التباس العمالة..

هكذا إذن يا اخوان، خرج فايز كرم، المُدان قضائياً بالعمالة لإسرائيل وذهب مباشرة إلى قيادته في الرابية، لأخذ بركات رئيسه النائب ميشال عون، وليقدم له في المقابل، الطاعة التامّة والالتزام الذي لا تشوبه شائبة أيّاً كانت، بخطّه السياسي.. المقاوم!
والرواية في اصلها وفصلها وأوّلها وآخرها تُعدّ واحدة من أغرب روايات الحاضر اللبناني، وأكثرها تطاولاً على مفردات العيب والحياء والذوق الجمعي، وبعد ذلك، في آخر سطر من آخر فصل فيها، على الحياة السياسية عموماً، وعلى قوانين الممانعة والمناتعة والمقاومة السارية المفعول حتى على القضاء الذي يُفترض بداهة أنّه الضامن في عهدته تحقيق العدل على الأرض وترك الباقي لرب العالمين في السماء.

غريبة هذه السالفة بقدر استدرارها الأخّاذ لفرص تسجيل سقطات الممانعة وقيادتها العليا المتمثلة بـ"حزب الله": إدانة موثّقة بالعمالة لإسرائيل تصبح جزءاً من أكلاف سياسية مقبولة (!) لإبقاء عرى التحالف مع ميشال عون على متانتها ورفعتها وعلوّ كعبها فوق أي مُعطى قد يخدش خيطانها أو يزعزع روابطها حتى لو كان ذلك المُعطى فعلاً مجلجلاً في فضائحيته وخسّّته.

.. كان الافتراض المبني على مطوّلات خطابية وبيانية وبلاغية، وعلى سيل عرمرم من المواقف والأفعال الميدانية، ان هناك حدّاً فاصلاً يشبه بمتانته متانة الدرع الفولاذية، بين كل شيء وأي شيء، وبين قصة إسرائيل من ألفها إلى يائها. وكانت قضية العمالة، في هذا السياق وفوقه، مسألة خارج نطاق الحساب والقياس: أكبر من الحياة والموت. وأكبر الكبائر. وصنو زبدة المحرّمات التي لا يمكن مقاربتها إلاّ بلغة واحدة، اختصرها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مرّة بالدعوة إلى مواجهتها بتعليق المشانق!
.. وكان الافتراض بعد ذلك، أنّ عمالة كرم المؤكدة قضائياً يمكن أن تدفع البعض إلى التواضع السياسي، وأن تُحيل لغته التخوينية في حق "الاغيار" المختلفين معه، إلى أقرب متحف متوافر. وان تُعلّق معها الانتهازية الرخيصة التي أخذت من قضية فردية مماثلة، شمّاعة رُميت عليها اتهامات لبيئات كاملة بأمها وأبيها ومن دون تمييز.. وكان الافتراض أن خطورة الفعل وجسامته تفترض أن يُترك، في أسوأ الأحوال، أمر "معالجته" إلى السلطات المعنية وفي رأسها القضاء.. وكان الافتراض فوق كل ذلك، أن دواعي العيب والحياء تفرض على ذلك البعض، الكفّ عن تعيير الآخرين على الطالع والنازل. وصلبهم على خشب افتراءات سياسية تقارب أحكام هدر الدم!

.. لكن، خابت بالجملة حسابات المفترضين هؤلاء. ولم يبق إلا الاستعانة بفعل الغرابة لتوصيف أحوالنا في هذا المقام، ثم إعلان اليأس التام، من أي رهان على إمكانية الأخذ بأي شيء يمتّ بصلة إلى قانون العيب، بل وحتى إلى قانون الازدواجية في الأداء والخطاب، والذي يمكن إعادته إلى جذره الأول المسمى الانتهازية السياسية بكل تلاوينها!
.. بعض من رأى صور فايز كرم وهو يزور ميشال عون بالأمس، تساءل ببراءة عن موعد زيارته (المرتقبة!) إلى قيادة الممانعة في الضاحية، فقط لشكرها على مساعيها الحميدة!.. وعلى صمتها الأبلغ من أي فخامة لغوية. وذلك أعزائي أقلّ الواجب! وشكراً!

السابق
امتعاض سوري من أرسلان
التالي
تقدم كبير..