جميّل: لنا تحفظات على القوات

تراكم بكفيا التباينات مع حلفائها في قوى الرابع عشر من آذار، التي تبدأ بمقاربتها للملف السوري ولا تنتهي بالعلاقة مع رأس الكنيسة المارونية مروراً بتوصيفها لمهمة المعارضة ولأداء الحكومة الميقاتية… لكنها لا تحملها على «الانتفاض» على «ثوار الأرز». بالمقابل، «تحيات عن بعد» تلقيها الكتائب بوجه «الآخرين»: تواصل على «القطعة» مع وليد جنبلاط رفيق «النضال السيادي». مع «حزب الله» مشروع حوار محتمل. مع «التيار الوطني الحر» التقاء تشريعي محدود، يحاصره «الخلاف»

حول سلاح «حزب الله»… فماذا تعني هذه الإحداثيات بحسابات أهل الصيفي؟
«الكتائب تقاليد ونهج وتاريخ». كما يرى رئيس الحزب أمين الجميل في حوار مع «السفير». وهي «بقدر تمسكّها بمبادئها وثوابتها، تؤمن بسياسة الانفتاح واليد الممدودة. ولا يمكن جرّها إلى سلوك انفعالي. موقفها من الحكومة موقف معارضة، ليس انقلاباً ولا عصياناً. معارضة صلبة لكن موضوعية. بدليل، أنه منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي أقنعنا حلفاءنا بفتح حوار معه، كما دعمنا موقف رئيس الحكومة في ما يخص خطّة الكهرباء أو تمويل المحكمة الدولية لأننا اعتبرنا أن مصلحة البلد تقتضي أن تسير الحكومة بهذا الاتجاه».
لا مشكلة في تمايز الصيفي عن حلفائه: «نحن 14 آذار قبل 14 آذار. تصرّف نسف الجسور أو كسر الجرّة أو على طريقة عنزة ولو طارت… ليس سلوكنا. لا أعتقد أن حلفاءنا منزعجون من أدائنا. هذا تحالف قائم على أسس اتحاد كونفدرالي، ولم يذب أحدنا بالآخر. قد نختلف مع «المستقبل» على قضايا مهمة، لكن نتفهّمهم كما يتفهمون تحفظاتنا».
يضيف: «مثلاً، ثمة خلاف حول طريقة التعاطي مع الشأن السوري، وهو أمر ليس خفياً على أحد. نحن نؤيد التغيير، لكن لا نرى مصلحة للبنان في إقحام نفسه بالشأن الداخلي السوري، لسبيين، أولهما، ضبابية أهداف هذا الحراك، وثانيهما، لا نريد تحويل الثورة السورية إلى صراع لبناني داخلي، إذ بهذه الطريقة نذهب «بدعس الخيل»، فالقضية أكبر منا، لا سيما أن دعمنا لا يقدّم ولا يؤخر، علماً بأن حساباتنا مع سوريا أكبر من حسابات بقية القوى. لبنان الرجل المريض والسلاح منتشر على الساحة اللبنانية، والاحتقان يملأ النفوس، وبالتالي فإن أي شرارة قد تولّع البلد».

هل هذا يعني أن الكتائب تخشى تصاعد موجة الأصوليات؟
لا تزال أهداف الحراك على الساحة العربية ضبابية، وهو يذهب في كل الاتجاهات، وفق تصور الجميل، الذي يعود إلى الاتصالات التي قام بها بين تركيا ومصر، وقد اتسمت بالإيجابية، حيث طرح «شرعة إطار» لكل الانتفاضات العربية، بالتعاون مع كل القوى، وقد أجرى حينها أكثر من اتصال مع قيادات من «الأخوان المسلمين»…. تتضمن مبادئ عامة تلتزم فيها الأنظمة الناشئة، تكون بمثابة تطمين بولادة أنظمة ديموقراطية تقوم على احترام الرأي الآخر، والاعتراف بالتعددية على أشكالها. وفي هذا السياق ستنظم الكتائب مؤتمراً في 27 كانون الثاني بمشاركة أحزاب ديموقراطية وسطية، وقيادات لبنانية، لتكون الشرعة موضوع النقاش، وإخراجها بصيغتها النهائية، ومن ثم محاولة إقناع كل هذه الأطرف بمبادئها. وقد لمس الجميل استعدادات طيّبة من الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي للسير بهذا المشروع.
بالنتيجة، «نعم الكتائب تخشى تصاعد الموجة الأصولية. إذا كنا بصدد الانتقال من أنظمة ديكتاتورية إلى أنظمة أصولية، فإن التغيير لن يؤدي مبتغاه. فالأصوليات هي أيضاً ديكتاتوريات، لأنها تمارس القمع باسم الله، وهي أخطر من الديكتاتوريات الأخرى. لكن إذا وافقت هذه القوى على الشرعة التي نطرحها، تكون خطوة جيدة، لكن الأفضل هو أن تتضمن الدساتير الناشئة المبادئ التي أشرنا إليها، من دون إغفال البوادر الإيجابية التي ظهرت في مصر وتونس لجهة الاعتراف بالتعددية والابتعاد عن الأصوليات المتزمتة».
محلياً، وبرغم أن سعد الحريري لم يبلّغ حلفاءه رسمياً بامكان عودته قريباً، فإن الكتائب ستشارك في مهرجان 14 شباط، لأنها «تنظر إلى النصف الملآن من الكوب، بمعزل عن بعض التحفظات. فنحن متفاهمون على جوهر القضية».  النصف الفارغ من الكوب، الناتج عن غياب «الرأس»، وقلّة التنسيق بين «الأعضاء»، والتباينات المتراكمة، لم يصب المعارضة بالضعف وفق الجميل. باعتقاده أنها حققت انجازات مهمة: دورها في خطة الكهرباء، تمويل المحكمة، تجميد التعيينات كي تتسم بالمنطقية… ويضيف: حركة 14 آذار لا تزال جاهزة للأرض، لكن الظروف دقيقة جداً ولا تسمح بالنزول إلى الشارع نظراً للانعكاسات، ولا يمكن التأثير في الحكومة ما دامت الأغلبية النيابية لا تزال بيد الفريق الآخر.
يقول الجميل إن «المعارضة هي في الاحتياط للوقت المناسب. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن ظروف المنطقة تصب لمصلحة المعارضة، مثلاً الضعف الذي يصيب سوريا، فضلاً عن التناقضات التي تصيب الفريق الآخر. بتقديرنا، ما يجمع فريق 14 آذار هو أكثر متانة مما يجمع فريق السلطة، الذي هو عبارة عن تجمّع مصالح. وما سمعناه من تصريحات من أعضاء الحكومة حول ملف الأجور، معيب. هناك من جاهر بأنه صوّت لأسباب سياسية ومن دون قناعة، ومن الواضح وجود قرار فوقي يمنع فرط عقد الحكومة».
تقود الكتائب سلسلة اتصالات «بعكس التيار»، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة، و«البيك الجنبلاطي»، بهدف ترطيب أجواء الساحة، وقد ساعدت هذه العلاقة على دعم الموقف المعتدل داخل الحكومة. وقد تلعب دوراً مهدئاً في الوقت المناسب». صحيح أنها علاقة على «القطعة»، ومتواضعة، لكنها ليست عقيمة، «فالعلاقات الخاصة مهمة، وقد تكون عنصر تواصل ورأب للصدع على الساحة الوطنية».
المشاركة ضمن الوفد الرئاسي لتقديم واجب التعزية بولي العهد السعودي، تأتي في إطار «تقليد لبناني يقضي بالتعاون بين رؤساء الجمهورية، وكنا نتمنى لو أن الرئيس اميل لحود تعاون مع الرئيس ميشال سليمان. المناسبة بروتوكولية، ومن الطبيعي أن يأخذ الرئيس الاعتبارات البروتوكولية في الحسبان. ونتمنى أن يستثمر هذا التقليد لتوظيف تجارب كل القيادات. التواصل لا يزال قائماً مع بعبدا، وبالأمس القريب أرسل الرئيس سليمان موفداً إلى الصيفي، فالأخير يقوم بكل ما بوسعه لخدمة البلد وإن كانت «اليد قصيرة».

هل الحوار مع «حزب الله» ممكن؟

يجيب الجميل: لمَ لا؟ لكن لا نريد استباق الأمور، وكل شيء بوقته جيد، عندما تنضج الظروف، وتصبح امكانية الوصول إلى قواسم مشتركة، متاحة. نحن لم نقطع شعرة معاوية مع أحد. نحن منفتحون على الحوار إلى أقصى حد، لكن المطلوب dialogue وليس monologue. من غير المفيد أن يجلس أي فريق الى الطاولة متمسكاً بموقف عقائدي، لأنه لا يوصل إلى نتيجة. قد تكون نيّته طيبة لكن الظروف مكبّلة ليديه.
يعتقد رئيس الكتائب أن انطلاق الحراك في سوريا، زاد من تعقيدات الحوار اللبناني. بتقديره أنه لمرحلة معينة، ستقتضي المصلحة قيام حوارات ثنائية وتفعيل التواصل لوضع قراءات مستقبلية مشتركة. انطباعه أن البلاد مقدمة على مرحلة جيدة. لكن حتى اللحظة، ليس هناك من مشروع لقاء مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله. ثمة لقاءات مشتركة تحصل على هامش أعمال مجلس النواب، أو في مناسبات عامة، علماً بأن الكتائب تقدّر اعتذار النائب نواف الموسوي من النائب سامي الجميل لأنه موقف مشرّف. وقد تسهّل هذه المحطة، في الوقت المناسب، التواصل بين الفريقين.

تنظيمياً، يجوز القول إن حزب «الله والوطن والعائلة» يتم بناؤه اليوم من الصفر، وفق توصيف رئيسه. على الرغم من ذلك، فهو راضٍ عن أداء القيادة التي تمكّنت من الانتشار على مساحة 10452 كلم مربعا، بدءاً من عين إبل ودبل جنوبا، وصولاً إلى وادي خالد شمالا. يعترف بوجود نواقص وصعوبات، لكنه يعتقد أن حزبه قد يكون الوحيد الذي يشهد حركة تصاعدية وفق الأرقام التي بين يديه.
ظاهرة سامي الجميل، هي من أسرار بقاء الحزب، كما يعتبر والده. «فتاريخ الحزب حافل بالظواهر التي نجح في استيعابها والتي أمّنت استمراريته، ولطالما مثّلت مصلحة الطلاب حركة انتفاضية دائمة تحت سقف النظام، ومنحته الحيوية. فسامي يمثل اليوم ظاهرة التجدد في الحزب، ولهذا يحصل الخلاف أحياناً في الرأي. ونلاحظ أن الشباب يمارسون اللعبة الحزبية إلى أقصاها، ونحن نتفهم هواجسهم، لكن الالتزام بقرارات الحزب هو الضابط للجميع».
نديم الجميل ينطلق من واقع محدد، وهو أنه ابن بشير الجميل، رئيس جمهورية سابق ومؤسس «القوات». لكن بالمحصلة، لم يتخذ النائب البيروتي أي مواقف تتناقض مع توجهات الحزب، ويأمل أن يستوعب الحزب كل هذه الظواهر، «لأن ذلك من مصلحة الجميع».

أما إعادة ترشح أمين الجميل لرئاسة الحزب لولاية جديدة، فموضوع ليس أوانه. «يملك الحزب الكثير من الطاقات، ومن يعتبر أن القيادة متوارثة، فليتذكر أن هناك أربعة رؤساء خلفوا بيار الجميل قبل ولايتي. دورنا أساسي. لكن الربيع الكتائبي انطلق في العام 2000 على يد الشهيد بيار الجميل، ونحن نعيشه اليوم بكل ما للكملة من معنى». لا يوافق الجميل على اختصار «الربيع الكتائبي» برحيله عن رأس السلطة في الحزب، أو رحيل آل الجميل. فالكتائب هي الحزب الأكثر ديموقراطية، فالمكتب السياسي الذي انتخب بالأمس على ايدي أكثر من 350 ناخباً من مختلف المناطق هو صاحب السلطة. قد أملك مونة على البعض، لكن لا يمكن التأثير على هؤلاء الذين اختاروا المكتب السياسي الذي ينتخب بدوره رئيس الحزب ويتخذ كل القرارات».
العلاقة مع «التيار الوطني الحر» لا تتسم بالمؤسساتية. التواصل قائم على هامش مجلس النواب واللقاءات العامة، والتقاطع حول بعض المشاريع. لكن لا مشروع لتطويرها بسبب الخلاف الجذري حول مسألة سلاح «حزب الله».
مبادئ 14 آذار تجمع الكتائب مع «القوات»، إلى جانب التفاهمات الانتخابية في بعض النقابات والجامعات، لكن ذلك لا يلغي وجود «بعض التحفظات التي نسعى إلى تجاوزها من باب المصلحة المشتركة التي تقتضي التواصل والتعاون بيننا».
أما الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار، فتصرّ الكتائب على عدم المشاركة في اجتماعاتها، لا سيما أن المشروع الإصلاحي الذي طرحته الكتائب لم يبصر النور. بتقدير الجميل، فإن الأمانة العامة يجب أن تمثل توجهات أطراف 14 آذار، لا سيما الأطراف الأساسية بما فيها هيئات المجتمع المدني. لكن حتى اللحظة لا تزال الأمانة منغلقة على ذاتها.

الترشّح لرئاسة الجمهورية ليس مطروحاً اليوم على طاولة الصيفي، و«لمّا نصل إليها نصلّي عليه»، لكن الحزب بدأ التحضير للانتخابات النيابية، و«من الطبيعي أن تكون ضمن إطار 14 آذار». 

السابق
ماذا ينتظر لبنان والمنطقة في آذار المقبل؟
التالي
اطمئنانك يقلقنا!