اللواء: لبنان ودّع نسيب لحود بمأتم مهيب وميقاتي قلّده وسام الأرز

ودع لبنان والمتن وبعبدات السبت الفائت، رئيس حركة التجدد الديموقراطي الوزير والنائب السابق نسيب سليم لحود بمأتم مهيب، في كاتدرائية مار جرجس المارونية – وسط بيروت.

ترأس الصلاة الجنائزية لراحة نفسه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، وعاونه الكاردينال نصر الله بطرس صفير، والمطارنة بولس مطر، طانيوس الخوري ورولان ابو جودة، السفير البابوي غابريال كاتشيا، رؤساء الطوائف وممثلو الكنائس في لبنان ولفيف من الكهنة. وحضر الجنازة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، النائب عبد اللطيف الزين ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الرؤساء امين الجميل، حسين الحسيني، فؤاد السنيورة، نادر الحريري ممثلا الرئيس سعد الحريري، نائب رئيس مجلس النواب النائب فريد مكاري. وحضر نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل، العميد فؤاد هيدموس ممثلا وزير الدفاع فايز غصن وقائد الجيش العماد جان قهوجي، النائب وليد جنبلاط ونجله تيمور، وحشد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وسفراء السعودية واميركا وفرنسا والاتحاد الاوروبي االسفير الفلسطيني اشرف دبور ممثلا الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرافقه امين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية فتحي ابو العردات وهيئات دبلوماسية وقضائية وعسكرية ونقابية وحزبية وحشد من اعضاء حركة التجدد الديموقراطي ومعارفه ومحبيه وابناء بلدته بعبدات والعائلة.

بعد تلاوة الانجيل من قبل المطران الياس عوده، القى البطريرك الراعي عظة بعنوان: «ان علمتم هذا، وعملتم به، فطوبى لكم» ثم تحدث عن مزايا الفقيد وقال:«علم قيمة الحياة فصقلها بالتربية العائلية في بيت كريم من لبنان، على ابعادها الاخلاقية والاجتماعية والوطنية وأخلص للوالدين وراح يؤهب نفسه لها بثقافة سياسية عميقة على مناقبية وأخلاقية رفيعة، وبدأ العمل بنشاط ديبلوماسي، عندما عينه المغفور له المرحوم الرئيس الياس الهراوي سفيرا للبنان في واشنطن سنة 1990، فبرزت عليه منذ ذاك الحين ملامح رجل دولة، ثم عين نائبا في البرلمان اللبناني في السنة التالية، ومن بعدها انتخب نائبا على ثلاث دورات، فتفرغ للعمل النيابي على مدى خمس عشرة سنة، وأعطاه من قلبه في مختلف اللجان النيابية وفي دورات المجلس النيابي. لقد كان مجليا حتى شكل في الحياة السياسية اللبنانية علامة فارقة وقيمة مضافة اتسعت الى البعدين الاقليمي والدولي. والكل بفضل منطقه واخلاقيته وعمق فهمه وصوابية تحليله وغنى ديبلوماسيته، وشجاعته النبيلة في الدفاع عن الحق والعدل، وفي شجب الفساد واستغلال السلطة، وفي المحافظة على نص الدستور وروحه. وهذا كله ظهر من خلال نشاطه في كل من لقاءي قرنة شهوان والبريستول وثورة الارز». 
أضاف الراعي: «علم نسيب لحود قيمة الديموقراطية القائمة على القيم الاخلاقية والمنهجية العلمية، وعمل من اجل نشر ثقافتها، فأسس مع زملاء له «حركة التجدد الديموقراطي»، من اجل تحصين سيادة لبنان واستقلاله، وترسيخ دور هذا الوطن في العالم العربي، والدفاع عن الحريات، وتطوير الحياة الديموقراطية في لبنان، وبناء اقتصاد وطني منفتح على العالم، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء مواطنة جامعة، يكون فيها اللبناني مواطنا في الدولة ولها، لا في طائفته، وسعى عبر هذه «الحركة» الى خلق ثقافة سياسية هي ثقافة خدمة الشأن العام، وإعداد نخبة اخلاقية تخضع بحرية للصالح العام. وقد أعطى مثالا يحتذى به، عندما قطع كل اعماله الخاصة واعمال شركته في لبنان، لكي لا يأتي عمله السياسي متأثرا او مرتبطا بمصالحه الشخصية. يا لها من أمثولة في النزاهة والنبل السياسي،وبتأثر عميق رأيناه يجهد نفسه منذ اكثر من شهرين ليزورنا في الكرسي البطريركي لاول مرة بعد انتخابي بطريركا، وكأنه أرادها في آن زيارة تهنئة ووداع، فكانت كذلك».
ثم وضع الرئيس ميقاتي على نعش الفقيد باسم رئيس الجمهورية وسام الارز برتبة ضابط اكبر وقال: «ايها الصديق الغالي تقديرا لعطاءاتك من اجل لبنان قرر رئيس الجمهورية منحك وسام الارز الوطني برتبه ضابط واسمح لي يا ايها العزيز نسيب قبل ان أضع الوسام على نعشك ان أنحني إجلالا وإكبارا لرجل عرفته مثالا للقيم الوطنية والاخلاق العالية».
سلامة
والقيت خارج الكنيسة كلمات لاصدقاء نسيب لحود. ونوه الوزير السابق غسان سلامة في كلمته بمزايا الراحل وقال: «كان نسيب صادقا مع الناس، ان خوطب صدق، ان قال عنه ان هو أحب وفى واذ تعهد نفذ، كان موقفه المعلن هو رأيه المضمر، وفي كل مقام كان له نفس المقال وكان رأيه واضحا، صريحا وشفافا، فان عجز الاخرون عن سماعه كان الصمت ملجأه وكانت نظرة واحدة منه تردع المخادعين والمتملقين.
كان حاسما بلا تهور وحازما بلا قسوة وعازما بلا تردد فما خاف يوما من التفرد برأي ولا من مخالفة السائد من الافكار وكان صاحب همه بقدر ما كان صاحب حجة، فان اقتنع بأمر اندفع لتحقيقه دون كسل واصر على تنفيذه دون تمهل وما زادته نوائب الدهر الا اصرارا على الفعل فان ورث ديونا انشأ مؤسسة وان خانته السياسة زاد تمسكا بضرورة اصلاحها وان فاته امر تفاقم عطش المعرفة لديه وان واجه عقبة اعتبرها تحديا مضافا لا غدرا للتراجع.
كان نسيب مقداما وكان الشجاعة نفسها وشجاعته كانت مضربا للمثل.
واضاف:اسس نسيب حركة لم يكن التجدد اسما لها وحسب بل كان هدفا يوميا فما كان ابعده عن سياسة اللافتات وهو المهتم بالمضمون، بالمعنى وبالجوهر لا بالاشكال والتسميات فكان مدركا للجذور وانما كان مصرا على التحديث وكان يرى الطوائف ولكنه ينبذ الطائفية.
زيادة
والقى النائب السابق كميل زيادة كلمة حركة التجدد الديموقراطي قال فيها:«الرجل الكبير الذي نلتقي لوداعه اليوم، والذي ادمنت على صداقته منذ اكثر من نصف قرن، ليس زعيما سياسيا، ولا قائدا ملهما، ولا نصف اله، ولا نصف قديس فهؤلاء يعدون بالعشرات في بلاد الارز، لا بل بالمئات. نسيب لحود من طينة اخرى. نسيب ببساطة كان صاحب مدرسة، هي مدرسة المبادىء والمعايير والمناقب والأخلاق السياسية.
واكد ان الاسمى عند نسيب كان ترسيخ اسس ومبادىء واخلاقيات السياسة السليمة.اما السياسة بمعناها الضيق والمتعارف عليها في لبنان، اي الانخراط المباشر في الصراع على السلطة، فكانت بالنسبة اليه مجرد وسيلة، مجرد مجال لتطبيق تلك القواعد والمبادىء وحقل اختبار لتلك القيم والاخلاق. بهذا المعنى كان نسيب مهتما
وقال: «لقد اسس نسيب لحود مدرسة للاخلاق السياسية والثقافة الديموقراطية وحقوق الانسان، عمادها الاول الدفاع عن الحريات، حرية الاخصام والمختلفين كما حرية الحلفاء والمتطابقين، فالحرية بالنسبة لنسيب لحود ليست فحسب حقا طبيعيا وبديهيا لكل انسان بل هي الشرط الاساسي للابداع والتطور والتقدم في اي زمان ومكان،وعماد هذه المدرسة ايضا الدفاع عن الدستور، والدفاع عن المؤسسات، والعيش المشترك، ووحدة لبنان، وسيادته واستقلاله، والعدالة الاجتماعية والاقتصاد المزدهر المنفتح على العالم.
واكد ان نسيب لحود بحتمية قدوم الربيع العربي، وتحرر الانسان العربي من قيود الخوف والاستبداد والظلم والقهر، وقيام نهضة عربية حديثة يكون لبنان احد روادها ومراكز اشعاعها وتعيد الى العالم العربي دوره الانساني والحضاري الكبير».
وأضاف زيادة: «لقد تحلق مع نسيب لحود وحوله، مجموعة من النساء والرجال، من اجيال ومناطق وطوائف مختلفة، بغية السعي الى تجسيد هذه الافكار وترسيخ هذه القيم ووضعها موضع التحقق والاختبار،واسسنا سوية حركة التجدد الديموقراطي. وقد خاضت هذه الحركة تجارب ومعارك سياسية،كما دخلت، كأي كيان سياسي، في تحالفات واصطفافات. لكنها سعت جاهدة، وفي كل الظروف والمراحل، الى التزام الآداب السياسية والمناقب التي نتشارك فيها مع نسيب لحود ويشاركنا هو فيها، منذ تأسيس حركة التجدد.
وقال :ان ثمة تصميماً قاطعاً لدى اعضاء حركة التجدد على استكمال بنائها والتشبث بدورها الذي نؤمن انه دور طليعي في معركة بناء الثقافة الديموقراطية وترسيخ قواعد الممارسة الديموقراطية، التي كرس نسيب لحود حياته السياسية من اجلها.اذ لا ديموقراطية حقيقية من دون ديموقراطيين، كما قال يوما وعن حق المفكر الكبير والصديق العزيز غسان سلامة الذي سبقني في تأبين صديقه وصديقي نسيب».
مهنا
وكانت كلمة لمنسق قطاع الشباب في الحركة ايمن مهنا قال فيها:
أخاله يعاتبنا، ولو متفهما، على وجومنا حيال هذا السفر المفاجئ. أهو أول سفر له؟ وقد حفلت حياته بأسفار وراء أهداف، حقق بعضها وسوف نحقق البعض الآخر.
وكما أعرفه، سيعاتبني إن استرسلت طويلا في الذكرى وغرقت عميقا في الحنين. وصوته الدافئ يردد: لا وقت للأسف. لا وقت للحنين.
عساي أخنق حرقة في قعر الحلق فأبوح لكم بسر يعرفه شباب التجدد:
نسيب لحود رجل أتى من الغد.
سافر بالإتجاه المعاكس عبر الزمن، دونما حاجة إلى مركبات مجنحة كأبطال القصص الخرافية. لكنه مثلهم، صنع المستحيل، وابتكر نوعا جديدا من الانتماء.
في لبنان، ينتمي الناس عادة إلى أحزاب ومجموعات، وفاءً لمآثر مؤسسها أو التزاماً بتقليد عائلي قديم.
ينتمي الناس إلى أحزاب ومجموعات، لاستعادة أمجاد غابرة، أو للمحافظة على مكتسبات تاريخية.
وكان هناك شابات وشباب، من مناطق مختلفة، من طوائف تصارع أمراؤها، من عائلات تعددت خلفياتها الفكرية، رسبوا في امتحان الانتماء اللبناني الماضوي التقليدي. ومن ثم تعرفوا إلى نسيب لحود. حدسهم قادهم إليه.
عرفوا أن نسيب لحود أتى من عصر ينبذ فيه الشعب كل شعبوي.
كلُّ سياسيٍّ هناك يدرُسُ ملفاتِه بدقّة إلى جانب فريقِ عملٍ مختص. في عصر نسيب لحود، يوسَمُ بالعارِ كلُّ من سخّرَ المصلحةَ العامة من أجل مآربِه الشخصية.
في الزمن الذي أتى منه نسيب لحود، لبنان دولة طبيعية. سيّدة؟ طبعاً. مستقلّة؟ أكيد. يسكنها مواطنون تحرّروا منذ عهود من سجنِ الطوائف ونارِ نزاعاتها.
في عصرِ نسيب لحود، فلسطين مستقلة، وسوريا حرّة، والعالمُ العربيُّ الأوسع يتنفّس نسيم الربيع بملء رئتيه.
وبعدَ الحدسِ جاءَ الانتماء. من خلال نسيب لحود، انتمى أخيراً هؤلاء الشابات والشباب، الذين أتكلَّمُ باسمهم الآن. انتمينا إلى الغد. هذا هو معنى حركةِ التجدد: رابطُنا هو الانتماء إلى رؤيةٍ للجمهورية، معيارُها ومقياسُها نسيب لحود.
وتقبلت عائلة الفقيد ومسؤولو الحركة التعازي في الكنيسة. ثم انتقل موكب الجنازة الى بلدته بعبدات ليوارى الثرى.
بعبدات
ومن الكاتدرائية انطلق جثمان الراحل في موكب حاشد الى مسقط رأسه بعبدات، التي اتشحت بالسواد ولفها الحزن والاسى واستقبله ابناء البلدة والجوار ومحبوه بدموع اللوعة وحملوه على الأكف من مدخل البلدة. وعلى وقع قرع أجراس الكنائس ووسط نثر الورد والارز وصل الجثمان الى كنيسة العائلة حيث أقام المونسينيور جوزف مرهج صلاة رفع البخور لراحة نفسه.
كلمة العائلة
وألقى نجل الراحل سليم كلمة وجدانية توجه بها الى والده فوصفه بـ «الرجل الشفاف والوفي والشريف، والمثابر والمحارب»، متطرقا الى «نضاله السياسي الطويل وصراعه الطويل ايضا مع المرض»، معتبرا ان «نسيب لحود هو الاب الصالح والمثال الاعلى للكرامة، ومات كما عاش مرفوع الرأس».
لبكي
ثم ألقى حليم لبكي كلمة أهالي بعبدات فقال: «رحل نسيب الكل، رحل الكبير في الكبار والعظيم في العظماء، رحل رجل المواقف والمبادىء، رحلت أيادي الخير والقلب الكبير، فالقلوب دامية والعيون باكية وصنوبرات بعبدات اتشحت بالسواد وغابت البسمة في الاعماق تخنقها غصات الالم على رحيل النسيب الحبيب».
أضاف: «كنت القدوة في الحق والخلق والكبر، فجعتنا برحيلك المبكر في زمن يحتاج الى الكبار الكبار أمثالك، يترفعون عن فتات الارض».
وكانت قصيدة رثاء بعنوان «ارحل بسلام عميد الرجال» ألقاها عضو جمعية المؤلفين والملحنين ونقابة الفنانين المحترفين ياسر لبكي.
وكان في وداعه الاخير قبل ان يوارى الثرى في مدفن العائلة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، الوزراء السابقون غسان سلامة، طارق متري وميشال خوري، النائبان بطرس حرب وسليم سلهب، رئيس بلدية بعبدات عماد لبكي واعضاء المجلس البلدي وعدد من رؤساء بلديات ومخاتير المنقطة، القنصل العام انطوان عقيقي، أعضاء «حركة التجدد الديموقراطي» وحشد من أبناء بعبدات والقرى المجاورة والاصدقاء والعائلة».
وتتقبل العائلة التعازي اليوم الاثنين في دارته في بعبدات ويومي الثلاثاء والاربعاء في صالة كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت من الحادية عشرة صباحا حتى السابعة مساء.  

السابق
الشرق الأوسط: تحرك دولي لتشكيل مجموعة أصدقاء سوريا وكلينتون تدعو لتشديد العقوبات لتجفيف مصادر تمويل النظام وتسليحه
التالي
حقيبة لافروف