السفير: لغم التعيينات ينفجر: الحكومة ضحية اللاءات

انفجر الاحتقان المتراكم بين مكونات الأكثرية منذ تشكيل الحكومة، خلال جلسة مجلس الوزراء التي داست أمس على لغم التعيينات، ما أدى الى بتر الجلسة وإصابة الحكومة بجروح سياسية ستؤدي إلى تجميد انعقاد جلساتها، حتى إشعار آخر، كما أعلن الرئيس نجيب ميقاتي ردا على موقف وزراء تكتل التغيير والإصلاح برفض اقتراحه لتعيين رئيس الهيئة العليا للتأديب (منصب مسيحي)، الأمر الذي يهدد بأزمة حكومية مفتوحة، في وقت يمر لبنان ومحيطه في ظروف شديدة الصعوبة والحساسية، تتطلب نمطا آخر من الحكم والسلوك السياسي.
وبدا واضحا من سيناريو المواجهة في جلسة أمس أن الخلاف على التعيينات هو رأس جبل الجليد، وأن هناك مخزونا من «الشكاوى المتبادلة» لدى معظم أطراف الحكومة قذف حممه، ما يستدعي ربما تدخل «الإطفائي» نبيه بري مرة أخرى، لإعادة لمّ شمل مجلس الوزراء الذي توزعت قواه أمس كالآتي: رئيسا الجمهورية والحكومة ووزراء النائب وليد جنبلاط في خندق واحد، وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله على موجة واحدة مع اختلاف في الأسلوب، ووزيرا حركة أمل أقرب الى تحالف التيار والحزب من دون إقفال النوافذ المفتوحة على قصر بعبدا والسرايا.

ميقاتي: لا جلسات…

وإذ نفى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وجود نية لديه للاستقالة أو الاعتكاف، قال لـ«السفير»: لقد صبرنا طويلا ولكن للصبر حدودا، وآن الأوان لكي يعرف اللبنانيون من يعطل مجلس الوزراء. فكلما عقدنا العزم على اتخاذ قرار، يصار الى عرقلته بأشكال مختلفة من عدم التوقيع الى التعطيل. أضاف: اقترحت عددا من التعيينات وفق الآلية المحددة في مجلس الوزراء، وفوجئت برفضها بذرائع متعددة، ولذلك طلبت رفع الجلسة.
وتابع ميقاتي: إذا كان مجلس الوزراء سيجتمع من دون إنتاجية أو فعالية، فلا جلسات بعد اليوم حتى يتم التوافق على كل الأمور، يتهمونني بالتعطيل وهم يعطلون، لقد اقترحت أربعة أسماء لهيئة التأديب ومجلس الخدمة المدنية ومديرية الأبحاث والتوجيه، ثلاثة منهم لا اعرفهم، لكنهم اعترضوا عليهم بحجة عدم التشاور معهم في الأسماء، فطلبنا تغييرهم لكنهم صمتوا ولم يردوا، يريدون ان يمر كل شيء عبرهم أو لا يمر.
اضاف ميقاتي: أقول لهم لا. أنا أمارس صلاحياتي وأعتمد الآلية القانونية للتعيين. لقد باتت الادارة فارغة، ونحن منذ أيلول من تأجيل الى تأجيل. صار لزاما علينا أن نقول اليوم كفى تضييعا للوقت، يريدون حكومة منتجة فليتحمل كل مسؤولياته إذاً. نحن نريد عملا وإنتاجية وهم يريدون تعطيل كل شيء وهذا ما لن اسمح به، فإما تسير الامور وفق الاصول وإما لا جلسات لمجلس الوزراء، أنا لا اريد شيئا شخصيا لي، بل أريد إنتاجية في الحكومة.
وردا على سؤال عما اذا كان موقفه مقدمة للاستقالة أو الاعتكاف، أجاب ميقاتي: لا استقالة ولا اعتكاف، ولكن لا جلسات جديدة لمجلس الوزراء قبل أن نتفق على أسلوب عمل جديد.
وهل المقصود من خطوتك صدمة ما لباقي المكونات الحكومية؟، أجاب ميقاتي: تريدون تسميتها صدمة لا مانع عندي، لكن أنا أدعو الجميع من دون استثناء الى تحمل مسؤولياتهم في مواجهة التعطيل المستمر لعمل مجلس الوزراء.

باسيل يرد

ورداً على موقف ميقاتي، قال الوزير جبران باسيل لـ«السفير»: لقد طرح رئيس الحكومة تعيين رئيس الهيئة العليا للتأديب للمرة الأولى في جلسة أمس، من دون التشاور مع أحد خلافا للاتفاق الذي كان قد تم بينه وبين العديد من أطراف الحكومة حيال كيفية التعامل مع تعيين الهيئات الرقابية. وأضاف: لم يسبق أن طُرح الإسم قبلا، بل هبط بالمظلة فجأة على الجلسة بلا مقدمات ومن خارج الآلية المعتمدة في التعيينات، وإذا كان يحق لرئيس الحكومة عملا بصلاحياته أن يقترح إسما أو أكثر، من داخل الآلية أو خارجها، فإن من حقنا وصلاحياتنا أيضا ان نوافق أو لا نوافق، والحريص فعلا على الدستور يجب أن يدرك ان القرار هو لمجلس الوزراء مجتمعا وليس لرئيسه وحده.

وتعليقا على تأكيد ميقاتي أن لا جلسات لمجلس الوزراء قبل اعتماد أسلوب جديد في العمل، قال باسيل: ونحن أيضا لن نعود الى مجلس الوزراء قبل استعادة التوازن الذي يفترض ان يقوم عليه مجلس الوزراء والنظام السياسي في البلد.
وحول قول ميقاتي «كفى تضييعا للوقت»، رد باسيل: نحن نقول له كفى ابتزازا للبنانيين باسم الاستقرار في لحظة حرجة إقليميا ودوليا، وكفى مساسا بصلاحيات مجلس الوزراء لحساب رئيسه سعيا الى تحقيق شعبية محدودة وبأي ثمن، وكفى استهتارا واستخفافا بحقوق شريحة واسعة من اللبنانيين، يتم التعاطي معها بمنطق أن رئيس الحكومة يفرض ومجلس الوزراء يطيع.  رواية أوساط ميقاتي
الى ذلك، روت اوساط رئيس الحكومة ما جرى في مجلس الوزراء بالقول إن المشكلة بدأت حين طرح ميقاتي بند التعيينات التي تتعلق بهيئات مرتبطة برئاسة الحكومة مثل المجلس التأديبي ومجلس الخدمة المدنية، فاعترض وزراء تكتل التغيير والاصلاح على الأسماء التي طرحها، ما دفع ميقاتي الى القول بحدة: أنتم تعرقلون عمل الحكومة.. تُتخذ قرارات فلا تنفذونها، وتصدر مراسيم فلا توقعون عليها.. هذا الوضع غير مقبول ولا يمكن ان يستمر.
وبعدما تشاور وزراء التكتل في الموقف الواجب اتخاذه، تمسكوا باعتراضهم على التعيينات المقترحة، فما كان من ميقاتي إلا ان وقف في مكانه، وخاطب رئيس الجمهورية قائلا: فخامة الرئيس. أتمنى عليك رفع الجلسة.. لقد بات مصدر العرقلة الحقيقية واضحا، وهذه المهزلة غير جائزة.
وفي رواية أوساط ميقاتي، ان الوزير شربل نحاس حاول في هذه الأثناء الانسحاب من الجلسة لتطيير النصاب والإيحاء بأنها رفعت بسبب عدم توافره، ولكن رئيس الحكومة طلب منه البقاء في مكانه، لافتا انتباه سليمان الى ان النصاب ما زال قائما، وأنا أطلب رفع الجلسة.

رواية مصادر التيار

أما مصادر التيار الوطني الحر، فأشارت الى انه عندما وصل النقاش إلى بند التعيينات، اعترض وزراء «التكتل» ولا سيما الوزير باسيل من زاوية أنه لا يجوز فرض أي إسم علينا، وعدم استشارتنا بشأنه، برغم اننا الكتلة المسيحية الوازنة في الحكومة.
وحين قال ميقاتي: أنا أقترح الأسماء والوزراء يصوتون، رد باسيل: ليس صحيحا ولا مقبولا أن نوافق حكما على ما يطرحه رئيس الحكومة. أنت تطرح ونحن نوافق أو لا نوافق. وإذا تحول الأمر إلى هذا الأسلوب من النقاش فإن صليبنا كبير وليس هكذا تناقش التعيينات.
وتدخل الوزير شربل نحاس قائلا: لن نقبل بتثبيت الثوابت السابقة في الحكومات المتعاقبة ولن نقبل تحويل لبنان مجدداً إلى إمارة خليجية تُدار خلافاً للقانون والدستور.
ووفق الرواية العونية، دخل سليمان على خط النقاش، مشيرا الى انه لا يجوز ان يطلب رئيس الحكومة مسألة وتُرفض بهذا الشكل، ويجب احترام موقع رئاسة الحكومة. وهنا، أجابه باسيل: وماذا عن صلاحيات الوزراء؟ لماذا يتم إهمال ما يقترحه وزراؤنا؟ فرد سليمان: هل تضع وزيرا في مصاف رئيس الحكومة؟ ومرة أخرى، أجاب باسيل: يجب احترام صلاحيات كلاهما، مع الاعتراف بالتفاوت بينها، ولكن رئيس الحكومة والوزير يمثلان سلطة دستورية.
وأوضحت أوساط وزارية ان ميقاتي حذر من أنه إذا لم تقر التعيينات سيرفع الجلسة، ولن يحدد أخرى قبل الاتفاق على الموضوع، ثم ما لبث باسيل أن غادر الجلسة، وهمّ زملاؤه باللحاق به تاركين مقاعدهم لتطيير النصاب، فقال رئيس الجمهورية متوجهاً إليهم: ما هكذا يحل الموضوع، فيما ضرب ميقاتي على الطاولة وقال لن أسمح بالتعدي على صلاحياتي.. أنا من أطلب رفع الجلسة.

أوساط 8 آذار

واستغربت أوساط وزارية في 8 آذار رد فعل ميقاتي خلال الجلسة واعتبرت انه مبالغ فيه، ويطرح الكثير من علامات الاستفهام حول دوافعه الحقيقية وخلفياته. واعتبرت الأوساط انه من غير الطبيعي ان يحاول رئيس الحكومة تحديد أسماء لمواقع يشغلها مسيحيون في الإدارة من دون أن يكون قد تشاور مع الأطراف الأخرى بشأنها، للتوافق عليها، ولا سيما التيار الوطني الحر.
وتوقعت الاوساط ألا يكون رئيس الجمهورية بعيدا عن الموقف الذي اتخذه ميقاتي، لافتة الانتباه الى ان ما جرى يوحي بأن رئيسي الحكومة والجمهورية كانا ينتظران أي فرصة أو مناسبة لتفجير الخلاف مع عون ودفع الأمور نحو التصعيد والتأزيم.

وكانت مصادر رئاسة الجمهورية قد أكدت لـ«السفير» ان «موضوع التعيينات في الادارات والمؤسسات العامة، له ممر اجباري متمثل بالآلية التي أجمع عليها الافرقاء،» وبالاضافة الى ذلك فإن هناك ضوابط من نوع آخر عبّرت عنها المرجعيا السياسية والروحية التي ابلغت الرئاسات والمرجعيات على اختلافها رفضها المساس بالتوزيع الطائفي للمواقع الشاغرة، مع التمني بأن يترافق تطبيق الآلية مع عدم تغيير المذاهب والطوائف في التعيينات الحالية».
وقالت المصادر «ان هذا الموقف الحازم لهذه المرجعيات والمتمسك بمواقع الفئة الأولى وفق توزيعها الطائفي، يوجب على مجلس الوزراء مجتمعا عدم تجاوز هذا المطلب الحق، والانكباب على إتمام التعيينات وفق الآلية، والإقلاع عن المراهنة على ضغط الوقت لتمرير الاسماء التي لم تفرزها الآلية، لان هذا الامر غير قابل للتحقق».
وشددت المصادر على ان «الاولوية هي لملء الشواغر في كل المواقع بلا استثناء لأن الفراغ على المستوى الاداري يتعاظم الى الحد الذي لم يعد مقبولا تحت اي ذريعة او اعتبار، اما الحديث عن المداورة في وظائف الفئة الاولى، فإنه امر محق وواجب، ولكن ليس في وقتنا الحاضر لان المداورة تحصل بين مواقع مكتملة وليست شاغرة، لذلك فإن المداورة تأتي في مرحلة لاحقة».

«داتا الاتصالات»

وكان مجلس الوزراء قد قرر تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء الداخلية والدفاع والعدل والاتصالات من أجل البحث في إمكان تعديل قانون صون الحق بسرية المخابرات (القانون 140) والمراسيم التنظيمية وإعداد آلية لعمل مركز التحكم التابع لوزارة الداخلية على أن يصار الى استكمال تجهيزه وتطويره خلال مهلة ثلاثة اشهر.
وخلال الجلسة، أعيد طرح الآلية التي كانت مقرة في زمن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بمعزل عن القانون 140، حيث كان بمقدور أي جهاز أمني أن يوجه كتابا إما الى وزير الداخلية أو وزير الدفاع، يوقعه ثم يحيله الى رئيس الحكومة، فيبادر الى توقيعه ويحوّل الى وزارة الاتصالات من أجل تقديم الـ«داتا» كاملة، غير أن مجلس الوزراء رفض الصيغة السابقة ووضع آلية جديدة لطلب «داتا» الاتصالات بانتظار صدور اعمال اللجنة الوزارية، وتضمنت الآتي: «يقدم وزير الدفاع او وزير الداخلية طلباً خطياً ومعللاً لرئيس مجلس الوزراء للحصول على قاعدة المعلومات المتناسبة مع الحاجات الأمنية وفق الآلية المعتمدة التي نص عليها القانون. اما في حالة طلب قاعدة المعلومات الكاملة، فتتم احالة الطلب الى الهيئة القضائية المستقلة المنصوص عنها في القانون 140». 

السابق
الانوار: مجلس الوزراء يتوقف عن الانعقاد بانتظار البت بقضية التعيينات
التالي
قاطعوا روسيا