الراي: الجماعات اللبنانية تلعبها صولد كأنها في صراع بقاء

ينطوي المشهد اللبناني على ما يشبه «صراع البقاء» ربطاً بمصير النظام في سورية، فالجميع في بيروت يلعبون «صولد» في خياراتهم السياسية والاستراتيجية التي من شأنها وضع مصير «جماعاتهم» السياسية او الطائفية او المذهبية في مهب التحولات السورية، وتالياً مصير لبنان برمته.
فمن تحت رماد الاستقرار السياسي – الامني الهش خرج «جمر» المنازلة السياسية الحامية على وقع اطلالتين، واحدة لـ «14 آذار» وفي مقدمها زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري وثانية للامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، حيث انكسر الصمت على موجة عالية من «الكلام الكبير» الذي يوحي بأن «الآتي اعظم».
في خطاب «المنتصر» الذي اطل به الحريري في الذكرى السابعة لاغتيال والده (رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري)، برزت اشارتان على جانب من الاهمية في كلام هذا الزعيم اللبناني المتكئ على تحالف عربي – اقليمي – دولي عنوانه «الربيع العربي»، واحدة تتصل بالصراع الدائر في سورية، وثانية على صلة بالموقف من «حزب الله».
يومها قال الحريري وهو يمد يده الى «سورية انني اتحمل مسؤولية التضامن مع الشعب السوري في مواجهة النظام الآيل الى السقوط»، وقال وهو يمد يده للشيعة اللبنانيين «اننا لا نحمل اخوتنا الشيعة اي مسؤولية في دم رفيق الحريري واننا معاً نصنع مصير لبنان، واتحمل كامل المسؤولية عن منع الفتنة السنية – الشيعية».
وفي خطاب الواثق بـ «فائض القوة» اطل نصرالله «الاستراتيجي» المتكئ على تحالف رأس حربته ايران وعلى ترسانة صاروخية تضاهي ما يملكه 90 في المئة من دول العالم، وقال لقوى «14 آذار» بمزيج من التحدي والاستهزاء «اعرفوا حجمكم واعرفوا حجمنا»، موحياً بان «اللعبة اكبر منكم»، ومجدداً التأكيد على وقوفه الى جانب نظام الاسد.
وبدا نصرالله، الذي يعتقد انه يتعاطى مع معركة سورية على انها «مسألة حياة او موت» شديد الحرص على «تسخيف» ما قالته «14 آذار» حين خاطبهم قائلاً: «لستم في موقع من يملي الشروط ويعطي الضمانات»، وذهب في كلام بالغ الدلالة الى اتهام هذا الفريق بـ «التورط السياسي والمالي وحتى العسكري في سورية».
بعد كلام الحريري وقبيل اطلالة نصرالله كانت احدى الشخصيات البارزة في تحالف «14 اذار» تقوم بـ «تمرين تحليلي» لما اراد قوله الحريري وبعملية استشراف لما يمكن ان يقوله نصرالله، وفي اطار يستند الى وقائع اللوحة العربية الجديدة، لا سيما تلك التي «تعارك» في سورية…
وكادت هذه المقاربات التي انتقلت من بيروت الى بابا عمرو ونيويورك وموسكو وانقرة وطهران، ان تتوقف مع «خبر عاجل» بدا معه وكأن الحرب على الابواب، حيث نقلت المواقع الالكترونية خبراً بثته محطة «المنار» التابعة لـ «حزب الله» عن اغتيال نائب رئيس «الموساد» الاسرائيلي في اسبانيا، قبل ان تنفي وبعد نحو نصف ساعة مراسلة تلفزيون «ال. بي. سي» في حيفا هذا الخبر الذي سحب من التداول لاحقاً.
اول الكلام لتلك الشخصية كان حديثها عن «هزيمة مؤجلة للاسد وانتصار افتراضي لشعبه ولنا»، مشيرة الى ان الاهم على الاطلاق في خطاب الحريري كان توجهه الى الشيعة واعلانه تحمله مسؤولية منع الفتنة السنية ـ الشيعية»، لافتة الى ان سلاح «حزب الله قد يؤخد الحل في لبنان لكنه لا يمكن ان يحبطه»، ملاحظة ان «الحزب الاقوى بسلاحه هو الاكثر خوفاً».
وتحدثت هذه الشخصية ان تطمينات الحريري تنطلق من الحاجة الى شبكة امان اسلامية – مسيحية جامعة في ملاقاة الربيع العربي ومتغيرات سورية، نافية ان يكون في الافق ما يشبه «التحالف الرباعي» الذي رأى النور بعد خروج الجيش السوري في العام 2005»، موضحة ان التحالف الاقليمي الذي يستند اليه «حزب الله» بلغ اوجه في الـ 2009 من ايران الى سورية و«حماس» والعراق والحوثيين وبيروت، لكنه الان في اسوأ اوضاعه.
ورأت هذه الشخصية التي كانت شاهدة على مجريات الحرب الاهلية ومحطاتها البارزة في لبنان، ان «لا خيار امام (حزب الله) سوى فك قبضته عن الطائفة الشيعية واعادة تموضعه في اطار مشروع الدولة واتفاق الطائف، لان المغامرات لن تقدم حلولاً بل ستكون انتحاراً».
لم يجف حبر هذا الكلام حتى اطل نصرالله في خطاب تميز بمجموعة علامات فارقة أبرزها: 
* انه ردّ «بالاسم»، وهي من المرات النادرة التي يفعلها، على ثلاثة من الخطباء الاربعة الذين تحدثوا في ذكرى 14 فبراير وهم سعد الحريري الذي نزع عنه صفة «الضامن» فـ «انتم يا قادة 14 آذار، لستم في موقع من يعطي الضمانات في لبنان أمام المتغيرات المقبلة لأن اللعبة في المنطقة أكبر منكم بكثير ولستم في موقع من يضع الشروط او يمليها»، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع معلناً «لو عدّد اسماء المجازر (في سورية) احد غير الدكتور جعجع لكان أفضل»، والمنسّق العام لقوى 14 آذار فارس سعيد مشيراً تعليقاً على «خطاب الاسطنبولي («المجلس الوطني السوري»)» الى انه «اذا كان المتحدث باسمه فارس سعيد فهذه بداية جيدة».
* تجاهله بالكامل موضوع المحكمة الدولية، رغم ان خطابه جاء غداة التمديد لها ثلاث سنوات جديدة، حسب بيان «اخذ العلم» الذي صدر عن رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد التوافق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كما ان نصر الله تجنّب إعطاء ايّ رد على دعوة الرئيس الحريري لـ «حزب الله» لإجراء مقاربة جديدة لملف المحكمة والمتهَمين الاربعة.
* اعتماده الأسلوب الساخر في الردّ الذي حمل منسوباً هجومياً هو الاعلى منذ فترة طويلة على 14 آذار التي اتهمها بانها متورطة في ارسال السلاح والمسلحين وتسعير القتال في سورية والتحريض عليه، مع ابداء استعداده في الوقت نفسه لتلبية الدعوة الى حوار وطني «من دون شروط مسبقة».
* نفيه أي علاقة لـ«حزب الله» بالتفجيرات التي حصلت في الهند وجورجيا وتايلند قائلا: «ثأرنا لدماء الحاج عماد مغنية ليس في مجندين أو ديبلوماسيين اسرائيليين وسيأتي يوم نثأر فيه لعماد مغنية ثأراً مشرفا».
ولم يتأخّر «الردّ المفنّد» لقوى 14 آذار على الأمين العام لـ «حزب الله»، وجاء الأبرز في هذا الاطار بلسان جعجع الذي توجّه الى نصر الله منطلقاً من تصويت 137 دولة لمصلحة قرار يدين سورية في مجلس الأمن، قائلاً: «إذا كان السيد نصرالله يعتبر ان الجميع تجمع ضد النظام السوري لأنه يدعم المقاومة وهو نظام ممانعة، «فالله يقطع هيك مقاومة على هيك ممانعة إذا بدا تكون هيك الممارسة. ومَن يزجّ لبنان في الحرب هو من يملك القوة الاستراتيجية خارج الدولة اللبنانية، اما ما نقوم به نحن فهو موقف سياسي وأدبي».
واذ اعلن جعجع تعليقاً على كلام نصر الله عن الدكتور سعيد انه «إذا أراد (نصر الله) أن يحترمه الناس فعليه أن يحترم الآخرين»، قال ردا على ما تناوله في خطاب الامين العام لـ «حزب الله»: «اللّي في تحت باطو مسلّة بتنعرو». ولنفترض انه صحّ كل ما اتُهمت فيه «القوات» أيام الحرب عن المجازر، فهو ليس نقطة في بحر ما هو «حزب الله» متهَم به في أيام الحرب وأيام السلم (…)، وفي كل الأحوال الذي بيته من زجاج لا يرمي جاره بالحجارة».
وفي حين ذكّر بأن «حزب الله لم يكن جدياً في أي يوم من الأيام في جلسات الحوار الوطني»، قال: «نحن لا نضع الشروط، ولا نملي أي شيء على أحد، ولكن في الوقت نفسه لسنا في موضع ان يضع أحد علينا الشروط أو يملي علينا أي شيء».
وفي سياق متصل، اعلن سعيْد «ان استخفاف السيد نصر الله بالناس لا يليق برجل بمكانته وبموقعه، وإذا كان مؤمناً فلينظر إلى الطبيعة ويتعظّ، ويرى أن الشجرة مهما علا رأسها فلن تصل إلى ربها». 

السابق
غانم: إقتراح النقل خطأ دستوري وسياسي
التالي
بني غانتس: السنة المقبلة حاسمة لاسرائيل.. وندرس تهديدات نصر الله