فتوى لتكفير المثقفين والكتّاب في اليمن

فتوى تكفير الكتّاب والمثقفين تثير جدلا واسعا في اليمن، لكن هل ستؤثر في العلاقة بين أحزاب «اللقاء المشترك» الحاكمة التي تجمَع اليسار المُكفَر واليمين المُكفِر؟

في حالة هي الأولى منذ اندلاع الثورة الشبابية في اليمن في شباط من العام الماضي، يوقّع سبعين من "رجال الدين" على فتوى تتّهم أربعة من الكتّاب والمثقفين اليمنيين الشباب بالتعدّي على الذات الإلهية والسخرية من الرموز الدينية. ومن هؤلاء الكاتبة اليمنية والقيادية في الثورة الشبابية بـ"ساحة الحرية" في مدينة تعز، بشرى المقطري، التي نشرت مقالة بعنوان "سنة أولى ثورة" انتقدت فيها موقف أحزاب اللقاء المشترك من "مسيرة الحياة الراجلة" التي قطعت مسافة 260 كلم من تعز (جنوب غرب اليمن) إلى صنعاء (شمال اليمن). كما تناولت بالنقد ما تعرّضت له المسيرة من مضايقات واعتداءات على مشارف العاصمة ،وبعد دخولها إلى "ساحة التغيير في صنعاء".
 ووصفت بشرى المقطري، وبلغة أدبية رمزية، الظروف القاسية التي تعرّض لها المشاركين بالمسيرة في منطقة تسمى (خِدار)، وهي المحطّة التي باتت فيها المسيرة ليلتها الأخيرة قبل الدخول إلى صنعاء، فقالت: "كانت الأمور كلها طيبة "بلدة طيبة وربّ غفور"، لكن الأمور لم تعد كذلك، والربّ الشكور لم يعد حاضراً في ليل خدار. تَرَكَنا الرب نتدبّر أمورنا، ولم نستطع أن نفعل شيئا أمام عجزنا البشري". هذه العبارة أثارت غضب التيّار السلفي الجهادي بزعامة عبد المجيد الزنداني وعبد الوهاب والديلمي الذي نسبت إليه فتوى بتكفير أبناء جنوب اليمن واستحلال دمائهم، أثناء الحرب التي شنّها علي عبدالله صالح على القيادات الجنوبية التي كانت قد عادت إلى جنوب البلاد.

وللتكفير في اليمن تاريخ طويل يعود إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حين اتُّهم الشاعر عبد الكريم الرازحي بالتجديف بحق الذات الإلهية، بسبب نشره لحكاية مترجمة للأطفال وهي أسطورة إغريقية، فاعتبرها الجهاديون "مسّا بالدين" ومثله شاعر اليمن الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح، صاحب الرقم القياسي في عدد فتاوى التكفير بسبب قصائده وكتاباته، لينتهي عقد الثمانينات بأشهر محاكمة في التاريخ الحديث لليمن قضَت بإعدام الكاتب والأستاذ الجامعي الدكتور حمود العودي، الذي فرّ حينها هاربا إلى عدن.

وتعتقد الكاتبة والقاصّة اليمنية أروى عثمان، الفائزة بجائزة المنيرفا الإيطالية، أنّ المواجهة الفردية لن تكون مُجدية، لذلك دَعَت، في حديثها مع "دي دبيلو عربية"، المثقفين اليمنيين إلى " تشكيل موقف جماعي ومنظّم لمواجهة حملات التكفير المتكررة ضد الكتاب والمثقفين". ويعلن الروائي اليمني محمد عبد الوكيل جازم تجاوبه السريع، مطالباً بـ"الاصطفاف لعمل جبهة مضادة للتكفير، من أجل تحفيز جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية والجمعيات الوطنية للوقوف ضد هذا الإرهاب الفكري والديني". ويعتقد جازم أن السكوت مرة أخرى "لا يعني سوى افتتاح عهد جديد من ضياع الحقوق والحريات".

من جانبه، حذّر الباحث عبد الكافي الرحبي من السكوت إزاء هكذا فتاوى، مضيفا أنها "يجب أن تقابل برأي سياسي حازم، ومواجهة لا تنتظر التحالفات السياسية"، لأنها، كما يرى عبد الكافي، "تشكّل خطرا على السلم الاجتماعي وتشيع الكراهية في المجتمع"، مذكّرا في هذا السياق بفتوى عام 1994 التي أباحَت قتل الجنوبيين، ولم يتم الاعتذار عنها حتى الآن.  

السابق
التوتّر العالي
التالي
أول قناة من نوعها للكلاب