خطة استهداف الجيش اللبناني!… لماذا؟… ومن المسؤول الحقيقي؟

ليس بالأمر السهل أن يتعرض الجيش اللبناني لاستهداف مركز، وليس مقبولاً الاستمرار في التساهل حيال الموضوع، ولم تعد المعالجة مقبولة بحكم قضائي معزول، أو بيان سياسي يصدر في سطور لطي القضية فالأمر بخطورته بات يتعدى ذلك الى حد الحاجة الى موقف وطني صلب يضع حداً لهذا الاستهداف المتمادي، والذي اشتد وتصاعد منذ أن آلت أمور الحكم في لبنان الى الفريق الانقلابي المستغل لجريمة 14 شباط 2005 فوضع يده على لبنان بعباءة حريرية وهابية متناغمة مع سلفية تكفيرية إلغائية، وانصرفت الحالة المتشكلة تلك الى العمل ضد الجيش حيث نسجل:

1) المحاولة السريعة لتغيير العقيدة الوطنية للجيش، والانتقال به من جيش للوطن ينسق مع المقاومة التي حررت معظم الأرض اللبنانية في الجنوب، وطردت "إسرائيل" منها، تغييراً يجعله جيش الحريرية الوهابية ليمارس مهمة الجيش القمعي للمخالفين. لكن مناعة الجيش وصلابة عقيدته أفشلتا المحاولة فثبت الجيش في موقعه الوطني واستمر متماسكاً بصفته المؤسسة الوطنية الأهم .

2) محاولة وضع اليد على مديرية المخابرات في الجيش، لكن النظام المتين الذي بني الجيش على أساسه، حال دون وقوع المديرية في قبضة الحريرية السياسية رغم المحاولات الحثيثة لبذر المال هنا وهناك. ومرة أخرى حالت المناعة العسكرية دون نجاح المحاولة. فكانت ردة فعل الحريرية بإنشاء "مديرية مخابرات بديلة " في قوى الأمن الداخلي، الخاضعة كلياً لها، ونفذ القرار بسلوك خارج القانون فضخم فرع كان عديده حسب النص بضع عشرات من العناصر، ليصبح جهازا أمنياً ينافس في عديده مديرية المخابرات في الجيش، ويتقدم عليها في الموازنة المالية والتجهيزات كما يمارس من المهمّات ما لم ينص عليه القانون.

3) التضييق على الجيش في مشاريع الموازنات "السنيورية " اعتباراً من العام 2006، وحرمانه من الاضافات التي تعدّت القاعدة الاثنتي عشرية، ولم يكن له نصيب من الـ11 مليار دولار التي أنفقها السنيورة مع سلوك تفاقم الى حد حرمانه عملياً من التجهيز والتسليح والذخائر، ثم كان الضغط عليه حتى في المجال الصحي، وحرمانه من حقوقه القانونية.

4) ولما لم ينفع كل هذا التضييق، كانت المكيدة الفظيعة للجيش في العام 2007 بفخ نُصب له، في مخيم نهر البارد، حيث استدرج بدفعه إليه، وكانت الاحتمالات المرتقبة للنتائج فظيعة، تتراوح بين تفكك الجيش او تصدعه او انكساره المعنوي ثم تهميشه من أجل تعطيل دوره، ولكن لم يحسب المخطط حسابا لاحتمال قيام من يعنيه الأمر باحتضان الجيش، وأن يتمسك العسكريون بجيشهم على أساس عقيدتهم الوطنية وأن ينتصروا على المكيدة، وأن تقدم سورية على مد الجيش بالذخيرة، فيخرج منتصراً ولكن، ويا للأسف، بعد أن دفع مخيم نهر البارد الثمن تدميراً وتهجيراً.

5) ولم تمهل الحريرية – الوهابية – المنسقة مباشرة أو غير مباشرة مع السلفية التكفيرية، لم تمهل الجيش كثيراً، فكانت قراراتها السيئة الذكر في أيار 2008 التي ابتغت منها وضع الجيش في مواجهة مع المقاومة، لتتخلص من الطرفين، لكن السحر انقلب على الساحر، وهكذا تخلص الطرفان من كيد الحريرية مرة أخرى.

6) ولما وقف الجيش وقفته الوطنية في العديسة في مواجهة "إسرائيل"، تنصل الحريريون من "فعلته" تلك، وتركوه يواجه بمفرده، حتى أن بعضهم سولت له نفسه أن يطلب معاقبة الضابط الذي أمر بفتح النار على الجيش "الإسرائيلي" المعتدي، في سلوك ذكر اللبنانيين بتنصل حكومة السنيورة من بطولات المقاومة يوم أسرت الجنديين "الإسرائيليين" قبيل حرب عام 2006.

7) وعندما ذهب الجيش الى الشمال اللبناني ليمسك الأرض ويطبق القانون لمنع تسلل الإرهابين وتهريب السلاح الى سورية ثارت ثائرة الجماعات الحريرية الوهابية السلفية ضده، ولم يبق أحد من " مسؤوليهم "نواباً" ورسميين، أو غير رسميين، الا وهدّد الجيش وتوعده، ولما لم يعر الجيش أهمية لتهديدهم، فجروا أمن طرابلس ليستدرجوه اليها ويبعدوه عن الحدود، ثم نظموا حملة تشويه وتحريض عليه الى الحد الذي سمح بعضهم لنفسه بدعوة "أهل السنة لترك الجيش" فيما بعضهم دعا الى قتاله وآخرون الى تدمير ثكناته.. حدث كل هذا والمسؤولون عن المحاسبة في الدولة اللبنانية في سبات عميق فلم يحركوا ساكناً ولم يستجوبوا أحداً.

8) وفضلاً عن كل ما ذكر، كانت المفاجأة المذهلة التي تحبك اليوم في وزارة المالية ـ المالية التي صاغتها الحريرية على مزاجها، واستمرت متحكمة بمال لبنان، رغم أن الحريرية السياسية غادرت السلطة ظاهرا ـ حيث يعد مشروع قانون لتحويل سلسلة رتب ورواتب القطاع العام، ويستثنى منه فقط الجيش كي يعطى العسكري بدلاً مقطوعاً من 299 الف ليرة مهما كانت رتبته من جندي الى عماد – في حين تبلغ الزيادة لغيره من الموظفين في بعض الحالات 3 ملايين ليرة. سلوك يجري في سياق محكم لإيذاء الجيش وتحطيم معنوياته وتعطيل دوره، عملاً بشعار الحريرية – الوهابية "إما أن تكون لي، أو تدمر أو تهمش".

9) والآن تكتشف المخابرات في الجيش اللبناني خلية إرهابية تنتمي الى تنظيم القاعدة وتعتنق الفكر السلفي التكفيري على أساس وهابي، ينطلق من مسلمة لديهم "ان كل من ليس سلفياً وهابياً فهو كافر" لا فرق في ذلك بين مسلم سني أو مسلم شيعي أو مسيحي، اذ يكفي ألا تكون وهابيا سلفيا في رأيهم حتى تكون في نظرهم كافراً يحل قتلك، وهم بهذا الاعتقاد نظروا الى الجيش اللبناني، فرأوه كافراً لأنه لم يشكل من وهابيين سلفيين، لذا يجب قتله وتدمير مراكزه فوضعوا الخطط لتدمير مراكز عسكرية ثلاثة ذات دلالات خطرة: المدرسة الحربية حيث إعداد الضباط، وكلية القيادة والأركان، حيث إعداد القادة للتشكيلات العسكرية في الجيش، وقاعدة حامات الجوية، حيث مهبط الطوافات المستعملة لنقل القوات الخاصة، وقوات التدخل السريع. أي أنهم اختاروا مراكز نخبوية، ورأوا في النيل منها ضربة معنوية كبيرة للجيش، خاصة في المركزين الأولين اللذين لا يبعدان الا مئات الامتارفقط عن وزارة الدفاع والقصر الجمهوري .

هذه محطات من مسلسل استهدافات الحريرية السياسية وقرينتها السلفية الوهابية للجيش، استهداف لا نرى سبباً له الا نظرتهم الإلغائية الاستئثارية المطلقة . سلوك يطرح السؤال حول كيفية الرد والدفاع عن الجيش؟

دفاع نراه يبدأ بتحديد الخطر ومصدره والمسؤول عن تشكله، ثم ينطلق في المعالجة التي لا نرى أنها أمنية وعسكرية فقط، بل إنها وقبل كل شيء سياسية شعبية قضائية، مواجهة تكاملية يجب أن تحصل فلا تنحصر الملاحقة بالعنصر التنفيذي الذي حضر المتفجرة هنا، أو وضع عبوة هناك، أو ألقى قنبلة على باص العسكريين، أو على مركز من مراكزهم هنالك، بل يجب أن تطال كل من حرّض على الجيش، وساهم في إنتاج البيئة الحاضنة للمتطاولين عليه، ثم منع مساءلتهم. لأننا وبمنطق قانوني بحت، نرى أن جريمة المنفذ ورغم فظاعتها، تبقى صغيرة عند جريمة المحرّض ومنتج البيئة الحاضنة للمعتدين، والمانعة من المحاسبة والمساءلة .

ان الجيش ملك للوطن، وليس لأحد أن يتصرف به أو يمسّه، وليس لأحد الحق بأن يتراخى في حمايته ومحاسبة المعتدين عليه، ومع هذا اليقين نسأل:

– هل سيبادر القضاء اللبناني ويفتح ملف العدوان على الجيش برمته، والتقصير حياله؟

– هل سينتفض المسؤولون لدفع عجلة المساءلة دون حساب للألقاب والعناوين؟

– هل سنرى حالات شعبية وازنة تنتفض للدفاع عن الجيش؟

-أم سيترك الجيش وحيداً في المواجهة؟ كما حصل حتى الآن ومنذ سنين؟  

السابق
الشيعة والسنة في كأس العالم
التالي
بشاعة دكتاتورية الأنظمة الطائفية