الربيع: “صحوة” تركية الهوى..لا إيرانية الجذر

يفتقد نموذج الحكم الاسلامي في ايران وسواها  جاذبية للاقتداء به.
علمانية النظام لم تبخس اسلام تركيا ، وهذا الاسلام لم يرذل بقية التيارات
علي الأمين
 البلد- الجمعة 23 اذار 2012
"الصحوة الاسلامية" هي التسمية التي يتمسك بها الخطاب الرسمي الايراني لما يسميه العرب عموما "الربيع العربي". وهذه التسمية كما بات معروفا تشمل كل الحراك التغييري الجاري في الدول العربية، باستثناء ما تشهده سورية. واذا كانت ايران تريد من خلال هذا العنوان ادراج الثورات العربية في سياق ما جرى خلال الثورة الاسلامية الايرانية في العام 1979 واعتباره امتدادا لتجربتها السياسية والفكرية، فهي اخفقت، ضمن هذا السياق، في تقديم تبرير مقنع لترحيبها بالتغيير في ليبيا، رغم انه انجز بدعم عسكري غربي، في وقت تعتبر ان وقوفها الى جانب النظام السوري العلماني – الطائفي هو وقوف في وجه المؤامرة الغربية على هذا النظام. والأخير نفسه لم تلق الانتفاضة السورية، المستمرة منذ اكثر من عام ضده، اي معونة غربية فعلية تجعل المراقب يقتنع بأن هذا الغرب يريد تغيير النظام السوري فعلا كما كان الحال في ليبيا.
الصحوة الاسلامية، او نموذج الاسلام السياسي الذي قدمته القيادة الايرانية، اثبت مع مرور الوقت انه رغم الترحيب الذي لاقاه في بدايته، على مستوى العالم العربي والاسلامي، لا سيما لدى تيارات الاسلام السياسي، فإن الثابت ايضا ان ثمة تراجع وانكفاء لهذا التأثير تمثل في عجزه (النموذج) عن تشكيل مثال يحتذى من قبل تلك التيارات، وعجز أيضا عن تشكيل نموذج لغير المسلمين، في الحكم والادارة والتنمية.
فالنموذج الاسلامي الذي قدمته ايران، على المستوى الاسلامي او الانساني العام، لا ينسجم مع الوجهة التي تنزع اليها الشعوب العربية اليوم، اي ازالة القداسة عن السلطة، وانحيازها الواضح الى الحريات والانظمة السياسية الديمقراطية، ونبذها الاستبداد سواء كان عنوانه دينيا او غير ديني.
ويجب الاقرار ان النموذج الذي وصلت اليه الديمقراطيات الغربية يتقدم، في تأثيره على وعي الشعوب العربية والاسلامية الساعية للتغيير، على اي نموذج حكم اسلامي قائم اليوم. والنموذج الايراني، وان كانت له جاذبيته في تحدي السياسات الغربية التي تسعى الى التحكم بدول المنطقة عموما، الا انه يفتقد اليوم اي جاذبية لجهة استلهام الشعوب نموذج الحكم فيه والاقتداء به.
على ان الثغرة، التي تتسع عربيا مع بدء "الربيع العربي"، في العلاقة مع ايران اليوم، تكمن في وجوه عدة، احدها الموقف الايراني الداعم للنظام السوري في وجه الانتفاضة الشعبية ضده. وما يزيد من اتساع هذه الثغرة هو المزيد من تمظهر المشروع الايراني كمشروع اسلامي منكفىء نحو خصوصية سياسية شيعية. ولا يخفف من هذه الحقيقة القاء تبعات التمذهب السياسي على الغرب ومؤمراته او الانظمة العربية.
ثمة وجه آخر لا يدّعي شرفا قد يكون ملكا له: النموذج التركي. فعلمانية النظام التركي لم تبخس اسلام المجتمع التركي، وهذا الاسلام الطبيعي لم يجعل مكونات المجتمع التركي، القومية والعلمانية، في منأى عن المشاركة في الحياة السياسية. لا بل يمكن القول بثقة اننا نشهد محاولات استلهام هذا النموذج من قبل بعض الاسلاميين وغير الاسلاميين العرب في مقاربتهم عملية تغيير انظمتهم السياسية. فيما النموذج الايراني الاسلامي بقي عاجزا عن تشكيل نموذج تتفاعل داخله التيارات السياسية الدينية وغير الدينية بشكل سلمي وديمقراطي ومن دون تمييز مذهبي او ديني او ايديولوجي. وهذا بالتالي ما يؤهل النموذج التركي لأن يكون نموذجا يحتذى ويخترق الوعي العربي التغييري اليوم.
الصحوة الاسلامية، التي تروج لها ايران، لم تستطع ان تؤثر حتى في الحيّز الشيعي المتحكمة به في اكثر من دولة عربية. فالوعي الشيعي الذي ترعاه ايران اليوم، معنويا وسياسيا وماديا، ينحو اكثر فأكثر الى مذهبية صارخة تستحضر كل ما يعزز من تقوقعها، ومن بناء اسس دينية لهذا التقوقع والانفصال، الذي يجعل من دعوة الوحدة الاسلامية التي طالما كانت شعارا يتردد في اكثر من دائرة شيعية، يتهاوى امام مقولة بائسة هي "حلف الاقليات". علما ان ما يمكن تلمسه في هذه الدعوات في بعدها السياسي، رذل الخطاب الاسلامي الايديولوجي او المذهبي لكل ما هو وطني.
"الربيع العربي" في هذه الزاوية يعيد الامور الى نصابها: الدولة الوطنية وبناء نموذجها الحضاري هو التحدي، وهو امتحان ابتدائي لمدى قدرة حاملي الشعارات الكبرى على ان يغيروا العالم.

السابق
«الإخوان المسلمون الجُدد في الغرب» … مرونة اجتماعية وسياسية
التالي
الشرق: تشكيل مجلس عسكري في دمشق وريفها والمعارضة: بيان مجلس الامن فرصة جديدة للنظام