هل انتهت الثورة في سوريا وبدأت الحرب ؟

ينزلق الوضع في سوريا إلى مرحلة دمويّة، ولو من طرف واحد. وثمّة معطيات تؤكّد أنّ الحلفاء الإقليميّين لنظام الرئيس بشّار الأسد لن يتركوه وحيداً ومستفرداً، استعداداً للمرحلة المقبلة والحاسمة…
عمليّاً، باتت الآمال مفقودة نهائيّاً في إبقاء الأزمة السوريّة ضمن سياقها السلمي. إنّها الحرب ربّما، وقد أعلنت عن نفسها من بوّابتين، هما: بدء استخدام القذائف والصواريخ في ضرب الأحياء والأبنية، والتفجيران اللذان استهدفا مركزين للأمن في قلب دمشق. وحتى الآن، ينحصر الطابع الدموي للمواجهة بفريق السلطة وحده. فلا مقاومة مسلّحة لعمليّات القمع لأنّ الجيش ما زال في يد السلطة إجمالاً.

لكنّ هناك اقتناعاً في أوساط سياسية متابعة بأنّ المسار الدموي لـ"الربيع السوري" قد لا يستمرّ محصوراً بطرف واحد. ويتردّد في هذه الأوساط أنّ "كلمة السرّ" الإقليمية – الدولية، في ما يتعلّق بتماسك الجيش حول النظام، لم تتغيّر حتى الآن. لكن هناك مخاطر جدّية في هذا المجال مع تصاعد العنف وإراقة المزيد من الدماء، بحيث لا يعود أحد قادراً على تقبّل المزيد.

فقد صعّد النظام عمليّاته في محاولة لإسكات المصادر الأساسية للاحتجاجات، قبل وصول المراقبين العرب، لكنّه لم ينجح. كما أنّ الاستعانة بالعنوان الإرهابي الذي يخيف العرب والغرب على السواء، أي "القاعدة"، لم يكن مقنعاً لكثيرين، نظراً الى الشكوك التي تعتري علاقة النظام بالإرهاب السلفي، بناء على التجربتين في لبنان والعراق. ويُخشى أن يؤدّي غرق المراقبين العرب في الرمال السورية الى تكريس "ستاتيكو" المواجهة الدموية. ما يعني أنّ هؤلاء لن يكونوا، في فترة إقامتهم، سوى شهود ضعفاء على بداية الحرب الأهليّة، ذات الطابع المذهبي.

"صولد" لحماية النظام

ماذا يعني ذلك في منظار الحلفاء الإقليميّين للنظام؟

المؤكّد أنّ هؤلاء بدأوا ينفّذون خطة المواجهة في حال فشل الرئيس الأسد في إخماد الثورة، ووصول النظام الى نقطة الخطر. وهذه الخطة تقوم على قيام هؤلاء الحلفاء بتدعيم مواقعهم منعاً لاهتزازها، بما يؤمّن الدعم للأسد واستمرار التواصل الاستراتيجي بين حلقات هذا التحالف من طهران الى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق.

فبعد فقدان هذا المحور ورقة "حماس"، وتقاربها مع "الإخوان المسلمين"، أصبح فعلاً جديراً بتسمية "الهلال الشيعي". وحلقات هذا المحور مستنفَرة للمواجهة، كي يدافع كلّ منها عن نفسه وعن الحلقات الأخرى.

ولذلك، بدأت في بغداد عمليّة التفاف داخليّ يقوم بها نوري المالكي للإمساك بمفاصل السلطة، بدعم من طهران. فيما يمسك حلفاء سوريا في لبنان بالسلطة ويمنعون انهيارها أيّاً تكن الدوافع والأثمان. وتوفّر الحكومتان اللبنانية والعراقية دعماً سياسيّاً للأسد. كما أنّ الحدود السوريّة مع البلدين يتحرّك فيها النظام مرتاحاً، وفي لبنان يتجاوزها، والسلطة المحسوبة عليه تشاركه "السيناريوهات".

وهناك مَن يتوقّع ارتفاع مستوى التوتّر السياسي والأمني في الساحتين اللبنانية والعراقية الى حدود عالية، في موازاة تصاعد مأزق النظام في سوريا، لأنّ خطة المواجهة التي يعتمدها هذا المحور تقتضي تحويل المسألة من أزمة نظام مستفرَد و"أقلّي" في سوريا الى أزمةٍ ذات بُعد إقليمي – دولي، بين محورين كبيرين. وهذا يؤدّي عمليّاً الى تداخل الأزمات في لبنان وسوريا والعراق، لكنّه ينفّس الضغط عن نظام الأسد، ويرشّحه مرّة جديدة ليكون جزءاً من تسوية كبرى، لا ثمن لها.

وفي اعتقاد محلّلين أنّ المحور الإيراني – السوري في صدد تغيير طبيعة المواجهة الحاليّة: من ثورة شعبية داخلية في سوريا إلى حرب لا هوادة فيها بين مكوّنات الشرق الأوسط بكامل أنظمتها وشعوبها. فاندلاع هذه الحرب قد يكون السبيل الوحيد لإخافة الجميع واقتناعهم بالجلوس الى الطاولة، والاعتراف بأنّ بقاء النظام في سوريا حيويّ للاستقرار، على غرار الاعتراف بأنّ بقاء أنظمة أخرى في المرحلة الراهنة ضروريّ أيضاً للاستقرار.  

السابق
الحريري: على أمل ان تنعكس المصالحة بين فتح وحماس على الواقع الفلسطيني في لبنان
التالي
أوغاسابيان: اتمنى ان نتوصل بالحوار السياسي الى نزع هذا السلاح