يجتهدون كي لا يقرروا

رفضت المحكمة العليا يوم الخميس بالاجماع استئناف رابطة حقوق المواطن و»عدالة» على «قانون النكبة»، الذي يخول وزير المالية ان يمنع عن منظمات مخصصات ميزانية داعمة اذا جعلت يوم الاستقلال يوم حداد، واذا كانت نشاطاتها تنفي الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة وتحقر رموزها وتحرض على العنصرية وتكون تأييدا للارهاب. وامتنعت المحكمة عن ان تقرر بصراحة هل القانون دستوري أو غير دستوري لكنها رفضت الاستئناف رفضا باتا زاعمة «أنه لا مكان في هذه المرحلة لبت قرار قضائي»، وأنه بعد ان يتضح هل يستعمل وزير المالية وكيف يستعمل صلاحيته يستطيع المستأنفون العودة الى رفع دعاوى بشأن الدستورية.

يمكن ان نتفهم القضاة الذين أرادوا التهرب من قرار حاسم واضح. تذكر مريام نئور واليعيزر ريفلين في قرار الحكم الحاجة الى تحديد ترتيب أفضليات في كل ما يتعلق بتخصيص الزمن القضائي وغربلة استئنافات قبل ان يطلب البت بشأن دستورية القانون. قد تكون المحكمة متنبهة للموجة العكرة من اقتراحات القوانين الاشكالية وربما تخشى ان تُجند بهذه الصورة لنقاش هذه الاقتراحات. وربما تختار الاقلال من الذخيرة القضائية كي لا تدفع أكثر من اللازم الى عين العاصفة.

يمكن بلا صعوبة ان نثير دعاوى قضائية ثقيلة الوزن على الاستئناف. ان «قانون النكبة» غير وجهه بقدر كبير جدا منذ ان تم اقتراحه أول مرة. ويمكن اليوم بيقين ان نزعم ان ضرره بالحقوق ضئيل وتناسبي ولا يسوغ تدخلا قضائيا. وكانت المحكمة تستطيع ان تبت بهذا الاتجاه بوضوح. بيد أن هذا القرار كان سيثير أطرافا اخرى لنقاش اسئلة تتناول «جذر المشكلات التي تقسم المجتمع الاسرائيلي»، كما قالت بينيش. وهكذا يثبت قرار الحكم نفسه على مزعم قضائي يثير التساؤلات. فلاول مرة أقامت المحكمة العليا في مركز نقاش دستورية قانون مسألة «نضج الاستئناف»، وبحسبه ينبغي ألا يُبت شأن ما على أساس لغة القانون بل ينبغي الانتظار ليتم رؤية كيف يُطبق. ويدرك القضاة جيدا ان ما يحاولون ان يصوروه بأنه رفض لبت القرار هو في واقع الامر بت لا لبس فيه. اذا كان يمكن تطبيق القانون بصورة دستورية فان المحكمة في النقاش في المستقبل المتعلق بتطبيق الوزير له لن تبحث دستورية القانون بل عمل الوزير غير القانوني وستأمره بتطبيقه بصورة لا تمس بحقوق دستورية بقدر أكبر مما ينبغي. اذا لم يكن القانون دستوريا، أي انه يمس بصورة غير تناسبية بحقوق دستورية دونما صلة بصورة تطبيقه، فمن المناسب ان تقول المحكمة هذا الآن وألا تترك الكنيست والحكومة والجمهور في عدم يقين.

عرف القاضي (المتقاعد) اسحق زمير الفاعلية القضائية بأنها «استقرار الرأي على القرار». والتشكيلة التي خرج قرار الحكم هذا من تحت يديها تشمل الرئيسة بينيش ونائب الرئيسة ريفلين والقاضية نئور وتشمل ثلاثة من الاربعة القدماء من قضاة العليا يعتبر اثنان منهما على الأقل فعالين قضائيا. وبرغم ذلك فان الأبرز في قراراتهم هو ارادة ألا يقرروا. ان التصرف الجديد قد يكون علامة تغير اتجاه غير مرغوب فيه لاستعداد المحكمة لدخول بواطن الاشياء وقول اشياء واضحة تتعلق بدستورية القوانين على أساس نصها. سيوجد من يزعمون ان هذا يجعل جهود اعضاء الكنيست الذين يعارضون الفاعلية القضائية في محاولتهم تعيين القاضي آشر غرونس رئيسا للمحكمة العليا بدل القاضية نئور التي كتبت نص الحكم، سيجعلها لا حاجة لها.
  

السابق
الاختطاف القادم
التالي
بين نتنياهو وبن غوريون