فستواجه مشكلة التمويل، من دون إقرار الحسابات الإضافية ولعل القطبة المخفية في تصفية الحسابات المفتوحة بين الأكثرية والمعارضة، تكمن في هذه النقطة، لا سيما أننا اصبحنا على مسافة سنة من الانتخابات النيابية.
لماذا لا تستطيع الدولة وقف الرواتب؟
سبق لـ"مصرف لبنان" أن أكد في أشد الأزمات التي عاشها لبنان بين العامين 1975 و1990، انه ملتزم تمويل الرواتب والأجور وتأمين الفاتورة النفطية لحاجات كهرباء لبنان. وهو أمر ما يزال قائماً، وقـد ارتكبت الحكومة
مخالفة قانونية لدى صرف الـ8900 مليار ليرة عن العام 2011، ومن خارج القاعدة الاثني عشرية، ما حدا بها الى طلب إقرار قانون لكي تستطيع الانفاق على اساس مبلغ 8900 مليار ليرة في الفترات المقبلة وليس على اساس مبلغ العام 2005. وهنا يكمن سر الضغط لتحصيل توقيع رئيس الجمهورية، على اساس المادة 58 من الدستور.
على ان الخلافات الدائرة حول النفقات الإضافية لتغطية المرحلة مردها الى جملة اسباب تتلخص بالآتي:
– تنطلق نقطة الخلاف الاولى، من خلافات قطع الحسابات عن السنوات الماضية والعائدة لموازنات ما بعد العام 2005 وصولا حتى العام 2010 أولاً، وهو أمر عالق بين الحكومة ولجنة المال والموازنة عند نقطة التدقيق، ثم تجيء موازنة العام 2011 الأخيرة التي طالب فريق المعارضة بربطها بتسويات كل الحسابات المالية السابقة، على أن تدقق لاحقاً من قبل لجنة المال وديوان المحاسبة.
ومردّ المطالبة بربط كل الحسابات بتسوية واحدة أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تخطت نفقات موازنة العام 2005 في سنة واحدة بحوالي 6 مليارات دولار، بينما تجري مطالبة الحكومات السابقة بقطع حسابات فاقت الـ11 مليار دولار خلال خمس سنوات. وهنا تعطل، بين اللجان النيابية ومجلس النواب، مشروع القانون الذي رفعه وزير المالية محمد الصفدي، ويطلب فيه تغطية نفقات اضافية بقيمة 8900 مليار ليرة عن العام 2011.
– تنطلق نقطة الخلاف الثانية من داخل الحكومة نفسها جراء التباين بين وزير المالية ورئيس الحكومة حول موازنة العام 2012 التي رفعها وزير المالية ولم تقرّها الحكومة بعد، وتواجه الموازنة خلافات حول الضرائب وتعزيز الإيرادات وتقليص النفقات، حيث رفض فريق سياسي زيادة الضريبة على القيمة المضافة والضرائب على الدخل والأرباح، بينما راح وزراؤه يطالبون بزيادة نفقاتهم وحصتهم في الموازنة.
هنا تحديدا، تدخل رئيس الحكومة ووضع برنامج توجهات مالية اعتبرها وزير المالية تخطياً لصلاحياته في إعداد وتقديم الموازنة. وعلى خلفية اعتراض الأخير عاد ليطلب استرداد مشروع موازنة العام 2012 لتعديله وإدخال كلفة زيادة الأجور عليه، فتأخر رد المشروع، بحسب ما يقول وزير المالية، من رئاسة الحكومة حتى أواخر الشهر الماضي، ما حال دون أن تنجز التعديلات حتى اليوم.
– أما نقطة الخلاف الثالثة والمتفجرة فبرزت من داخل اللجنة الوزارية المكلفة دراسة استئجار بواخر الكهرباء، حيث تسبب البحث في العروض بخلافات واتهامات متبادلة بين فريق رئيس الحكومة وفريق وزيري المالية والطاقة. وكانت النتيجة ان رفع كل من رئيس الحكومة ووزير المالية تقريرين منفصلين باسميهما، بدلاً من رفع تقرير موحّد من اللجنة مع اعتراضات من قبل وزير الطاقة جبران باسيل الذي كان متوافقاً مع موقف الصفدي.
– تتبدى نقطة الخلاف الرابعة في أن الإيرادات المحققة في العام 2011 تقدر بحوالي 14800 مليار ليرة، بينما كانت الإيرادات في العام 2005 دون الـ5800 مليار ليرة، فكيف يمكن التعامل مع الموظفين على نفقات قديمة لا توازي نصف عائدات الدولة التي تضاعفت خلال السنوات الماضية. وهل يعقل ان يتزامن تضاعف إيرادات الدولة مع تقليص في دفع الأجور؟
وربطا بما تقدم، يجزم وزير المالية بأن الوضع المالي سليم، وأن الدولة مستمرة في دفع الرواتب، مشيراً في الوقت عينه الى ان القانون ضروري لتغطية النفقات الضرورية في المراحل المقبلة. وفي المقابل، تفيد تقديرات رئيس الحكومة للموازنة بأنها ستتركز على الانطلاق من حجم الإيرادات المحددة أو المحققة خلال العام 2011 والمقدرة بحوالي 14800 مليار ليرة مع تحديد سقف العجز بحوالي 5600 مليار ليرة (في حين يقدره وزير المالية بـ 5250 مليار ليرة) وذلك لتحديد سقف النفقات، وبالتالي ربط كل عملية نفقات إضافية بالبحث عن مصادر للإيرادات الجديدة، لا سيما بعد احتساب كلفة تصحيح الأجور للقطاع العام والمقدرة حسب وزارة المالية بحوالي 1700 مليار ليرة.
  

السابق
واشنطن تدعو إيران الى اظهار “الجدية” في محادثات اسطنبول النووية السبت
التالي
النهار : المأزق المالي ينتظر مرور العاصفة