ستشمل الحرب مساعدة انسانية

في الماضي قدمت اسرائيل مساعدة إنسانية شاملة لدول في الشرق الاوسط، مثل تركيا في 1999، في أعقاب الهزة الارضية التي وقعت هناك. والان تجري هزة أرضية اخرى، سياسية، في سورية. اسرائيل اقترحت في الماضي نقل مساعدة انسانية الى سورية عبر الصليب الاحمر. وهذه بالطبع مسألة حساسة وذلك سواء لان الحديث لا يدور عن كارثة طبيعية، بل عن صدام مسلح بين النظام وجزء من مواطنيه، أم لان سورية هي دولة معادية لاسرائيل.
في استطلاع أجري مؤخرا في اسرائيل تبين أن 26 في المئة يؤيدون منح مساعدة إنسانية لسورية. اعلان اسرائيل عن اقتراحها جاء لمنحها مقابلا سياسيا وأخلاقيا على حد سواء على خلفية النزاع العربي ـ الاسرائيلي، بما في ذلك العنصر الاسرائيلي ـ السوري فيه، بمعنى أنه رغم الحروب في الماضي، غياب العلاقات الدبلوماسية وخلافات الرأي المعروفة، مثلما بشأن هضبة الجولان، فان اسرائيل تميز بين المشاكل التي لها مع سورية وبين الحاجة الى مساعدة الشعب السوري الذي يعيش في ضائقة. كما أن الحديث لا يدور عن تدخل عسكري بل انساني فقط من أجل السكان الذين يعانون من نقص حاد بالمواد الاساس وبالمعدات الطبية.

في أعقاب الاقتراح الاسرائيلي قد يمتنع السكان السوريون عن تلقي المساعدة، وذلك فقط اذا ما اشتبهوا بمصدر الارسالية التي تصل اليهم، هذا يمكن أن يحصل ايضا حتى لو بعثت اسرائيل بغذاء ومعدات طبية من غير انتاجها كي تطمس الصلة بها. وكنتيجة لذلك، فان ارسالية لا تأتي من اسرائيل ايضا كفيلة بان ترفض. بدلا من المساعدة، ستفاقم اسرائيل الوضع فقط.
التحفظ في سورية من تلقي المساعدة من اسرائيل سينبع من موقف مناهض لاسرائيل و/ أو كي لا تتخذ صورة كمن تتعامل مع اسرائيل، الامر الكفيل بان يؤدي الى عمليات انتقام من جانب المعارضة، المتحفظة من اسرائيل، و/أو من جانب نظام الاسد. يكفي استعداد اسرائيل للمساعدة، وكما أسلفنا على المستوى الانساني فقط كي تستغل هذا منظومة الدعاية في سورية في اطار ميلها في اتهام جهات أجنبية، بما فيها اسرائيلية، بالتدخل في الشؤون الداخلية لسورية.
اسرائيل متعلقة بمنظمات مثل الصليب الاحمر كي تنقل المساعدة. وظاهرا يمكن لاسرائيل أن تنقلها مباشرة عبر الجو وانزال المعدات، ولكن الطائرات الاسرائيلية ستكون في خطر، وستكون هذه بطبيعة الحال، طائرات نقل، اكثر قابلية للاصابة والاعتراض بالقياس الى الطائرات الحربية. سلاح الجو الاسرائيلي يمكنه بالطبع أن يرافق طائرات النقل، ولكن عندها ستكون حاجة الى اسقاط طائرات وتدمير بطاريات مضادة للطائرات لدى سورية تحاول اسقاط طائرات النقل الاسرائيلية، مما من شأنه ان يشعل حربا بين الدولتين.

احتكاك مع سورية يؤدي الى مواجهة سينطوي على خطر ليس فقط للشعب في اسرائيل بل وايضا للشعب السوري، وذلك مثلا اذا ما أطلقت سورية صواريخ نحو الجبهة الاسرائيلية الداخلية وتلقت ردا مشابها. وحتى لو بذلت اسرائيل جهدا للامتناع عن المس بالسكان السوريين، خلافا للنظام السوري نفسه، مشكوك أن يكون هذا ممكنا. الرغبة الاسرائيلية في مساعدة الشعب السوري كفيلة في سيناريو سيىء على نحو خاص ان تلحق الضرر، المعاناة والكثير من الخسائر بالشعب السوري. وكما هو معروف، فان الطريق الى الجحيم يكون أحيانا مرصوفا بالنوايا الطيبة.
رغبة اسرائيل في مساعدة الشعب السوري كفيلة بان تجعل اسرائيل مزاودة في نظر الغرب عقب الانتقاد الدولي بشكل عام والعربي بشكل خاص لها، عقب العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين وبالاساس بسبب الخلاف الجاري في قطاع غزة. ولكن في الحالة الاسوأ من شأن اسرائيل أن تتورط في مواجهة مع سورية.

اسرائيل يمكنها أن تنضم الى الدول التي تشجب نظام الاسد على جرائمه ضد شعبه. اضافة الى ذلك، مع كل الرغبة في المساعدة للشعب السوري، على اسرائيل أن تفكر أولا وقبل كل شيء بشعبها. اذا ما قررت اسرائيل منح الشعب السوري مساعدة انسانية لاغراض أخلاقية، من الافضل أن تنقلها عبر منظمة دولية ما، غير متماثلة مع اسرائيل ومرغوب فيه ايضا لا تعمل معها بشكل دائم. في كل الاحوال يجب عمل ذلك بسرية تامة. العطاء في الخفاء سيكون أكثر أمانا لاسرائيل وللشعب السوري على حد سواء.

السابق
الرياضي يضحّي بلقب غرب آسيا
التالي
مراد: ما يجري في سوريا مؤامرة لخلخلة النظام