زواج فريدة وأسعد: عرس الموسم الفريد والنادر

لم يمنعهما العمر من اكمال المسير بالزواج من جديد رغم الصعوبات الجمّة التي ترتبت على زواجهما في عمر الثمانين فما كان من أسعد ياغي ابن الثمانين عاما وفريدة قانصو ابنة الخامسة والثمانين الا ان تحديا الجميع وتزوجا منذ اقل من شهر في بلدتهما زوطر الغربية- قضاء النبطية (لبنان)، رغبة منها في اكمال مشوار حياتهما معا تحت سقف واحد، يساعدان بعضهما ويكونا السند لبعض في وجه لوعة الوحدة القاتلة التي كانا يعيشانها.
فمشوار العمر سيستمر مع ازاهيد الحياة ودوما هناك امل… امل يأتيك من خلف تلك الغمام التي تلبدت بـآهات وآهات على فراق رفقاء درب حياتنا.

فحين وجدت فريدة نفسها وحيدة بين جدران اربعة، بعد ان غادرها رفيق دربها الى ما بعد الحياة، وعانت وحشة الليل ومرارة النهار ولأن "اللي له نصيب بشي بدو ياخذوا"، وجدت فريدة قانصو بزواجها من أسعد ياغي، بعد وفاة زوجها منذ اربعة اشهر، الحل الأمثل لقتل وحدتها واضفاء روح ونبض الحياة على أسعد ابن الثمانين عاما، الذي توفيت زوجته منذ مدة طويلة ولديه ولدا وحيدا.
تزوجا وكان عرسهما قنبلة في زوطرالغربية- النبطية، واهلها الذي ادخل زواجهما البهجة المصحوبة ببعض التساؤل، تدافع الجميع فتية ونساءا واطفالا لمشاهدة العروس الثمانينية تعقد قرانها وهي التي ما فقدت الامل ويبدو ان هذا الزواج سيدخل كتاب غينيس للارقام القياسية، وللاعراس لذوي الاعمار القياسية.

أسعد الملقب بـ(الحوراني)، وفريدة مزارعين من بلدة زوطر الغربية يعملان في الحقل، يزرعانه بالقمح والخضر، وكل يعتمد على حصانه بحرثها. وزواجهما جاء نتيجة تحدي اهل العروس للعريس بأنه لا يمكنه زواجها قبل ان يمر وقت طويل على وفاة زوجها، الا انه قبل التحديّ وفي يوم واحد تقرر الزواج… الناس في البلدة تفاجأوا لما يحصل، كما تقول غادة ياغي:" ما ان عرفنا ان الحوراني سيتزوج بفريدة، حتى أخذ الشباب والاطفال يركضون من هنا وهناك، هذا يهرول بسرواله الداخلي، وتلك بمشاية المنزل، والكل يركض باتجاه منزل الحوراني ويتدافع لحضور حفل الزفاف. لا يريد احد ان يفوّت لحظة من العرس " مش كل يوم بيصيرعرس هيك".

تقاطعها أم علي، جارة فريدة، راسمة البسمة على وجهها، وتقول:" لقد قمنا بتزيين المنزل بالورود، واجلسنا العروسين على المرتبة "هني عرسان ولازم نفرح فيهن". هذا ما بادرت مريم بقوله التي ما انفكت تشرح كيف كانت اجواء العرس، لقد جلست العروس على مرتبة العرسان، وهي مرتدية طقما ووشاح ابيضا تدلى من على رأسها كما "الطرحة"، في حين ارتدى العريس بدلته السوداء والورود تحيط بهما، فلقد ادخل العرس نوعا جديدا من الفرحة الى البلدة، وذاع صيت العرس في كل مكان في المنطقة.

 اذ لم يعتد اهل الجنوب هذا النوع من الاعراس في هذا العمر، بل جلّ ما اعتادوا عليه اعراس العين والدبكة والعزف على المنجيرة، تلك الاعراس التي غابت عن البال، اما ما يحصل الان فهو خارج عن المألوف و"اللي سبق شم الحبق".
في منزلهما المتواضع يقطن العروسان يتسامران يتبادلان النظرات، يمضيا اوقات معا في حديقة المنزل حيث يتنزهان فيها متشابكي الايدي كأنهما في مقتبل العمر، يقطف لها الليمونة من هذه الشجرة والتفاحة من تلك. اما هي فلا تفارقه الا حين يغادر الى حقله يزرعها ويحرثها، وحين يعود الى المنزل لا يتفارقان بل يتشاركان في كل شيئ.

يا له من عرس اسطوري سيؤرخ له التاريخ اذ انه لم يحدث ان تزوج اثنان بهذا العمر في المنطقة، وهذا ما اثار استغراب الجميع حوله.
ماذا تقول فريدة العروس الفريدة؟ " شو بدنا نعمل كنت انام وحيدة في المنزل بعد وفاة زوجي ولم انجب اولاد، كنت اسهر عند الجيران كل يوم هربا من الملل، واعود الى المنزل عند الحادية عشر مساءا.
لا اخجل من هذا الزواج ابدا، بل انها لا تريد ان تزعله، تخاف عليه كثيرا "كل شي بدو ياه بعملوا،الاكل اللي بيحبوا وحتى ان زعل، تقول فريدة، هو "بيشبه الحليب النوري دغري بيرضى، ما في شي بقلبوا".
الجلسة معها في العش الزوجي، كما يحبان ان يطلقا عليه، لا تخلو من الضحك والكلمات والامثال التي ربما لم تسمع عنها ابدا، لم تمنعهما تجاعيد الحياة من ان يكملا حياتهما بشكل طبيعي، بل ربما هي التي اعطتهم الامل.
فهما يقولان انهم شباب من الداخل، وتطهر في حياتهما وخطابهما الذي غالبا ما يتغنى بالامثال الشعبية فالحليب النوري بدايته، فالكلام بينهما غالبا يكون عبر لغة الامثال الشعبية وكأنهما في عالم مغاير عن هذا العالم.
اذا أزعجها بكلمة تقول "اذا طردته من الباب دخل من الشباك"، و"جهل الختيارما لو دبّار". يبادرها فورا بالقول أكبر منك بيوم أعقل منك بسنة والذي يصبر على حلوها يصبر على مرها.

ما زال العروسان يعيشان شهر العسل، فهما لا يريدان ان يضيعا وقتا من حياتهما، فهو يعتبر ان كل دقيقة لها ثمنها وهي بدها تعيش حياة حلوة فهما يقدمان امثولة للجميع يقولون فيها "ان القطار ما فات" الحياة مستمرة ونحن كذلك ولا نريد ان نقف في مكان قليلا فانهم تحدوا الجميع الكلام والقيل والقال حتى تجاهل ضحكات الناس التي شاهدوها يوم زفافها، ففريدة تقول:" انا ما بهمني حكي الناس المهم انو انا عايشي مرتاحة مع زوجي وهيدا بيكفي".
اما هو فلا ينفك يدلل العروس لا يدعها تعمل شيئ بمفردها يساعدها في الطبخ والمنزل وحتى في رعاية الحديقة خارج المنزل.

رغم غرابة ذاك الزواج الا ان الوحدة قاتلة، وكل واحد منا يحاول ان يهرب منها وطالما ان الحياة مشوار فلا بد ان نمشيه ولنأخذ العبرة من تجارب الكبار ولا تحزن الفتيات فمهما طال الزمان، فلا بد يوم ان يأتي العريس وحتى لو تخطت المئة عام.
لقد كتب للجنوب ان يكون الفريد بتخريج اساطير غريبة وتجارب فريدة، وغالبا ما يقدّم للاخرين العبر والاعراس النموذجية. اليد الواحدة لا تصفق فلنصفق جميعا للحياة الرائعة بأصالتها وعفويتها وصلابتها. 

السابق
انذار لبطرس حرب
التالي
ما بعد أحداث سورية