التوتّر العالي

لماذا كان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله على هذا القدر من التوتّر العالي في خطابه الأخير؟

في مهرجان 14 شباط في الذكرى السابعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، لم يتحدّث أي من قادة 14 آذار، لا سيّما الرئيس سعد الحريري عن حوار مباشر مشروط. جلّ ما ذهبَ الرئيس الحريري إليه هو دعوة "حزب الله" إلى إجراء مقاربة جديدة لمسألتي السلاح والمحكمة الدوليّة، مقاربة تفتح ثغرة في الحوار اللبناني المسدود وتساهم في ردم الانقسام وتجعل الحوار ممكناً ومجدياً ومؤسِّساً لشراكة متجدّدة في عمليّة بناء الدولة. فلا الرئيس الحريري لفظَ كلمتي "نزع السلاح" أو "تسليمه" ولا الدكتور سمير جعجع تجاوز حدود سؤال "حزب الله": لماذا تعزلون أنفسكم عن الآخرين؟.

وفي مهرجان "البيال" نفسه، ومع أنّ سعد الحريري كان جازماً في أنّ نظام الأسد آيل إلى سقوط محتّم، فإنّه وسائر قيادات 14 آذار لم يتحدّثوا بـ"انتصاريّة"، ولم يعتبروا سقوط الأسد انتصاراً لـ14 آذار – مع أنّه سيكون كذلك بمعايير عدّة – بل رأوا فيه فرصةً للبنان كي ينهض من سلسلة متّصلة من الأزمات. وأكثر من ذلك فإنّ التطرّق إلى هذا الموضوع الآن قبلَ السقوط "الرسميّ" للنظام هو شهادةٌ لـ14 آذار بأّنّها لا تقارب الوضع اللبنانيّ بـ""منطق" موازين القوى.

لماذا إذاً هذا الانفعال من جانب نصرالله؟.

وراء هذا الانفعال اعتبارٌ سياسيّ – نفسيّ بدون أدنى شكّ. فالسيّد نصرالله يعرفُ بينه وبين نفسه أنّ نظام الأسد ساقطٌ حتماً وأنّ سقوطه "خسارة" إستراتيجيّة له. لكنّه وبدلاً من أن يؤدّي بما لا يجعلُ سقوط بشار الأسد هزيمة كبرى، فهو يكابرُ ويعبّر عن هذه المكابرة بهجوم على 14 آذار.

وفي الاعتبار السياسيّ – النفسيّ نفسه أيضاً، أنّ نصرالله يعرفُ أن ثمّة تضعضعاً في صفوف حلفاء نظام الأسد، وهو تضعضع قابل لأن يتحوّل إلى انهيار سريع، أي أن ينهار الحلفاء – والأتباع – حتّى قبل السقوط "الرسميّ" للنظام.

وبهذا المعنى فإنّ نصرالله يردّ على 14 آذار رافضاً مدّ اليد ويعلي الصوت لـ"لملمة" صفوف فريقه.

بل أكثر من هذا. فنصرالله يريد أن يقطع الطريق على التأثيرات الإيجابيّة، حتّى الأوّلي منها، لمبادرة الرئيس سعد الحريري إلى مخاطبة الطائفة الشيعيّة ليس فقط مبرّئاً الطائفة من دم الرئيس الشهيد ومن متّهمين "يحملون" المذهب الشيعي، بل مؤكّداً أن الطائفة الشيعيّة ليست ملكيّة لحزب كما كلّ الطوائف ليست ملكيّات لأحزاب، ومشدّداً على منع الفتنة السنيّة – الشعيّة وعلى الشراكة بين الشيعة وسائر المكوّنات في الوطن.

أمّا الأدهى – أي الأخطر – فهو أنّ السيّد نصرالله الذي يتناول رفض الفتنة بجمل اعتراضيّة وليسَ كقضيّة، إذ تعاطى مع استشهاد الرئيس رفيق الحريري بوصفه "حادثة"، رفضَ مبدأ تكافل اللبنانيين فيما بينهم. رفض مبدأ أن يتضامن اللبنانيون مع بعضهم وأن يحمي كلّ منهم الآخر وأن يضمنه، فقال بما لا يقبل أي التباس إنّ "مسألة الضمانات" خارجيّة.

كذلك تحدّث نصرالله عن تسلّح 14 آذار وعن دعمها المسلّح للثورة السوريّة، والسيّد يعرف حقّ المعرفة أنّ 14 آذار لا تقاتل في سوريّا بجانب الثورة، ولا تموّلها ولا تمدّها بالسلاح، بل هو يعرف تماماً أنّ اتهام 14 آذار لا يغطّي على مشاركة حزبه "المصوّرة" في مواجهة الشعب السوريّ. غير أنّ نصرالله في كلامه هذا يستدعي 14 آذار إلى التسلّح ، وكأنّه يستدعي البلد إلى حرب داخليّة.
 يا سيّد حسن،

إنّ الشطارة في السياسة هي أن لا يُظهر السياسيّ المحنّك خسارته على هذا النحو عندما يرى نفسه خاسراً.

والشطارة في السياسة هي في قدرة السياسيّ المحنّك على إستيعاب المعطيات… وعلى التعاطي مع الآخرين لحسن الانتقال إلى المرحلة التالية.

والشطارة في السياسة ليست في أن يملأ السياسيّ – "القائد" – الدنيا صراخاً في وجه الآخر "ما بتعرف مع مين عم تحكي؟". فعندما يصل القائد إلى هنا فعلى الدنيا السلام!.

وفي خلاصة القول إنّ توتّر نصرالله هو خير تعبير عن بلوغ أزمة الحزب مرحلة متقدّمة، كان في ودّ 14 آذار أن لا تكون سبباً في تأجيجها بل عاملاً في تجاوزها من أجل لبنان.

لكن ما الحيلة وقد شاء السيّد ألّا يترك أحداً من… صراخه. فلا اللبنانيون سلموا ولا الإخوان المسلمون العرب… ولا أحد.

وذلك في وقت يؤكّد اللبنانيّون الآخرون وعرب الربيع على تنوّعهم: لن نكره فلسطين بسبب من "يركب" على قضيّتها، وما الربيع إلّا لفلسطين في المطاف الأخير.

ثمّ تذكّر يا سيّد عندما تهجم على من تخاصمهم أنّ هؤلاء يمثّلون قدر تمثيلك وأكثر في لبنان… أمّا إذا جمعت خصومك لبنانيين وعرباً فحدّث ولا حرج!. 

السابق
العالم يُشيّع ويتني هيوستن!
التالي
فتوى لتكفير المثقفين والكتّاب في اليمن