الراي: لبنان في عنق حدوده مع سورية تتجاذبه ضغوط دمشق وتحذيرات واشنطن

بدا لبنان امس، كأنّه يسير على «حبليْن مشدوديْن»، الاول عنوانه «ضبط الحدود» مع سورية واحتواء المضاعفات الامنية والديبلوماسية التي تصاعدت في الايام الاخيرة عقب موجة النزوح الكثيفة التي حصلت الاحد الماضي الى البقاع، والثاني عنوانه «ضبط حدود» الخلافات بين مكونات الحكومة وفريق الغالبية والتي فاقمها ملف الانفاق المالي من خارج الموازنة حيث ظهرت الاكثرية كأنها «بلا ذراع» نيابية او «بلا أظافر».

واذا كان ملف «المليارات» الذي أغرق المشهد الداخلي طوال الشهرين الاخيرين بضجيج متصاعد يشهد اختباراً حاسماً اليوم خلال الجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء في محاولة لتمرير مشروع القانون الذي أعده وزير المال محمد الصفدي حول تسوية الإنفاق الحاصل بين 2006 و2010 (اي خلال حكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري) على قاعدة التلازُم بينه وبين إنفاق حكومة نجيب ميقاتي مبلغ 6 مليارات دولار في الـ 2011، فان قضية الحدود اللبنانية – السورية التي حضرت في الاجتماع الاستثنائي الذي عقده المجلس الاعلى للدفاع عصر امس، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، عكست حجم الضغوط التي تتجاذب بيروت نتيجة تفاعلات الازمة السورية و«دفْق» النازحين، وهو ما كانت عبّرت عنه صراحة مطالب السفير السوري علي عبد الكريم علي من الحكومة في شأن الوضع على الحدود مع بلاده وسط معلومات عن إلحاح دمشق على القبض على «المسلحين» الذين يفرّون الى لبنان وتسليمها اياهم في مقابل تحذيرات السفيرة الأميركية مورا كونيلي للبنان من اي تسليم لنازحين او معارضين سوريين بمن فيهم عناصر من «الجيش السوري الحر» الى السلطات السورية داعية الى حماية «المجردين من السلاح» بينهم.

وقبيل التئام المجلس الاعلى للدفاع تحت عنوان «ضبط الحدود مع سورية ومنع تسلل المسلحين من والى لبنان»، بدا ان بيروت تحاول تأمين صيغة تسحب «فتيل» الضغوط السورية وتُجنّب في الوقت نفسه صِداماً لا تتحمّل تبعاته مع المجتمع الدولي.
وفي موازاة «السير بين النقاط» في هذا الملف حيال الخارج، فان الداخل ظهر منقسماً بقوة بإزائه، اذ لم تنجح محاولة بعض المسؤولين الطمأنة الى ان التمييز سيحصل «بين ضرورة التعامل الحازم مع عمليات تسرب المسلحين والسلاح في الاتجاهين، وبين مقتضيات استقبال المدنيين السوريين النازحين»، في إخماد هواجس قوى «14 آذار» التي توجّست اوساطها من امكان استغلال التوجّه لنشر الجيش اللبناني على الحدود مع سورية «لمنع دخول النازحين الهاربين من آلة القتل التي يحركها النظام السوري»، معتبرة «أن ضبط الحدود لا يجوز أن يتمّ بشكل عشوائي في وجه الحالات الإنسانية»، ومتمنية «ضبط كل الحدود وليس تلك التي تطالب بها الحكومة السورية فقط».

وجاء انعقاد «الأعلى للدفاع» غداة إظهار جلسة مجلس الوزراء التي حضرت فيها بقوة قضية الحدود والنازحين وجود حاجة الى التئامه (بعد التوافق بين سليمان وميقاتي) وسط دعوة حلفاء دمشق الى «إجراءات حاسمة لمنع تسلل المسلحين الى سورية، لأن في ذلك مصلحة للبنان اولا»، علماً ان تداعيات الازمة السورية خيّمت ايضاً على الجلسة من بوابة ما كانت دعت اليه السفيرة الاميركية لجهة تأمين الحماية لعناصر «الجيش السوري الحر» الذين يدخلون لبنان، وهو ما ردّ عليه مجلس الوزراء في شكل غير مباشر بتذكيره في المقررات الرسمية «الهيئات الديبلوماسية العاملة في لبنان بضرورة احترام معاهدة فيينا ومؤسسات الدولة اللبنانية وقوانينها حرصاً على انتظام العمل على القواعد المعمول بها دولياً تجنباً لأي تجاوز لها قد يؤثر على علاقات لبنان مع أي جهة».

وكان وزير الخارجية عدنان منصور أثار خلال الجلسة دعوة كونيللي، مؤكداً أن «لبنان لا يُطلب منه، بل يتصرف انطلاقاً من مصلحته ووضعه الأمني وإمكاناته»، معلناً أنه «لا يمكن أن نوفر الدعم لعناصر مسلحين موجودين على أراضي لبنان ولا نريد معسكر أشرف ثانياً في لبنان»، نسبةً الى ما كان يُطلق على المعسكر الذي أقامته مجموعة «مجاهدين خلق» في العراق لمحاربة الثورة الإيرانية، منبهاً الى محاذير نشوء مثل هذا الأمر الواقع في لبنان، تحت شعارات إنسانية.
كذلك لفت في المقررات الحكومية دعوة «القوى السياسية اللبنانية إلى الارتقاء إلى مستوى المسؤولية والابتعاد عن الخطاب الذي يثير الغرائز والنعرات ويعرّض الوحدة الوطنية ومصالح اللبنانيين للخطر، ويترك انعكاسات سلبية على علاقات لبنان بالدول الشقيقة والصديقة في هذه المرحلة الصعبة».

وعكس هذا البند مداولات الجلسة الحكومية التي اثار فيها وزراء حلفاء لسورية محاذير التعرض لشخص الرئيس بشار الأسد من الشيخ أحمد الأسير.
في موازاة ذلك، وفيما كانت الاجهزة الامنية اللبنانية تطلق 7 موقوفين سوريين لديها بعدما دخلوا الاراضي اللبنانية وتردد انه ضُبطت في حوزتهم اسلحة فردية (لم يُسلموا الى الامن العام لإعادتهم الى سورية بل جرى تصنيفهم من ضمن حركة النازحين من حمص)، كانت الانظار تتجه الى باريس حيث كُشف ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط التقى وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه وعرض معه التطورات السياسية الراهنة في سورية والمنطقة.
وجاء لقاء جنبلاط مع جوبيه بعد ثلاثة ايام على اجتماعه في لندن مع وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ.

السابق
الحياة: مجلس الوزراء يدرس اليوم مشروع الصفدي للإنفاق وجلسة تشريعية عادية الخميس بانتظار التسوية
التالي
اين المرأة اللبنانية من اليوم العالمي؟