«الجديد» مدافعاً عن دمه

لم يتردد تلفزيون «الجديد».
ما إن عرف هوية قاتل الزميل علي شعبان، حتى أعلنها كما هي: الجيش السوري الموالي للرئيس بشار الأسد. كذلك، فلم يتردد في إعلان الحداد تامّاً وشاملاً. حداد هو في أساسه تضامن حول الجرح البالغ الذي لا بد من انه أصاب كل من كان يحتمل أن يكون محل الزملاء الثلاثة، الراحل شعبان، وحسين خريس وعبد خياط. وهم كثر، الذين سيكتشفون من جديد أنه من السهل نفاذ الرصاص إلى القلوب.
في ساعة شؤم كتلك، ستُختصر «المهنية» كلها بالشجاعة في اتخاذ الموقف المناسب، وفي إشعار زملاء شعبان وأصدقائه، بأنهم محميّون. وهذا أقلّ العزاء في مهنة قد تصل لأن تكون مميتة.
بدا دفاع «الجديد» عن دمه أخلاقياً بالدرجة الأولى. رفع صوته عالياً من دون أن يعير انتباهاً للحسابات المعقدة، التي في مقدمها موقف جزء كبير من جمهوره من الأزمة السورية نفسها، إلى طريقة تعاطي التلفزيون مع هذه الأزمة. وهو تعاط يشبه أسلوبه في الكثير من القضايا الأخرى. ففي «الجديد» فقط تجنح الحرية الزائدة للمراسلين في التعبير، كما في التجريب، إلى شبه فوضى من الصعب معها تحديد مواقف نهائية للتلفزيون من مجمل القضايا. وهي حرية فوضى، تبقي له هويته الخاصة به وتُسمى باسمه، وتجعله مقبولاً عند الأهواء اللبنانية كلها، وهذا ما لم يعد موجوداً عند أي من القنوات المحلية الأخرى، باستثناء «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بطبيعة الحال. وقد حافظت ديموقراطية الفوضى على ألا يُحسب على طرف. هذه بدورها ميزة مفتقدة تسمح له بان يكون ندّاً لجمهوره وللأطراف السياسية. وتسمح له بأن يرفع سقف معركته حين ينزل إلى معاركه.
في يومين متواصلين من فتح المشهد على الشارة السوداء، وعلى صورة الشاب وحكاياته العادية وأحلامه البسيطة، وعلى دموع وإحباطات وآمال زملائه، وتلعثمهم وأخطائهم، أعاد «الجديد» الإضاءة على هذه «الطبقة» المتحمسة من الشبان والشابات، الذين صنعوا للتلفزيون فرادته، وأعطاهم في المقابل نجومية شعبية هي أقرب إلى نجومية لاعبي كرة القدم المحليين، جيران الحي أو المبنى، وليس تلك النجومية الثقيلة لـ«الإعلاميين» الذين بات يصعب تفريقهم عن السياسيين أنفسهم!
هؤلاء الزملاء الذين ما زالوا يخوضون تجاربهم الخاصة بكثير من التجريب الجريء الذي يصيب حيناً ويضل حيناً، كانوا ذاهبين بقوة إلى معركة الدفاع عن دم زميلهم الذي أريق. لكن أيضاً، معركة الدفاع الوقــائي عن دمــهم الذي يريدونه ألاّ يُراق، وهذا أقلّ أقلّ حقهم. وقد شدّ «الجديد» في أزرهم، وتقدمهم في معركته السياسية من أجله ومن أجلهم، حتى اتهم بأنه يستغل الدم، وهو اتهام مبتذل، خصوصا أن الحدث استطاع أن يدفع الأسد نفسه إلى إعلان موقف منه، بينما يفترض بتعاطي «الجديد» مع الاعتداء أن يضيء على تلك النقاط الساخنة من الحدود اللبنانية السورية، فلا يتكرر فيها القتل سهلاً إلى هذه الدرجة إن مع صحافيين أو غيرهم.
قام «الجديد» بواجبه. هذا على الأقل ما أعلنته والدة علي، وهي تذهب في أثر الكاميرا لتلوح لها وتحيي كل رفاق ابنها، وتقول ما معناه أنها افتدتهم به. كانت ممتنة لكل هذا الاحتضان لحزنها. لا عزاء لها، ولا تعويض. لكنها على الأقل بدت مجبورة الخاطر. ولا شيء أصعب من جبر خاطر مكسور لأم ثكلى.
  

السابق
المستقبل : الحريري يرفض الاستقواء بالسلاح لترهيب الناس وتكبيل الدولة
التالي
أخطار تهدّد إجراء الانتخابات في موعدها