الإسلاميون قادمون.. ما العمل؟

توجد قوّة دفع حقيقية، توصل الإسلاميين، خصوصاً الإخوان المسلمين منهم إلى السلطة. فوز الإسلاميين بالأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية في الكويت يؤكد العبور العظيم للإسلاميين من ضفّة المعارضة إلى ضفّة السلطة. في دول عربية معيّنة مثل تونس ومصر يخرج الإسلاميون من تحت الأرض إلى الفضاء الخارجي. النظام العربي القائم منذ ستين عاماً، هو المسؤول الأوّل والأخير عن هذا "التسونامي". "الربيع العربي" فتح "ثغرة" في السد الكبير. المياه التي تجمَّعت طوال عقود ستة، أسقطت السدّ.
الإسلاميون قادمون.. اهربوا. هكذا يواجه الخائفون من ليبراليين وقوميين وطائفيين، هذا "التسونامي" وكأنه "اجتياح عسكري". السيف فيه هو الفيصل. "الإسلاميون" وتحديداً "الإخوان المسلمين" منهم ليسوا "الشيطان"، ولكنهم أيضاً ليسوا ملائكة ولا هم أبرياء. النظام العربي صنع منهم "شيطاناً" يخافه كل مَن ليس منهم، وهم الواقع بعضهم ساهم في صنع هذا الخوف. لا شك أنّ السلفيين خصوصاً الانتحاريين منهم كان لهم الدور الكبير في تعميق الخوف والكراهية ضدّهم.

الإسلاميون، ليسوا جسماً واحداً. "الإخوان المسلمون"، يشكّلون الجزء الأكبر من جبل الجليد الذي تنقّل من المحيط إلى الخليج. حتى هؤلاء وهم الذين يجمعهم تنظيم دولي واحد، تيّارات. المهم أن القمع الرسمي الذي جاء في أحيان عديدة نتيجة لمواقف خاطئة في مراحل معينة، هو الذي دفع بالإسلاميين خصوصاً "الإخوان المسلمين" للنزول إلى تحت الأرض. يجب الإشارة إلى أنّ السلفيين في مصر لم يشكّلوا خصماً "للنظام المباركي" لذلك لم يعانوا من سياسة الانكفاء والسرّية. "الجهاديون" كما يُطلق عليهم، هم الذين وضعوا الجميع أمام فوهة المسدس. ثم جاء 11 أيلول عام 2001 "ليعولم" كراهية الإسلاميين. الظلم الذي لحق في مراحل معينة بـ"الإخوان المسلمين" من جهة وكون المجتمعات العربية "مجتمعات تقية" (بمعنى التقوى) رفع من رصيدهم. أيضاً الغرب، وتحديداً واشنطن وقبلها باريس، عزّزوا احتضان الإسلاميين من مجتمعاتها. الظلم ليس مقبولاً لأسباب أخلاقية فكيف إذا كان رفضه ومحاربته من صلب الإسلام؟ تجربتان أكدتا كذب الغرب وخداعه: في الجزائر فاز الإسلاميون في الانتخابات التشريعية، فرفض العسكر وباريس وما تيسّر من الأنظمة العربية هذا الفوز، فكانت العشرية السوداء التي ذهب ضحيتها أكثر من مائة ألف جزائري. وفي غزّة فازت "حماس" في الانتخابات ورفضت واشنطن وغيرها هذا الفوز رغم كل شرعيّته ومصداقيته، وتنكّر الجميع لنتائج صناديق الاقتراع وللديموقراطية. لا يمكن أن يكون أي طرف مع الديموقراطية ويرفض نتائجها في وقت واحد. بعيداً عن حركة "حماس" وكيف تعاملت مع انتصارها وكيف أغرقته في "زواريب" غزة فحققت انفصالها عن الضفة الغربية، فإنّ إنكار انتصارها الشرعي شكّل طعنة مباشرة لكل الذين يتشدّقون بالديموقراطية، من قوى غربية وعربية على السواء.

الآن، والإسلاميون، خصوصاً "الإخوان المسلمين" منهم، يزحفون ويتقدمون إلى السلطة، ويأخذونها في كل الدول التي اجتاحتها عاصفة الربيع العربي، يقفون أمام اختبار حقيقي، لا بل يمكن القول إنهم يتلقّون "عمادة النار". السلطة من تحت الأرض مختلفة جداً من مقاعد المسؤوليات. الآن، على الإسلاميين بعيداً عن اتجاهاتهم وتوجهاتهم، أن يقدموا للناس ما يحتاجونه. الشعارات لا تطعم الأفواه خصوصاً الجائعة منها، ولا تصنع اقتصاداً نامياً، ولا تلغي أو تخفض البطالة والتضخم. مطلوب من القادمين إلى السلطة أن يقدموا للناس ما يحتاجونه وما يطالبون به منذ عقود، الخبز والكرامة. على القادمين الجدد من المعارضة إلى السلطة "أن يتلاءموا مع مجتمعاتهم أو يتغيّروا". لا يمكن مطلقاً أن يستمروا كما كانوا منغلقين في خطاب ديني يحفّز الإرادات ويؤجّج الغضب، لكنه لا يُطعم ولا يُحرِّر. كل يوم يرفع هؤلاء القادمون من منسوب الحرية والخبز بكرامة والأمن والاستقرار والضمانة للآخرين في تمايزهم هو خطوة جديدة وحقيقية باتجاه بناء الأمّة والتوجّه الثابت نحو الجهاد الأكبر في فلسطين. أنظمة القمع أسقطت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". الحرية تعيد لـ"المعركة" شرعيتها الشعبية.

فترة السماح أمام القادمين الجدد إلى السلطة ليست ولن تكون مفتوحة. صناديق الاقتراع "سيف ذو حدّين"، الخطأ في التعامل مع الناس العاديين الذين خرجوا إلى الشوارع وواجهوا وقاتلوا حسابه عسير. لأنّ السلطة هي مطهر أو مذبح فإنّ على الإسلاميين أن يحرّروا الآخرين من خوفهم منهم، وأن لا ينسوا أو يتناسوا أن المجتمعات العربية "فسيفسائية" في تعدديتها وتكوينها الاجتماعي والطوائفي والسياسي. كيفية تعاملهم مع هذه التعددية تغني أو تدمّر. في جميع الأحوال خروجهم إلى الهواء الطلق سيؤكد ما إذا كانت خلافاتهم الفكرية غنى أم نقمة عليهم وعلى مجتمعاتنا. ليس أمراً عادياً ولا سهلاً تحمّل نسبة عالية من "الأوكسجين" بعد أن اعتادوا على الهواء المتسرب من القمع والخوف.
العالم العربي، افتقد طويلاً الحوار المنتج. "لا يمكن أن ينجح الحوار من موقع المستسلم ولا من موقع المستقوي". الحوار المنتج ينجح من موقع الاعتراف المتبادل بالشراكة في الوطن والمسار والمصير.
انتهى الزمن الذي كان فيه "الماضي مغارة" وحان الوقت لأن لا يكون "المستقبل فوضى". 

السابق
فابيوس: ملتزمون بوحدة لبنان وأمن إسرائيل
التالي
مستقبل الشرق الأوسط للكيانات الصغيرة ؟