الحرب الصامتة بين حزب الله وإسرائيل

«حرب التنصّت»هي الحرب الصامتة بين «حزب الله» والمخابرات الإسرائيلية، خصوصاً أنّ التقارير الأمنية المحلّية والدولية تؤكّد أنّ الحزب بات يملك منظومة تنصّت ورصد على الأراضي اللبنانية تضاهي أجهزة الرصد العالمية، ويعتبرها الحزب سلاحه الأمضى والفعّال في مواجهة إسرائيل من جهة و«أعداء المقاومة في الداخل» من جهة أخرى.

ويوضح الخبراء أنّ شبكة الاتصالات، أو ما يعرف "بسلاح الإشارة" لدى معظم جيوش العالم تُعتبر السلاح الفعّال في أيّ معركة، فمن خلال هذه الشبكة تتلقّى الفرق العسكرية تعليماتها وتموينها ودعمها اللوجستي، وبالتالي أيّ ضربة يتلقّاها هذا السلاح تؤدّي إلى تشتّت فرق الجيش، ودخولها في حالة من الفوضى، وفقدانها التواصل المباشر مع غرف العمليّات العسكرية، وتؤدّي إلى عزلة هذه الفرق وانقطاع إمداداتها.

سلاح الاتّصالات والتنصّت، كما تشير أوساط في "حزب الله"، كان من اهمّ العوامل التي مكّنت المقاومة من إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي خلال عدوان تموز 2006 على لبنان، لأنّ المقاومة تمكّنت قبل أعوام من حرب تموز من إنشاء شبكة اتّصالات خاصة وفق طرق حديثة مشفّرة وتتميّز بحماية أمنية تجعلها بمنأى عن التشويش والرصد والتنصّت".

تطوير سلاح التنصّت والاتّصالات

وتمكّن حزب الله من تطوير هذا السلاح خلال الأعوام الماضية، إذ زار لبنان خبراء في الاتصالات من إيران وكوريا الشمالية، أسهموا في تعزيز شبكة الاتصالات والرصد والتنصّت لدى "حزب الله". وأكّدت مصادر أمنية معنيّة أنّ جهاز استخبارات الحزب يضمّ وحدات وأقسام عدة، لعلّ أهمّها الوحدة الإلكترونيّة، وهي من الوحدات التي ترتبط بوحدة الأمن الخارجي، وتتجلّى مهمّاتها في عمليّات الرصد والتنصّت ومراقبة وسائل الاتّصالات، ويشرف على أنشطتها خبراء إلكترونيّون، ولهذه الوحدة محطّاتها ومقرّاتها السرّية الموزّعة على عدد من الأراضي اللبنانية. فضلاً عن أنّ دورات تجري لعدد من عناصر ما يسمّى بـ"سرايا الإشارة في المقاومة" في مراكز إيرانية عسكرية مختصّة بمجال الاتّصالات والرصد.

وكان تقرير أمنيّ ذكر أنّ "حزب الله" يملك "أجهزة تنصّت جوّالة" تمّ تركيزها في سيّارات مقفلة من نوع "فان" تجوب الشوارع في بيروت وبعض المناطق، ويمكن بالتالي التنصّت على المقرّات الحكوميّة والسفارات والمؤسّسات الدولية من خلال رَكن السيارة قرب المكان المقصود لرصد الاتّصالات والمكالمات. فضلاً عن امتلاك المقاومة أسرار شبكات الترميز والتربيع في مجال الاتّصالات الأمنية والعسكرية في لبنان وإسرائيل.

ويتباهى مقرّبون من "حزب الله" بدور هذه الوحدة الإلكترونية وأهمّيتها، من حيث كشفها أخيراً المتعاملين مع المخابرات الأميركيّة في لبنان، عندما عمد المسؤولون عن الوحدة الإلكترونية إلى تحليل ورصد الاتّصالات الهاتفيّة المتبادلة لمدّة شهر تقريباً بين أشخاص لبنانيّين وضبّاط في المخابرات الأميركية.

وكان الضابط الأميركي السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركيّة بوب باير لفت إلى قدرة مخابرات "حزب الله" على اختراق الاتّصالات بقوله: "يمكنهم اختراق كلّ حاسوب في لبنان، كما أنّهم داخل كلّ ملفّات الشرطة، ويمكنهم الحصول على أيّ رسالة ترسل عبر "سكايب". كما يمكنهم التنصّت على الهواتف، واختراق داتا الاتّصالات. فهم ماهرون جدّاً في ذلك".

وما يسمّيه "حزب الله" سلاح الاتّصالات، كان السبب في أحداث السابع من أيّار 2008 في بيروت، لأنّ مسؤولاً في الحزب اعتبر يومها أنّ "المسّ بهذا السلاح كمن يمسّ بسلاح المقاومة وستقطع اليد التي ستمتدّ إليه…"

إختراق الاتّصالات

وسلاح الاتّصالات والتنصّت لدى "حزب الله" كان في الوقت نفسه مدار بحث ومناقشة مطوّلة لدى قيادات العدوّ الإسرائيلي خلال استعراضها لعوامل هزيمة إسرائيل في حرب تموز، ويقول ناشط في "حزب الله" موضحاً: "لأنّ العدوّ قرأ جيّداً أهمّية هذا السلاح لدى المقاومة، بات يسعى إلى ضرب هذا السلاح أو اختراقه أو التوصّل إلى أسراره ومعرفة شيفرة تقنياته، مستخدماً لهذه الغاية كلّ الوسائل من استخدام شبكات التجسّس وجمع المعلومات، ومحاولة الرصد والتنصّت عبر الأقمار الصناعية، ووسائل تقنية أخرى كتلك الأجهزة التي زرعها العدوّ بين بلدتي حولا وميس الجبل منذ أعوام، وتمكّن الجيش اللبناني من اكتشافها، كما أنّ معظم عملاء الشبكات الإسرائيلية التي تمّ اكتشافها في لبنان جرى تزويدهم بأجهزة رصد وتنصّت متطوّرة لتعقّب مسؤولين في "حزب الله"، وتصوير أماكن حسّاسة، وإرسال إشارات وتردّدات إلى مراكز أمنيّة وعسكرية إسرائيلية، إضافة إلى تعاون المخابرات الإسرائيلية مع المخابرات الأميركية وبعض الأجهزة الأمنية الأوروبية للتوصّل إلى التنصّت على اتّصالات ومكالمات "حزب الله" في لبنان.

قلق إسرائيلي

وكشف أحد المحلّلين الأمنيّين في لبنان أنّ خبراء عسكريّين أكّدوا فيما مضى أنّ "حزب الله" بدوره بات يملك أجهزة تنصّت متطوّرة تتيح له التنصّت على إسرائيل، وعلى بعض الجهات التي يعتبرها معادية له، إذ أوردت وكالات الإعلام الإسرائيلية منذ أشهر معلومات أشارت إلى أنّ الجيش الإسرائيلي قرّر منع الجنود والضبّاط من استخدام الهواتف المحمولة، خشية تنصّت "حزب الله" اللبناني على مكالماتهم. كما جاء في تقرير سابق بثّته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي "أنّ الجيش الإسرائيلي بدأ حملة جديدة لمنع استخدام الهواتف المحمولة".

…ومنع الهاتف المحمول

وقرار منع استخدام الهاتف المحمول بين عناصر الجيش الإسرائيلي يأتي بعد العثور داخل منشآت تابعة لحزب الله على الحدود الجنوبية للبنان خلال حرب تمّوز 2006، على نصوص لمحادثات هاتفية كان أجراها الضبّاط والجنود الإسرائيليون، وقالت تل أبيب حينها إنّ "حزب الله" حصل عليها عن طريق التنصّت.
 ويؤكّد الستر كروك (المسؤول السابق في المخابرات البريطانية)، أنّ لدى حزب الله المقدرة على اختراق أجهزة الاتصالات الإسرائيلية الأرضية واللاسلكية، وهذا ما أظهرته نتائج المعارك البرّية في حرب تمّوز، والتي كانت لمصلحة "حزب الله"، لذا فإنّ المعطيات تؤكّد أنّ المقاومة استطاعت تطوير خبرتها في هذا المجال، لدرجة جعلت القادة الإسرائيليّين يطلقون تحذيراتهم للجنود من خطورة استخدام هواتفهم الخلوية، وتجنّب التحدّث بشؤون عسكرية وأمنية خلال مخابراتهم الهاتفية الخاصة"، وبموجب التعليمات الجديدة، بات على الضبّاط والجنود أن يودعوا الأجهزة المحمولة في أماكن مخصّصة لها يصعب الوصول إليها، لدى دخولهم منطقة عسكرية أو أثناء تنفيذ المهمّات على اختلافها.

وأعلنت الأوساط أنّ الجيش الإسرائيلي يعمل حاليّا على تشكيل وحدة مراقبة جديدة في سلاح الاستخبارات، وظيفتها متابعة مكالمات الجنود، وفي حال تبيّن أنّ المتحدّث يتناول معلومات سرّية خلال المكالمة، عندها يتدخّل جنود الوحدة لمنعه وربّما لإحالته إلى المحاكمة بتهمة مخالفة التعليمات العسكرية.

وتعتبر مصادر مقرّبة من "حزب الله" أنّ "من حقّ المقاومة حماية نفسها بكلّ الوسائل والطرق المتاحة، في الوقت الذي يسرح فيه الأميركيّون ويمرحون في هذا المجال".

وسألت المصادر نفسها عن المعلومات التي تحدّثت في السابق عن امتلاك الأميركيّين أجهزة تنصّت ورصد وإرسال والتقاط في عدد من المناطق اللبنانية ومنها في موقعين مشرفين يقعان في منطقتين جبليتين في قضاء عاليه، تبعد الأولى منهما 22 كيلومترا عن بيروت، وترتفع 760 متراً عن سطح البحر وتمتدّ على مساحة 251 هكتارا، فيما تبعد الثانية 29 كيلومترا عن بيروت، وترتفع 540 مترا عن سطح البحر وتمتدّ على مساحة 643 هكتارا؟".

تنصّت غير شرعي

ورأى مسؤول أمنيّ لبنانيّ أنّ أجهزة التنصّت والرصد في لبنان ليست حكراً على السلطات، فإنّ في بيروت وحدها العشرات من محطات التنصّت المتعدّدة الجنسيّة. وتتعدّد الأجهزة التي تقوم بالتنصّت في لبنان من أجهزة رسميّة وشركات الهاتف الخلوي والسفارات والمراكز الديبلوماسية والمؤسّسات الدولية وقوّات الطوارئ، وصولا إلى تنظيمات وأحزاب، إذ هناك تنصّت مؤكّد على الهواتف النقّالة والثابتة تقوم به أجهزة أمنية عدّة غربية وحتى عربية، إضافة إلى التنصّت الذي تقوم به أحزاب وتنظيمات، من خلال وسائل حديثة ومتطوّرة.

تنصّت في كلّ مكان

وموضوع التنصّت على الهاتف في لبنان، أثاره في السابق عدد من النوّاب منذ أيّام الوجود السوري، وهناك طائرات خاصة، وأقمار اصطناعية، وسفن تجوب عرض البحر، ومحطّات تنصّت عابرة القارّات يمكنها التنصّت على هواتف أيّ دولة، كما ذكر عن محطة التنصّت البريطانية (اكروتيري) في قبرص، ورصدها الاتصالات الهاتفية التي سبقت لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتمكّنها من تسجيل ألف مخابرة هاتفيّة خلوية قبل وخلال حصول الجريمة سلّمتها إلى لجنة التحقيق الدولية.

وكان وزير الداخلية مروان شربل أعلن أخيراً عن تشغيل مركز التنصّت في وزارة الاتّصالات والمعروف باسم "غرفة التحكّم الاعتراضيّ للمخابرات الهاتفيّة"، وذلك بموجب القانون 140 الذي ينظّم عمليّة التنصّت ويعترض مخابرات هاتفيّة على مدى الساعات الـ24، وستكون عملية التنصّت بإشراف ضبّاط من الجيش والأمن العام وأمن الدولة، وبمشاركة مسؤول في وزارة الاتّصالات. والتنصّت حسب ما تردّد سيكون على قضايا تتعلّق بأمن الدولة والسلامة العامّة، ويطبّق بموجب قرار إداريّ موقّع من رئيس الحكومة ووزير الداخلية باستثناء القضايا المتعلقة بالجرائم التي تستوجب توقيع جهات قضائية.

وحسب المعلومات فإنّ الحصول على أجهزة تنصّت ورصد بات سهلاً ومُيسّرا من الأسواق العالميّة، وقد حصلت عليه شخصيّات سياسيّة وأمنية عدة في لبنان، وخصوصاً من السوق الألمانية، ومن خلال بعض الخبراء في المجالات الإلكترونيّة، لذا فإنّ مهمّات عمل "غرفة التحكّم الاعتراضي للمخابرات الهاتفيّة" في وزارة الاتّصالات ستظلّ عديمة الفائدة في ظلّ مافيا التنصّت التي تسيطر على لبنان.

ويكفي أن نقف عند الرسائل والاتّصالات الإلكترونية التي يتلقّاها المواطنون في لبنان على هواتفهم الثابتة والجوّالة، والتي تعرض عليهم مكافأة ماليّة لقاء تقديم معلومات عن الطيّار الإسرائيلي المفقود رون أراد، لندرك أنّ شبكاتنا الهاتفيّة تقع تحت الرصد والتنصّت والمراقبة من كافّة الجهات. 

السابق
إنسان؟.. وكمان عربي؟
التالي
برشلونة_فالنسيا وسان جرمان مونبلييه الأبرز أوروبيّاً