السفير: فضيحـة برائحـة المـازوت تلتهـم 15ملـيـون دولار!

وسط استمرار أزمة التقنين الكهربائي وتداعياتها على الشارع، برزت فضيحة تسليم كميات كبيرة من المازوت الأحمر بسعر مدعوم الى أصحاب الحظوة من التجار وشركات التوزيع عشية انتهاء مهلة الدعم التي كان مجلس الوزراء قد حددها بشهر واحد، ما أثار تساؤلات وشبهات حول «المحرّض والمستفيد والمرتكب» في هذه العملية، لا سيما ان القيمين عليها حققوا، خلال ساعات قليلة، أرباحاً طائلة وغير مشروعة تقدر بـ 15 مليون دولار، هي نتاج الفارق بين السعر المدعوم والسعر غير المدعوم الذي بيع به المازوت الأحمر للناس في اليوم التالي.

وقد أظهرت هذه القضية مجدداً حجم تفشي الفساد في مختلف المجالات، خصوصا تلك التي تُعنى مباشرة بالخدمات الحيوية، فيما العديد من الهيئات الرقابية يبدو معطلاً او يعمل بنصف طاقته، نتيجة الشغور الحاصل في الإدارة والمتأتي بدوره عن الخلافات المستعصية على التعيينات.
ولئن كانت لجنة المال النيابية قد وضعت يدها على موضوع المازوت، إلا أن ذلك لا يمنع من التساؤل عما إذا كان ملف هذه السرقة الموصوفة سيلقى المصير ذاته الذي لقيته ملفات مشابهة طويت ثم سقطت مع مرور الزمن، من دون أن تأخذ المحاسبة مداها.

وبعدما كان من المفترض أن يؤدي قرار الدعم (تخفيض 3000 ليرة عن كل صفيحة) الى مساعدة الأسر الفقيرة على مواجهة موجات البرد المتكررة، كانت النتيجة أنه سلك طريقه الى جيوب المحظيين «المدعومين» بطريقة أخرى، والذين لجأوا إلى تخزين كميات ضخمة اشتروها إلى ما بعد «شهر الدعم». كذلك تردد أن بعض أصحاب الصهاريج كانوا يبيعون الكميات التي يحملونها على الطريق أو بمجرد خروجهم من منشآت النفط لأصحاب المولدات الذين كانوا يدفعون 1000 ليرة إضافية عن كل 20 ليتراً وهو ما ساهم، إضافة إلى التخزين، في حرمان المقيمين في الأرياف من المازوت.

ولم تتركز الشبهة خلال اجتماع لجنة المال، أمس، فقط على التجار وشركات التوزيع والاستيراد، الذين وجدوا الفرصة سانحة في غياب الرقابة لتحصيل أرباح إضافية، بل طالت الحكومة التي أقرت الدعم مع معرفتها التامة بمحاذيره. كذلك طالت إدارة منشآت النفط التي قيل إنها سلمت خلال اليوم الأخير من شهر الدعم، وحتى ساعات الصباح الأولى كميات كبيرة من المازوت، مع إدراكها بأن هذه الكميات ستباع خلال اليوم التالي وبالأسعار العادية. ومع ذلك، فقد أكد مدير عام المنشآت سركيس حليس أن التوزيع لم يتغير طيلة أيام الشهر وهو لم يتخط 7 ملايين ليتر يومياً، مع إشارته إلى أنه لم يكن يحق للمنشآت إيقاف بيع المازوت المدعوم قبل انتهاء المدة.

ووسط تقاذف الكرة بين إدارة منشآت النفط ووزارة الطاقة ووزارة الاقتصاد ـ مصلحة حماية المستهلك، ضاعت الحقيقة، ولهذا فقد تقرر، بناء على اقتراح
من النائب ياسين جابر، عقد جلسة خاصة، بعد أسبوعين على أبعد تقدير، تقدم خلالها وزارتا الاقتصاد والطاقة تقريراً مفصلاً حول ما جرى، على أن يكون التفتيش المركزي حاضراً.
 وقال الرئيس نبيه بري لـنا  إن ما حصل في موضوع المازوت غير مقبول ويثير الكثير من علامات الاستفهام، مشيراً الى انه طلب من كتلة التنمية والتحرير تحريك هذه القضية ومتابعتها لكشف كل ملابساتها. وأوضح انه ينتظر الانتهاء من إعداد التقارير اللازمة بهذا الصدد، ولا سيما تقرير التفتيش المركزي، من أجل الطلب الى النيابة العامة التحرك بعد إحالة الملف إليها، مشدداً على ان رفع الدعم لفترة محددة تمّ من أجل مساعدة الناس وليس لإتاحة الفرصة أمام البعض لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
وفي سياق متصل، استغرب بري تلكؤ القضاء عن البتّ في ملفات عدد كبير من الأشخاص الموقوفين في سجن رومية من دون أي محاكمة، لافتاً الانتباه الى ان جولة وزيري الصحة والداخلية ورئيس لجنة حقوق الإنسان في السجن كشفت عن إهمال مزمن لقضايا السجناء، الأمر الذي لم يعد ممكناً السكوت عنه. وطالب القضاء بتسريع وتيرة العمل وجلسات المحاكمة، لا سيما أنه جرى تحسين أوضاع القضاة المادية مؤخراً كي يتفرغوا لعملهم.

وفيما يعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم، قال الرئيس نجيب ميقاتي لـ«السفير» تعليقاً على تفاقم ازمة انقطاع الكهرباء والتأخر في تنفيذ مشاريع وزارة الطاقة لتحسين التغذية بالتيار: لقد اتصلنا بالشركات الخاصة باستجرار الطاقة من البواخر، والأمر يستغرق شهراً تقريباً لدراسة أداء هذه الشركات وحسن إنتاجيتها وكلفتها، لكن الامور سائرة بوتيرة سريعة. اما بخصوص مشاريع وزارة الطاقة فقد وافق البنك الدولي على دفتر الشروط وسنعدّ المناقصات ونرسلها الى دائرة المناقصات للبت فيها، وستسير الامور في مسارها الطبيعي، لكن القضايا المالية المرتبطة بالبنك الدولي والصناديق من اجل التمويل تأخذ وقتاً.

وأوضح أنه وقّع قبل يومين مرسوم تصحيح الأجور وأحاله الى رئيس الجمهورية ومن المتوقع ان يوقعه خلال يومين ليصدر بشكل رسمي ويستفيد منه الناس.
وعن كيفية حلّ الخلافات السياسية القائمة في البلد لا سيما بين مكونات الحكومة، أشار الى ان «هذه الخلافات لم تصل الى درجة تهدد الاستقرار الداخلي، هي كانت موجودة قبل هذه الحكومة، ولكنها قابلة للحل، وهذا ما حصل فعلاً في كثير من الملفات، المهم أن تكون مصلحة لبنان موجودة في ذهن الجميع لنستطيع تجاوز الأزمات بأقل خسائر ممكنة وتلافي الضغوط السياسية والمالية الخارجية».

ورداً على التحركات الموجّهة ضد الوزير جبران باسيل في عدد من المناطق، احتجاجاً على التقنين القاسي، دعا رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، كل اللبنانيين «لكي يتحضروا لتظاهرة سلمية نحو المكان الصحيح، في موعد يحدد لاحقا، على ان يشارك فيها كل من يدفع فاتورة الكهرباء لمطالبة الدولة بالتعاطي بجدية في هذه المسألة وعدم عرقلة خطة الكهرباء».

من ناحيتها، توقفت كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أمام «فضيحة المازوت الأحمر بتنفيع المحاسيب، عشية انتهاء مهلة الدعم وتفاقم تردي خدمة التيار الكهربائي، ولجوء وزير الطاقة إلى ابتزاز اللبنانيين للانصياع لتلبية مصالحه الشخصية ومطالبه الحزبية على حساب الخزينة اللبنانية، إضافة إلى تمنع وزير العمل عن التوقيع على المراسيم بشأن الأجور وإدخال البلاد والاقتصاد في أزمة لا مبرر لها سوى العناد وتنفيث الأحقاد».
كما استهجنت الكتلة الطريقة التي يتصرّف فيها وزير الخارجية اللبناني في الجامعة العربية بكونه أصبح الناطق الرسمي للنظام السوري. 

السابق
الشرق: لتخرج الحكومة من أسر الوصاية ولتتحرك بإتجاه جامعة الدول العربية لوقف الانتهاكات السورية للسيادة
التالي
الموازنة الى النصف