للقوات: من يقاطع بكركي.. يخسر

كان مشهد بكركي في قداس عيد الفصح بالغ الدلالة. بدا كأنه يضم في ثناياه نواة تحالف مسيحي غير معلن. وحده رئيس حزب «القوات» سمير جعجع ظل خارجه. جدول أعمال هذا التحالف كان مليئاً بالبنود الوفاقية، إلا أنه أعطى دفعاً لثلاث رسائل أساسية خرجت من بكركي ووصلت إلى من غاب عن قداسها.
أولى الرسائل كانت إعلان فشل جعجع في إدارة «14 آذار» مسيحياً. حضور حزب «الكتائب» بشخص رئيسه أمين الجميل، لم يكن تفصيلاً في قداس الفصح. وإذا كان سليمان قد أعلن بشكل واضح أنه «يجب احترام مرجعية بكركي التي يضع ثوابتها البطريرك (بشارة الراعي) فإنه قلل من أهمية أي مقاطعة، عندما قال إنه «لا يمكن التحدث بالمقاطعة عندما يكون رئيس البلاد موجودا».

ما زاد من حرج «القوات» في مقاطعتها للراعي اعتراضاً على مواقفه المتعلقة بسوريا، أنها تأكدت خلال القداس أن ما قاله ويقوله ليس إلا تعبيراً أميناً عن موقف المرجعية الاولى للكاثوليك في العالم. ببساطة لأن الراعي نفسه، أعلن خلال القداس، عن زيارة البابا بينديكتس السادس عشر إلى لبنان في أيلول المقبل. ولو كان ثمة موقف للفاتيكان مخالف لموقف الراعي «لكان أدى حكماً لإلغاء الزيارة» يقول قيادي مسيحي في الأكثرية.

الإحراج «القواتي» لم يتوقف عند هذا الحد، فحياد لبنان الذي دعا إليه الراعي «غير قابل للاعتراض، تحديداً من الطرف الذي كان يدعو دائماً إلى الحياد، فإذ به يتحول إلى رأس حربة في الهجوم من لبنان على النظام السوري. أضف إلى أنه يريد أن يلزم بكركي بموقفه» على حد تعبير أحد نواب «تكتل التغيير والاصلاح».
أما ثانية وأهم النقاط، فتناولت قانون الانتخاب على أساس النسبية. ذلك المشروع الذي أخذ دفعة استثنائية بتأييده من البطريرك بشارة الراعي ورئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، إضافة إلى العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية. حتى «الكتائب» لم تكن خارج هذا الاصطفاف وإن ظلت محافظة على خصوصيتها.

عندما قرأ الراعي من الإرشاد الرسولي أنه «لا يمكن إقصاء أحد، أو الاستغناء عن أحد»، قرأ أيضاً انه «لا يمكن أن تطلق على أي خيار سياسي صفة المطلق، بل الخيارات كلها نسبية»، فكيف بقانون الانتخاب؟
سريعاً وجدت مختلف القيادات المسيحية في النسبية الوريث الشرعي لاقتراح القانون المقدم من «اللقاء الارثوذوكسي». وجدت في الصيغة النسبية الضامن «لانتخاب المسيحيين لمعظم نوابهم». انطلاقاً من ذلك، وقعت «القوات» في «شر أعمالها» عبر غيابها عن مشهد بكركي، الذي ظهّر على أنه مناسبة جامعة للحريصين على دور المسيحيين.
هذا لا يعني أن جعجع يعارض النسبية، فهي حكماً تعطيه حجماً أكبر وبقواه الذاتية، ولكنه مع ذلك «يفضل أن يأكل العنب بدل قتل الناطور، وبالتالي فإذا وافق «المستقبل» على إعطائه عدداً من المقاعد التي يطالب بها، يمكنه السير بـ«قانون الستين» بهدوء، وبما لا يوحي أمام أنصاره أنه تخلى عن «حقوق المسيحيين» في انتخاب نوابهم».

حسبها الأقطاب المسيحيون وتبين لهم أن النسبية تسمح لهم بالتحكم باختيار نحو 80 بالمئة من عدد نوابهم، فيما هي لا تتعدى حالياً الـ40 بالمئة.
بالنتيجة، تبين أن القوتين الوحيدتين اللتين تعارضان النسبية علناً هما تيار «المستقبل» والنائب وليد جنبلاط اللذان يخسران حجمهما المضخم، كما قال ميشال عون في الاسبوع الماضي. عون نفسه يبدو مطمئناً لموقف حليفيه «حزب الله» و«أمل»، اللذين يؤيدان المشروع، الذي يخسرهما على أبعد تقدير ثلاثة مقاعد.
وحده الرئيس نجيب ميقاتي لم يعلن موقفاً حاسماً. وعلى الرغم من انه يفضل التوافق، إلا أنه من خلال موقف رئيس الجمهورية تحديداً أخذ دفعاً كبيراً أقله لمواجهة قانون الستين. ولهذا، فهو يعول كثيراً على التوافق على قانون فؤاد بطرس الذي يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي.

ويدعو مصدر معارض لـ«قانون الستين» مختلف الأفرقاء، الى عدم القراءة بكتاب نتائج انتخابات العام 2009، محذراً من أن القانون نفسه قد لا يسمح لهم بتكرار انتصارات طرابلس أو البقاع الغربي أو زحلة، على سبيل المثال لا الحصر، في ما تضمن النسبية لهم موقعاًَ متقدماً في كل الدوائر.

وفي ثالثة الملاحظات التي كشف عنها مشهد الفصح كان التقدم الملحوظ لبكركي وبعبدا معاً على خط الخلاف المالي، دعماً لموقف «تكتل التغيير والاصلاح». وبعدما دعا الراعي يوم الجمعة الماضي «إلى الموت عن سرقة المال العام»، فإن مصادر في الأكثرية المسيحية توقفت عند انتقاد رئيس الجمهورية لـقوى «14 آذار» عبر دعوته النواب الى «القيام بدورهم لمناقشة مشروع قانون الـ8900 مليار وعدم تعطيل النصاب، لاسيما بعد أن وضعت لجنة المال ملاحظات مهمة عليه».

هذه «التعديلات المهمة» هي التي تعرقل تصديق سليمان على المشروع تطبيقاً للمادة 58 من الدستور حتى الآن، إذ أنه سيضطر معها إلى تصديق المشروع كما أقر في الحكومة. ولهذا فهو أعلن أن «رئاسة الجمهورية تقوم بدراسة هذا المشروع بدقة والتحقق من ملاءمته للقوانين المالية وللتحقق أيضاً من الانتظام المالي العام لكي يتخذ القرار على ضوء ذلك». وإذا ما صح أن بكركي تؤيد إصدار رئيس الجمهورية للقانون تأكيداً على صلاحياته التي كفلها الدستور، فإن الرئيس سليمان نفسه يبحث عن طريقة لإقرار القانون ولكن وفق الصيغة التي خرج بها المشروع من لجنة المال.

السابق
من النعيم إلى الجحيم
التالي
الجماعة الاسلامية تستحضر السوري الحر والأسير في صيدا