حماس ضدّ الأسد: مقاومة متصالحة مع قيمها

بموقف "حماس" من انتفاضة الشعب السوري تسقط كامل ورقة التوت الفلسطينية
ظلت آذان المسؤولين السوريين صماء حيال نصائح حماس ومساعيها

الإنفضاض الفلسطيني من حول النظام السوري يكتمل مع المواقف الاخيرة التي اطلقها اكثر من مسؤول في حركة المقاومة الاسلامية "حماس" بإعلان وقوفها الصريح إلى جانب الشعب السوري في المواجهة المستمرة مع "النظام" منذ عام تقريبا.
تساوت اقطاب حماس في الموقف من سورية رغم التباينات، بين الخارج والداخل، وبين متشددين ومعتدلين. لم يبق في ميدان النظام السوري "الممانع" الا بعض الفصائل الهامشية في الساحة الفلسطينية تأثيرا وتمثيلا. يبقى ان "حركة الجهاد الاسلامي" برئاسة رمضان شلح تندرج ضمن الحيز الايراني وهي تنأى بنفسها عن اتخاذ اي موقف يُشتمّ منه دعم النظام السوري "الممانع".
يتحدث بعض مسؤولي "حماس" عن الجهود التي بذلوها لمنع تفاقم الازمة السورية، وعن لقاءات اجراها قياديوهم مع مسؤوليين سوريين كبار من بينهم الرئيس بشار الاسد غداة احداث درعا قبل عام، من اجل معالجة سياسية للازمة، ومن اجل التوصل الى تسوية سياسية، لكن باءت بالفشل بسبب اصرار النظام السوري على الحسم الامني والعسكري، وتعنّته حيال اي معالجة سياسية في الشارع مع قيادات معارضة أو معالجة جدية لما طال بعض العشائر في درعا وسواها من عدوان واهانات.
في ظل هذا الاصرار على الحل الامني والعسكري العبثي، ومع ازدياد وتيرة قتل المدنيين والاعتقالات، وجدت "حماس" نفسها في موقف حرج، وباتت تدرك ان وقوفها مع "الربيع العربي" في مصر وتونس وليبيا وغيرها، لا يمكن ان يقابله موقف مغاير في سورية، رغم العلاقة مع القيادة السورية.
إذن "حماس" التي استبشرت افقا مفتوحا بربيع العرب أدركت، مع اغلاق النظام السوري ابواب الحوار الداخلي، وايغاله في الحل الامني، انها لا يمكن ان تقف في وجه الحراك الشعبي السوري، ولا يمكنها حتى الصمت. فتطوّر الاحداث جعل "الحركة" في موقع المتهم. وأوحت، من خلال التصريحات التي اطلقها رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، ردا على مواقف الشيخ القرضاوي وغيرها من المواقف العربية التي ادانت النظام السوري في الاشهر الاولى من الانتفاضة، أنها جعلت "حماس" في موقع المتهم بتغطية ما يرتكب في سورية.
في المقابل لم تعط هذه المواقف اي ميزة لـ"حماس" لدى القيادة السورية، وظلت آذان المسؤولين السوريين صماء حيال النصائح اوالمساعي التي كانت تبذلها بين النظام وبعض معارضيه، وبين "النظام" وبعض الدول العربية.
إختارت "حماس" الخلاص من اعباء العلاقة مع "النظام" وترك قياديوها سورية، لكنّ هذه التضحية في الاصل هي تضحية النظام السوري بهذه العلاقة. فالنظام السوري لا يستطيع ان يدّعي ان موقع "حماس" ونفوذها ودورها هو صناعة سورية اسوة بتنظيم "الصاعقة" او "القيادة العامة" او "فتح الانتفاضة". تلك المنظمات التي يعرف الفلسطينيون قبل غيرهم ان مصدر قوتها الفعلي نابع من انتظامها في البنية الامنية السورية، وتحولها الى اداة لها في المخيمات الفلسطينية السورية واللبنانية، فيما حماس تحظى بشرعية تمثيلية فلسطينية لا لبس فيها، وهي امتداد لتيار "الاخوان المسلمون" وهي لا يمكن ان تكون شاهدا عاجزا امام ما يرتكب من قتل ولو كان حليفا.
بموقف "حماس" من انتفاضة الشعب السوري تسقط كامل ورقة التوت الفلسطينية التي طالما أخفى بها النظام السوري عيوب سياساته الداخلية والخارجية طيلة عقود. لا بل طالما كانت هي وسيلته في ترسيخ الانقسام الفلسطيني، ولعلها ابرز انجازاته في الساحة الفلسطينية منذ عقود. وهي الى ذلك تفضح الاستعلاء الفارغ الذي مارسته القيادة السورية على اصحاب القضية الفلسطينية ومناصريها، فهي غرفت من الدماء الفلسطينية كما لم يغرف اي نظام عربي باسم القضية الفلسطينية، وسجونه واقبيته شاهدة على تفوقه في هذا المضمار بزجّه عشرات آلاف الفلسطينيين فيها طيلة عقود.
فيما الفصائل الفلسطينية، من اسلاميين وغيرهم، ينفضّون من حول هذا النظام بسبب ما يرتكبه اليوم ضد شعبه. وهم في خطوتهم هذه ينسجمون مع جوهر المقاومة بانحيازها الى الشعوب وينصرون القضية الفلسطينية من خلال رفع أيّ شرعية فلسطينية ومقاومة على آلة القتل التي اختصرها النظام الأسدي اليوم.
الموقف الفلسطيني مما يجري في سورية، إلى جرأته، هو موقف أخلاقي إنساني، لذا هو مقاوم: نتحدّث عن الجارة… لتسمع الكنّة.

السابق
كلينتون: يمكن القول إن الرئيس الاسد مجرم حرب
التالي
الانوار: اتصالات لمواجهة المخاطر المحتملة لاعتصامات الاحد في ساحة الشهداء