أزمة العقل الشيعي في لبنان (2)

الحديث عن أزمة العقل الشيعي في لبنان , هو حديث عن المكوّن الشيعي في لبنان , ونعني به تأثر الفكر (العقل)الشيعي في لبنان بالظروف السياسية المحلية والاقليمية والدولية , ومن ثم تأثيره في سلوكيات الاتباع السياسية والاجتماعية والدينية وقد نستطرد أحيانا لتقريب الفكرة فقط , هذا التوضيح لدفع بعض التوهمات التي إعترت البعض عند قراءة المقال الاول (1) وقد تعتري توهمات أخرى البعض الاخر , إما لان الموضوع حسّاس واما لان البعض يقرأ بحساسية , وقد يكون الاعتراض شكليا على طريقة النقد العلني " على قاعدة لا يجوز نشر الغسيل …"مع الموافقة على مضمون النقد , لان أكثر الذين إعترضوا قالوا : " كلام صحيح ولكن لا يصح نشره أمام الملأ " , فاذا لم يعرف الملأ حقيقة الامر كيف نخلصه من هيمنة الخطاب السياسي المتلبس لبوس الدين والطائفة , وبالتالي يجرّ الناس الى وكر أصحاب الخطاب وزجّ الناس في مشاريع خاصة باسم الدفاع عن المذهب , وما ورد من اعتراض ونقد على المقال الاول هو حق طبيعي للآخر , كما هو حقنا بالنقد لما نراه من مصلحة للطائفة الشيعية الكريمة , اذ اننا نعتقد ان النقد البنّاء يصب في مصلحة التشيّع والشيعة , بغضّ النظر عن توصيف مَن يوصّف لاننا نعتقد , أيضا , أن كثيرا من التوصيفات تندرج ضمن موضوع " أزمة العقل الشيعي في لبنان " .

أما ولماذا الحديث عن العقل الشيعي وليس عن غيره من العقول من الاديان والمذاهب الاخرى , فهذا التخصيص هو لأنني شيعي وأنتمي لهذه الطائفة بكل فخر وأعتزاز , ولأن التشيّع يعني لي الكثير فأعتبر نفسي معني بالدفاع عن مسار التشيع التاريخي والمعاصر , وأيضا لما نراه من ابتعاد عن الثوابت الدينية والقيمية والاخلاقية في آلية التعاطي مع المختلف سياسيا من البعض مع البعض الاخر ضمن الطائفة الشيعية , حيث أننا نرى ونشاهد ونسمع ونلمس التجرؤ على كرامات بعض الناس وعلى مصالحهم وسمعتهم بطريقة لم يشهد تاريخ التشيّع مثيلا لها , من قبيل الاتهام الشخصي للمختلف سياسيا او ثقافيا , وتطويقه بإشاعات من أجل تنفير الناس من حوله , والادهى من ذلك كله أن هذه الاساليب يتولى أمرها رجال دين شيعة , وهم يحدثون الناس عن أهمية دور رجل الدين في المجتمع , ومنهم قضاة ومفتين ووكلاء مراجع (فقهاء) .

وإن حاول البعض التباكي وبالتالي منع النقد بكل اشكاله وبكل الاساليب الاخلاقية واللااخلاقية كما يحصل الان في لبنان ضمن الطائفة الشيعية ومن خلال رجال دين يتوهمون أنهم وكلاء حصريون للتشيّع , وبناء على إعتقادهم الخاطئ والمجرم بأنهم وكلاء على التشيّع , يوزعون الشهادات بالسلوك , وشهادات بالالقاب والتوصيفات لكل مَن حاول أن يكون شيعيا حرا كريما .

أليس هؤلاء هم المسؤولون عن صناعة العقل الديني الشيعي ؟ أيّ عقل ديني شيعي سوف يصنع هؤلاء الذين يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا ؟ نعم إن العقل الشيعي السائد هو في أزمة من خلال هؤلاء الذين يقبحون الحسن ويحسنون القبيح إرضاء لأنفسهم أولا وإرضاء لأسيادهم في السلطتين الدينية والزمنية , الذين مهما فعلوا لن يغيروا قيد أنملة في الحتمية التاريخية في عدم دوام السلطة مع الظلم , نقول هذا ونحن نعلم أن أي حركة نقد للسائد الديني المخالف للثوابت , مهما كان نوع السائد , سيكلّف الناقد الكثير , وعلى الناقد ان يتحمّل , وعليه أن يعرف بأن السائد أقوى من القوانين , لأن الذي يحاكم من خالف السائد ليس القوانين بل الغوغاء التي كرّست السائد , وهنا اتذكر العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله "قدس" رحمة الله عليه , المؤسس لمنهج النقد الجرئ لكل سائد ديني ساد من خلال العادات والتقاليد والخلط بين المقدس واللامقدس ,فعندما خالف السائد الشيعي محاولا الاصلاح , حاربه وواجهه الغوغاء بتحريض من رجال الدين الذين لا حجة لديهم سوى تحريض العوام .
السيد ياسر ابراهيم

السابق
لا حفلات راس سنة في صور !!
التالي
حمد بن جاسم… وزير خارجية إسرائيل!