التشريع إحدى مهام النواب الأساسية. لكنها مهمة لا يعترف جميع المشرعين بأنها من وظائفهم. فبعضهم يرى نفسه نائباً سياسياً. أيا يكن من أمر، في مجلس النواب، حيث الملل، حكايا ومفاجآت تقوم بها شخصيات، هنا محاولة للتعريف ببعضها، ولا سيما من لم يلطشهم جنون الكاميرا
اسمه: كاظم الخير. الصفة: عضو في كتلة المستقبل النيابية. مواليد 1983. بين خطوة وأخرى في طريقه إلى مكتبه في مبنى اللجان النيابية، يتأكد ما إذا كانت قد وردته رسالة عبر الـ«بلاك بيري»: «أستعمله للتواصل مع زوجتي حصراً». استخدام «تويتر خفيف في منطقتنا» (التي هي ـ المنية والضنية ـ أهم خزان شعبي لتيار الرئيس التويتريّ). لكل نائب مكتب يتألف من غرفتين. الأولى صغيرة يجلس فيها غالباً مرافق النائب بدل مسؤول مكتبه (نحو نصف النواب فقط لديهم مسؤول مكتب وسكرتير فيما يكتفي النصف الآخر بالمرافقين). والثانية أوسع قليلاً، فيها طاولتان، كومبيوتر وبعض الفرش. ثمة نواب أعادوا فرش مكاتبهم بأثاث مكلف كالنائب فادي الأعور، ونواب تركوها كما هي كالخير.
حصل الخير على مفتاح هذا المكتب إثر فوزه في الانتخابات الفرعية عام 2010 بعد وفاة النائب هاشم علم الدين. أعطي أيضاً نمرة زرقاء، كان لا بد من شراء سيارة تناسب مقامها. و… فقط.
لا دليل إذاً ولا دورة تدريب على أصول العمل التشريعيّ. فضوله دفعه إلى استكشاف معنى أن تكون «سعادة النائب» في المجلس النيابي.
اسمه: خضر حبيب. الصفة: عضو في كتلة المستقبل النيابية. سفير سابق. بعد اتصال الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر به لتسليمه المفتاح والنمرة الزرقاء، قام بجولة شاملة. اكتشف وجود نفق يربط مبنى مكاتب النواب بمبنى الهيئة العامة، تنقّل بين غرف اللجان أيضاً، وتمكن من تبديل مكتبه مع النائب أحمد كرامي، ليتوسط زميليه في كتلة المستقبل هادي حبيش وعمار حوري. يتألف مبنى مكاتب النواب من سبعة طوابق، في كل طابق بين 15 و18 مكتباً.
مجلس بلا مواد أولية
بحكم عدم انتساب علم الدين إلى أية لجنة نيابية، انتظر الخير نحو عامين للانضمام إلى لجنتي الاقتصاد والزراعة. «اقتصاد بحكم تخصصي الجامعي وزراعة انسجاماً مع منطقتي».
في مكتب آخر، يمكن النائب غسان مخيبر أن يتحدث ساعات عمّا توفره معظم الحكومات لمجالسها التشريعية من أجل مساعدة النواب، وما يقدمه مجلسنا. إنس الدورة التدريبية الضرورية لنواب منتخبين لا يعرف بعضهم معنى تشريع. ليس في المجلس أساسيات للعمل التشريعي: دراسات تحدد الحاجات التشريعية والأولويات. فريق عمل يساعد النائب. مدة زمنية تحكم سير العمل والمناقشات.
في ظل حاجة المجلس الشديدة إلى تحفيز ما للنواب، تعتقد غالبيتهم بأن «أكثرية المقترعين يتأثرون بتزفيت أحد النواب جورة قبالة منزلهم أكثر بكثير من تأثرهم ببذل نائب آخر جهداً تشريعياً»، فضلاً عن حرق كلمة تشريع لبعض النواب شعبياً، إذ تتحول إطلالاتهم التلفزيونية مدججين بالتعابير القانونية الجافة إلى قصاص للجمهور.
عضو لجنتي الإدارة والعدل والاقتصاد ميشال الحلو يرى أن النائب لا يقف أمام المرآة فخوراً بنفسه إلا عند العمل في هذا المطبخ: «هنا سحر العمل النيابي». يأخذ نفساً عاشقاً ويتابع: أن تنشط في اللجان يعني أن تصنع قانوناً. يصف محامي بنك المدينة السابق نفسه بالحالة الاستثنائية في المجلس، مبدياً إعجاباً استثنائياً بما يقوم به. وفي رأيه فإن من يود العمل يُعلّم نفسه بنفسه.
16 لجنة نيابية
عودة إلى كاظم الخير. س: ماذا تفعل في اللجان الخاصة والمشتركة؟ ج: «أحضر يومياً، في اللجان تطبخ القوانين، تحدّث وتعدّل وتؤمن مصالح المواطنين. ثمة نواب يُحضِّرون ملفاتهم جيداً ويوزعون ما أعدوه، لتحصل نقاشات جدية».
لا شروط لانضمام النائب إلى هذه اللجنة أو تلك، يمكن النائب الطبيب أن يدخل لجنة الزراعة، والنائب المزارع أن يدخل لجنة التكنولوجيا. فقط في لجنة الصحة، ينسجم الحضور مع دور اللجنة ومهامها. تمثل هذه اللجان أساس العمل التشريعي. هناك 16 لجنة نيابية: المال والموازنة، الإدارة والعدل، الشؤون الخارجية والمغتربون، الأشغال العامة والنقل، التربية، الصحة، الدفاع، المهجرون، الزراعة، البيئة، الاقتصاد، الإعلام والاتصالات، الشباب والرياضة، حقوق الإنسان، المرأة والطفل، تكنولوجيا المعلومات.
يمكن هنا التسميع غيباً: مال وموازنة = ابراهيم كنعان. إدارة وعدل = روبير غانم. شؤون خارجية = عبد اللطيف الزين. أشغال عامة = محمد قباني. تربية = بهية الحريري. صحة = عاطف مجدلاني. دفاع = سمير الجسر. المرأة والطفل = جيلبرت زوين. في الشكل، يختزل رؤساء اللجان لجانهم. أما في المضمون فلكل لجنة «ليبرو» يحركها، غير الرئيس.
لا نصاب
لم يحل التقشف الحريري دون استمرار خضر حبيب في ممارسة الرياضة يومياً في فندق فينيسيا. تجدونه هناك يومياً عند العصر. هو من المؤمنين بأن العقل السليم في الجسم السليم. ولا بدّ بصفته نائباً أن يضمن سلامة عقله، من هنا يكثف التمارين الرياضية. هو عضو لجنتي الأشغال والعلاقات الخارجية. يترأس الأخيرة النائب عبد اللطيف الزين. وبحكم تقدمه في السن، يقول حبيب، تعمل اللجنة ببطء. مهمتها الأساسية: التدقيق في الاتفاقيات الخارجية والمعاهدات وكل ما يتعلق بعلاقات لبنان الخارجية.
بعض أعضاء اللجنة مثل أنطوان سعد وتمام سلام وسليم سلهب ونعمة طعمة ونهاد المشنوق لا يزورونها إلا نادراً. أما إيلي ماروني فلا يستفيق إلا عند ذكر إيران وسوريا. نائبا المستقبل خضر حبيب وخالد زهرمان ونائب حزب الله نواف الموسوي وحركة أمل ياسين جابر يظهرون جدية في الداخل. سيتكرر اسم جابر كلما دعت الحاجة أحد النواب إلى الحديث عن نائب يقوم بدوره التشريعي بدقة وبعيداً عن الأضواء.
«أنا دوّيم»، يقول حبيب: يحضر إلى المجلس كل أيام العمل. يشارك في مختلف اجتماعات اللجان. ثمة عمل شاق يتطلب درس كل ملف من مختلف جوانبه. يفرض ذلك وجود فريق عمل مع النائب يضم اختصاصيين في مختلف المجالات. لجنة الأشغال العامة والنقل التي يرأسها قباني تضم 16 عضواً. ولكن غالباً ما يضطر رئيسها إلى إجراء أكثر من اتصال لتأمين حضور 7 أعضاء، فلا تلغى الجلسة لعدم وجود نصاب. يقول حبيب إن هناك نواباً ممن يجعجعون ساعات على التلفزيونات لا يحضرون إطلاقاً إلى اللجان. مع العلم أن تعديلات 1982 لنظام المجلس النيابي الداخلي أسقطت العقوبات التي كانت تحسم من راتب النائب الذي يتغيب عن حضور اللجان أو تنشر اسمه في الجريدة الرسمية ليأخذ ناخبوه علماً بتكاسله.
الخصومة السياسية بين حبيب وعضو تكتل التغيير والإصلاح النائب حكمت ديب لا تمنع الأول من الإشادة بتحضير الثاني لملفاته. «نتبادل أنا وعلي عمّار ونواف الموسوي الآراء بكل هدوء ونادراً ما نختلف. بعيداً عن اللجان المسيسة كالمال والاتصالات، ننسى في الداخل أننا 8 و14»، يروي حبيب.
لكن رغم الجهد الذي يصرفه هنا، يشير حبيب إلى «عبثية ما»، فلجنة إدارة الكوارث عقدت خلال العام الماضي نحو عشرين اجتماعاً وأصدرت عشرات التوصيات للحكومة، بقيت جميعها حبراً على ورق.
حبيب: نائب = مشرّعاً
يشغل حبيب في المجلس النيابي مقعد عكار العلويّ. ليست لديه قاعدة شعبية توجب متابعة يومية. يمثل ذلك نقطة قوة تشريعية له. يمكن القول إن حضوره كمشرّع يعوّض عجزه عن الحضور كصاحب قاعدة ناخبة (هادي حبيش مثلاً أو خالد ضاهر). مع النائبين غسان مخيبر وعاطف مجدلاني يلاحظ الأمر نفسه. يقول حبيب إنه لم ينتخب نائباً لتقديم خدمات شخصية وملاحقة المعاملات: «هذه مهام الحزب الذي أنتمي إليه، أنا من خلال التشريع أحسّن أوضاع منطقتي».
عضو كتلة المستقبل الزحلاوية عاصم عراجي مجرب و… حكيم. طبيب القلب منذ ربع قرن عضو في لجنة الصحة. رغم عدم امتلاكه منزلاً في بيروت واضطراره إلى النوم عند أقرباء زوجته حين تقفل طريق ضهر البيدر، يواظب عراجي على المشاركة في اجتماعات لجنة الصحة حيث يلعب دور المقرر.
المميز هنا نجاح النائب الزحلي في التنسيق بين «الدور الخدماتي» في مستشفيات البقاع الأوسط وعيادته، وتخصيص يوم الثلاثاء لملاحقة مطالب ناخبيه في الوزارات ومع المديرين العامين، و«الدور التشريعي» عبر حضوره في لجنة الصحة. ينصح عراجي باختيار النواب اللجنة الأقرب إلى تخصصهم. وكان جزءاً، بحسب قوله، من عمل لجنة الصحة الذي أدى إلى: إعادة إطلاق المستشفيات الحكومية، تصحيح تسعيرة الدواء نسبياً وتعزيز صناعته، إعداد قانون الحد من التدخين (الذي يعتبر عراجي عرابه الحقيقي)، إعداد قانون التغطية الصحية لغير المضمونين والتقاعد والحماية الاجتماعية.
يقدم عراجي شرحاً إضافياً: «في بعض اللجان أنجز عمل كبير، لكن لا يتحمل النواب مسؤولية التنفيذ، رئاسة المجلس تتحمل مسؤولية التأخير في بت بعض القوانين ومجلس الوزراء يتحمل مسؤولية عدم التنفيذ». في الصحة، ثمة إجماع على تقدير دور رئيس اللجنة عاطف مجدلاني. الأخير ممن يواظبون على الحضور إلى المجلس للبحث عمّا يمكنهم أن يفعلوه، محاولاً النفاذ إلى بعض الحلول التشريعية في الغابة الطبية اللبنانية.
ختاماً، في رأس بعض النواب الصورة واضحة: للسياسة زعماؤها الذين لا يمكن مزاحمتهم. للخدمات روادها ممن «ولدوا في الكار»، فلا يبقى ليميز النائب نفسه ويحفر اسمه في تاريخ المجلس النيابي غير التشريع. يمكن لمن يدخل المجلس صغيراً أن يكبر هناك – في اللجان.
صامتون في الخارج فاعلون في الداخل
الوليد سكرية أحد النواب الذين لا يسمع لهم صوت خارج المجلس فيما لا يكاد يسمع غير صوتهم داخل اللجان. النائب سمير الجسر من الحالمين بأن يقتصر عمل النائب على التشريع. جوزف معلوف ينجح بتقديم نفسه يومياً في اللجان كمشروع مشرع. زميله خالد زهرمان أيضاً رغم افتقاده ملفاً محدداً. غسان مخيبر وروبير غانم وابراهيم كنعان من الأعلام. في المقابل، يقول النائب إميل رحمة صراحة إنه «نائب سياسي» ولا يعنيه التشريع كثيراً. زياد أسود ينشط حين تستدعي «الحاجة السياسية» ذلك. نايلة تويني: غائبة. نديم الجميّل أنشط من ابن عمه سامي في مناقشات اللجان، رغم تقديم سامي مشاريع قوانين أكثر مما قدم نديم. في بعض اللجان، أسماء يصعب اكتشاف الغاية من وجودها فيها: سيرج طورسركيسيان وهاني قبيسي في الإدارة والعدل! خالد ضاهر في التربية والتعليم العالي! فريد حبيب ونبيل نقولا في البيئة! بدر ونوس في الاقتصاد والتخطيط! بهية الحريري في الشباب والرياضة! محمد الحجار في تكنولوجيا المعلومات! جيلبرت زوين في المرأة والطفل و(صدق أو لا تصدق) جمال الجراح!
