هل يكون الشيخ أحمد الأسير بن لادن لبنان؟

بعيداً عن محاولات التضخيم المصطنعة أو المفتعلة، لتعميم صورة سلفية شكّل إطارها الشيخ أحمد الأسير، لا بد لنا من تحليل السنّية السلفية الآيلة إلى احتلال ساحة التمثيل السياسي الذي احتكرته أكثرية سنّية معتدلة طيلة تأسيس لبنان، وعلى اختلاف مراحله كافة.
إن النظام الطائفي، وفي صيغته الحالية قد كرّس تمثيلات سياسية لطائفيين متطرفين باستثناء الممثل السُنّي الذي حاول أن يُبقي الحريرية وسطية سياسية معتدلة، من خلال الانفلات من الخصوصية المذهبية وتأثيرات العقلية الدينية المباشرة على الواقع اللبناني. إلاّ أن شهادة الشيخ رفيق الحريري قد سمحت بتوسيع رقعة الاعتدال ولكن لصالح التطرف، وذلك من خلال الاحتكام إلى الطائفة السنية بكل محمولاتها لمواجهة خصم طائفي شيعي، ونصف خصم مسيحي ماروني. في محاولة لكسب معركة خاسرة، وفي ظلّ انعدام التوازن بين جهة فاعلة وحيوية ومتسلحة، وجهة مستقوية برصيد عربي وغربي أنفقت الكثير منه ولم يبقى منه سوى ما ندر.

وبعد جملة أحداث أدّت إلى إخراج تيار المستقبل كمعادل سياسي مستقوٍ بالسلطة، ودفعت به إلى الوقوف على حائط مبكى كمعارض يترقّب أحداثاً تنزله من على الحيطان اللبنانية، تدفع به مجدداً إلى واجهة العمل السياسي السلطوي لأنه لا يتقن فن المعارضة، ولا يجيد سياستها، أو السباحة في أحواضها الراكدة.
فجأة اكتشف "السنّيون" أنهم بلا حماية، وأن القوة الشيعية قادرة ميدانياً على قطف فوز النصر، في أي رقعة جغرافية لحفظ الإنجاز التاريخي، ونأيه عن السقوط تحت ضغط الضاغطين من أهل الذمة السياسية، ومن أصحاب الحملات المشبوهة على المقاومة والمقاومين. وجاءت الولادات العربية جديدة لتسهم في هوّة التباعدات والتباينات بين شيعية حزبية تنظر نظرة الريبة والشك إلى المولود العربي الجديد باعتباره مولوداً منسوخاً من مسخ غربي، وبين سنية حزبية تنظر إلى المخلوق العربي باعتباره خلقة كاملة وغير مشوبة بأية شائبة. إضافة إلى الانحياز الكامل والأعمى في التأييد والتنديد بالنظام السوري من قبل الطرفين الحزبيين. من هنا بات المشهد بينهما مشهداً قاتماً ومفتوحاً على تصدّعات متعددة، وعلى دراما عاصفة بلبنان إذا ما بدأت فصوله في استعراض سيناريوهات ساخنة وذلك على خشبة الخلاص من النظام السوري أو الإبقاء عليه بكل قوّة ممكنة.

حتى الآن، ثمة حرص على إطفاء أضواء العروض المسرحية، واتضح ذلك من خلال إقفال اشتعال باب التبانة وجبل محسن، بقفل داخلي ومفتاح خارجي. وباعتبار أن الأدوات يجب استحضارها إذا ما تم تسخين الجسم الطائفي بنار البارود، فإن أولى علامات هذه الأدوات المحلية كانت الداعية المُبرز إعلامياً كشيح يرفع ثارات السُنّة، ويهدد بطيّ صفحة السكوت عن أي مظلمة سنية بعد خطابه الأوّل.

بالتأكيد أن في السرعة النجومية للشيخ أحمد الأسير، أكثر من سبب واضح وأسباب مخفية، ولكن تسهم في مجملها بدفع السُنة إلى السلفية الحاقدة، وإدخالها في دائرة العنف، وإخراجها من دائرتها المعتدلة، بعد أن أثبتت أنها غير قادرة على حماية نفسها من الآخرين. خاصة وأنّ الرمزية الممنوحة لوريث زعامة تيار المستقبل، قد انكفأت إلى الوراء، وباتت تراسل السنّة اللبنانيين وتستشعرهم عن بُعد، نتيجة خوفها على نفسها من موت مفاجئ لها وفي أكثر من ملف داخلي وخارجي.
لقد لمع الشيخ الأسير برده على شيخ شيعي بادعاء أنه شتم السيدة عائشة، ومن ثم من خلال برنامج "خاص" تلفزيوني كُلِّف بنشر مآخذ الشيخ الحادّة على تصرفات وتصريحات شيعية يحض أهل السُنّة، وجماعة من السلف الصالح منددة بهم.
وجاءت مواقفه من النظام السوري إضافة إلى اعتصاماته المؤيدة للثورة السورية في كل من صيدا وبيروت لتسهم في تعزيز شخصية داعية إلى جهادية دفاعية عن سنة لبنان وسوريا، ورغم الحجم الطبيعي للحضور السلفي وسط بيروت، والمعتصم خلفَ الشيخ الأسير، إلاّ أن القراءة تتعدى حدود الحجم لتصل إلى أهمية الدور القادر على رفع وتيرة التأييد والانضواء، وعلى بلوغ درجات تصاعدية نتيجة لنبرة شجاعة تستدعي السُنّة إلى التلملم، والتجمّع خلفَ لحية كثة وقادرة على حماية ظهر الطائفة من عدوين، بعد أن أخفق حالقها عن توفير الحماية، وقد لاذ بالفرار إلى خيمة ضيافة في صحراء، وإلى جبل ثلجي يعصمه من الغرق، أو إلى قصر باريس للتمتع بالعطل الطويلة والمفتوحة.

ولأكثر من سبب، سببت دعوة الشيخ الأسير وجرأته على مخاصمة حزب لا يمزح، ونظام لا ينسى من أساء إليه. في حشد عدد كبير من المؤيدين له، وهم لم يعبروا عن ذلك من خلال تواجدهم في مظاهر الاعتصامات، ولكن عبروا عن ذلك، من خلال تأييداتهم الضمنية لمشروع بديل عن الاعتدال. وإذا ما تمكن الأسير من خلال جرأته وإقدامه على تخطي الحواجز الحمر من استكمال الدور الذي يلعبه، فإن نصف السُنّة ذاهب علاقاته وسط الطريق.
من هنا دعوة الشيعة السياسية إلى امتصاص السلفية القادمة من خلال التوازن مع الاعتدال السُنّي، حتى لا تُسهم أكثر في الدفع نحو التشدد، وتصبح لحى المذهبيين تحت رحمة موسى الحلاّق اليهودي الذي يترقب وبفارغ الصبر استعدادات المذهبيين في العالمين العربي والإسلامي، إلى التقاتل، وتصفية حساباتهم السياسية والتاريخية.

ومن هنا أيضاً نحدو بالمعتدلين في قائمة المذهبيين على العمل سوية لخلق مراحل التواصل بين المجموعتين لعدم توفّر شروط وفرص قيام تطرف طائفي يطيح بالجميع ويتيح خسارة فادحة لكلا الطرفين.
وحتى لا يكون في لبنان بن لادن علينا أن نعمل على محاربة التطرف والأسباب الموجبة إليه كلبنانيين حريصين على بقاء لبنان من خلال وسطية الاعتدال، لأن التطرّف يعصف بالدولة، ويضع الكيان في مهب الرياح العاتية.

السابق
هيفا.. تشكي على تويتر
التالي
حوار تلفزيوني بلا سياسة في ذكرى 13 نيسان