كاتب تحقيق لو فيغارو عن تورط مغنية في اغتيال الحريري: عدم علم نصر الله لا يعني تبرئة حزبه

جورج مالبرونو يفعلها مجددًا… فبعد تحقيق آب 2006 الشهير الذي عززه العام الفائت بتقرير سابَقَ صدور القرار الاتهامي وتثبيته بأشهر معدودة، عاد اليوم ليعزف على الوتيرة نفسها ولكن مع تمايز وحيد: ما قرأه بعضهم تناقضاً فكريّاً وتاريخيًّا أسقطه الصحافي الفرنسي إما سهواً وإما عمداً لأهدافٍ استراتيجية وفق ما تقتضيه ظروف الشرق الأوسط، وتحديدًا سورية، وجد فيه آخرون ومنهم مالبرونو نفسه جوابًا لسؤال جوهري: هل كان السيد نصرالله يعلم بما خُطِّط له داخل حزبه؟ الجواب: حتماً لا… جوابٌ أكده مالبرونو في حديثه الخاص التالي:

بعد كانون الأول 2010، ها هو كانون الأول 2011 يحمل معه مقالاً جديدًا لكاتب “لوفيغارو” الأول، جورج مالبرونو يصبّ في خانة رمال العالم العربي المتحرّكة ربطًا بـ “ديليما” Dilemma المحكمة الدولية وحزب الله تحت عنوان: “الثورة السورية تُضعِف حزب الله”… وما قبله عنوانٌ مفاجئ يشي بضلوع الحزب في اغتيال الحريري: “ظلُّ حزب الله في عملية اغتيال الرئيس الحريري”. يومها برّر الصحافي الذي تخضرم طويلاً في شؤون الشرق الأوسط ولبنان بعد العام 2005 محصّلة ما خرج به من نتائج باستقائه معلوماته الخاصّة من مصادر مقرّبة من المدّعي العام المتنحّي دانيال بلمار. أما في المقال الأخير فظهر مالبرونو وكأنه أقرب الى دحض فرضيّة ضلوع قيادة حزب الله بعدما كان مدافعًا عن بلمار “المخدوع” من دايفيد ميليس ووسام الحسن. هكذا تراءى للكثيرين في ما قرأوه في المقال الأخير ولكن… مالبرونو ينفي مجددًا لـ “صدى البلد” أن تكون نيته تبرئة حزب الله: “كنتُ واضحًا في مقالي، وأؤكد هذا الواقع مجددًا. السيّد نصرالله لم يكن على علم بأن عماد مغنية سيغتال الحريري ولكن هذا لا يعني تبرئة حزب الله، إذ إن نصرالله لا يعرف كلّ كواليس الحزب وأمورٌ كثيرة تحدث من دون علمه”.

لا أراهن على شيء
ويشدّد مالبرونو على أن “ما أشار اليه في المقالات السابقة يلتقي مع هذا الواقع خصوصًا أنه لم يقل يومًا إن نصرالله متهم بل عناصر منضوية تحت لواء حزبه”. وعما قرأه بعضهم من مراهنة على سقوط نظام الأسد الكفيل بإسقاط حزب الله قال مالبرونو: “أنا شخصيًا لا أراهن على شيء، بل أراقب وأعلق، ولكن أعتقد أن النظام السوري حُكِم عليه بالانتهاء”.

السيّد لم يعلم
وعن التناقضات التي وجدها بعضهم بين هذا التقرير الذي يبرّئ السيد نصرالله من دماء الحريري والذي سبقه بعام متهمًا مجموعة منتمية الى حزب الله علق مالبرونو: “لا تناقض البتة، ما قلته واضحٌ. القيادة لم تكن على علم ولكن ذلك لا يبرّئ الحزب نفسه لأن مغنية يشكّل جزءاً لا يتجّزأ منه. الحقيقة أن مغنية لم يغتَل الحريري شخصيًا ولكنه شارك في المجموعة التي خطّطت لاغتياله. ثمّ لا يمكن القول إن حزب الله بريء لأن العدالة الدولية اتهمت أربعة من عناصره وهذا ما توصّل اليه القاضي بلمار، ولكن ما أردتُ قوله إن نصرالله لم يكن على بيّنة من أن لمغنية وبعض العناصر الأمنيين التابعين له يدًا في اغتيال الحريري بالتنسيق مع مرجعيات سورية”. وأردف: “أنا لا أتهم سورية بمقتل الحريري لأنني لا أمتلك أدلة على ذلك ولكن هذا لا ينفي أن هناك شكوكًا تحوم حول اليد السورية في عملية الاغتيال”.

سقوطٌ حتميّ
وعن الوضع السوري ربطًا بوضعيّة حزب الله الداخلية قال مالبرونو: “سقوط الأسد سيضعف حكمًا حزب الله وربما سيسقطه وهذا السيناريو الأكثر منطقيّة، إذ في حال سقوط نظام الأسد كيف سيتحرّك حزب الله حينها وكيف ستصله الأسلحة؟”. وما إذا كان السيناريو نفسه يتكرر في حال سقوط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أجاب: “لا شكّ أن سقوط حكومة ميقاتي يعني سقوط حزب الله لذا تجده متمسكًا بعدم إسقاط الحكومة خصوصًا أن لديه حلفاء يمكن أن يعوّل عليهم وقد ثبت ذلك في ملفاتٍ عدة”.

لا أناقض العدالة
وعما استند اليه ليقول إن عماد مغنية تمّت تصفيته على يد ما أسماه الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد أكد مالبرونو أن “هناك شهاداتٍ عدّة في هذا المضمار منذ العام 2008 حتى اليوم تشير الى هذا السيناريو. فعماد مغنية كانت لديه معلومات ومكان اغتياله لا يترك أيّ شكّ عن حقيقة ما حصل. وحزب الله لم يكن على علم بهذه التصفية”. ولكن نصرالله القائد الأعلى؟ سؤالٌ يطرح نفسه في السياق بيد أن مالبرونو يبرره: “نعم ولكن نصرالله لا يعلم بكلّ ما يحصل داخل حزبه. وعندما اكتشف ضلوع مقربين منه لم يكن مسروراً”. وختم: “عوّلت على شهاداتٍ قاطعة وما خرجتُ به لا يتناقض البتّة مع ما توصّلت اليه العدالة الدولية”.

تبدّل العناصر
ما زال اسم مالبرونو يصدح في أرجاء المحكمة الدوليّة… كيف لا وهو من أشار الكثيرون من متابعي مسار العدالة الى أنه “ألهمها” أسماء متّهميها الأربعة “بدفشةٍ” من دير شبيغل و”لوموند” وقناة “سي بي سي” الكندية وواشنطن بوست. اليوم عناصرُ كثيرة تبدّلت ولو بطريقةٍ غير ظاهرةٍ، في غضون 12 شهراً، ورغم أن المحكمة تتّجه الى محاكمة متهمين “مقرّبين من حزب الله”، أعاد مالبرونو خلط بعض الأوراق عندما أزاح التهمة عن كاهل زعيم الحزب في حال مقاربة التبرير بتساؤل منطقي: ما مدى واقعيّة أن يكون السيّد غافلاً عن شؤون حزبه وشجونه وتفاصيل تحرّكات عناصره وهو المُحاط بجهازٍ أمني أفلح أخيراً في نبش نواصي العملاء والمخابرات الأميركية حتى في مناطق لا تواجد له فيها؟

الحزبُ سيتأثر ولكن!
لم يتردّد مالبرونو في مقاله الأخير في استقاء معلوماتٍ وشهاداتٍ منها ما اقتُبِس من مصادر خاصّة ومنها ما وُضِع على لسان أشخاصٍ يخدمون التقرير وعلى رأسهم القائد السابق لقوات “اليونيفيل” العاملة جنوب لبنان تيمور غوكسيل حيث نقل عنه مالبرونو تأكيده أن “حزب الله لا يستطيع أن يتخلى عن بشار الأسد ولكنه في المقابل لا يعرف كيف يردّ على قواعده التي لا تفهم كيف يطالب الحزب باسم المقاومة بمزيدٍ من الحريات في البحرين من دون أن يطالب بمثيلاتها للشعب السوري”. وفي هذا المضمار أكد غوكسيل في حديثٍ خاصٍّ الى أن “سقوط نظام الأسد سيصعّب الأمر على حزب الله بلا شكّ خصوصًا على مستوى اتصاله جغرافيًا بإيران وأكثر تحديدًا على المستوى التسليحي، ولكن لا بدّ من التشديد على أن هذا التأثير لا يقتصر على حزب الله بل يتسع ليطاول كلّ لبنان . طبعاً فرضية تلاشي حكم الأسد لن تجعل حزب الله يختفي او ينهار ولكنها ستعقّد أموره”.
وفي ما يتعلّق بفرضيّة تقديم حزب الله المساعدة العسكرية لسورية قال غوكسيل: “فليسمح لنا المؤمنون بهذا النظرية. سورية لديها جيشٌ يضمّ عددًا ضخمًا من العناصر ولا تحتاج الى مساعدة حزب الله عسكريًا”.

للذاكرة فقط
منذ 5 أعوام وبعدها بأربعة أعوام عزّز مالبرونو أيضًا فرضيّة اتهام حزب الله مستبعدًا الفرضيّة الإسرائيليّة وغير مشدد على الفرضيّة السورية، أما اليوم فنبش بعض أوراق الماضي التي تعجّ بما عُرِف بـ “شهود الزور” بعدما استُبعدِت فرضيّة علم قائد حزب الله بتفاصيل الاغتيال التي يرويها قرار المحكمة الاتهامي عن عياش وآخرين وفُتِحت العينُ مجددًا على سورية المتخبّطة في أزمتها الداخلية. وللذاكرة فقط… تحدّث مالبرونو يومها عن مجموعتين اجتمعتا للهدف نفسه إحداهما مدفوعة من حزب الله وثانيتهما سلفية جهادية سنيّة. وقتذاك قال مالبرونو إن “هاتيْن المجموعتيْن لم تعملا معًا بل من أجل هدفٍ واحد من دون أن تعرف أيٌّ منهما أن هذا الهدف سيكون اغتيال الرئيس رفيق الحريري”. وعن اتهامه المباشر لحزب الله في المقال الأخير أردف مالبرونو:” في العام 2006 لم أتهم حزب الله مباشرة أما اليوم فتحدّثت عن هيكليّة داخل حزب الله لها علاقة بالجريمة ويبقى أن نعرف ما إذا كان السيد نصرالله على علم بذلك وما إذا كانت هناك علاقة لهذه الهيكلية بالقيادة”؟

صدعٌ استراتيجي
أما ما لم يُغفِله مالبرونو هذه المرّة فتجسّد في بثّ ما يزيد الضغط على سورية المختنقة أصلاً مشيراً الى أن “مغنية اغتيل على يد الفرقة التابعة لماهر الأسد” وهي الفرقة النخبوية التي تحتضن الحرس الجمهوري. وفي هذا الصدد، تشير مصادر محللة الى أن “من الجلي كالشمس أن مالبرونو أراد توظيف الواقع السوري المهزوز ليوجّه صفعةً جديدة الى النظام من خلال محاولة إحداث صدع بينه وبين حزب الله لجهة تعزيز فرضيّة ضلوع سورية في اغتيال صديق السيّد حسن نصرالله. وتظهر هذه النيّة بجلاء عندما يتناول الصحافي مسألة الخيانة التي تعرّض لها السيد نصرالله من مغنية”.

«مظاهر تبذير»
وفي مضمار متّصلٍ بما أوحى اليه مالبرونو من تبذير أموال حزب الله عقب حرب تموز، يتّضح من كلامه أنه استند الى شهاداتٍ عما رصدته العينُ في ضاحية بيروت الجنوبيّة عقب الحرب التموزية الشهيرة من “مظاهر تبذير” لم تقتنع قيادة الحزب بها ولم يرضَ عنها السيّد نصرالله ومساعدوه، ويتجلى ذلك في الخطابات العاشورائيّة (للسيدين نصرالله ونعيم قاسم) والتي غالبًا ما تركّز على اللافحش المادي لا سيّما عقب “الضربة” التي تلقاها الحزبُ على يد صلاح عز الدين، ومظاهر الثراء التي سرعان ما بدأت تجتاح شوارع ضاحيته الجنوبيّة، وهو ما أفضى حسب تأكيد مالبرونو أيضًا الى استدعاء السيّد نصرالله مجموعة من نساء كوادره حاثاً إياهنّ على عدم تبنّي دور البرجوازيّات”.

تشكيك في المحكمة؟
في مقابل ذلك، وبعدما شكّل مالبرونو مادّة دسمةً للتسريبات المرتبطة بالعدالة الدوليّة ملهمًا بذلك موقع ويكيليكس، يؤدّي اليوم دوراً مشابهاً في مقاله الأخير لا بل أبعد من ذلك… فبحسب مصادر قضائيّة مواكبة لعمل المحكمة، يشكّل كلامه نوعاً من التشكيك الإضافي في مصداقيّة وما توصّل اليه القرار الاتهامي، وقد يثبت ذلك في حال خرج المدّعي العام الجديد (الذي لم تُعرَف هويته بعد عقب تأكيد بلمار عزمه عدم الترشّح لولايةٍ جديدة) بقرار اتهامي آخر يفتح العيون مجددًا على سورية”. 

السابق
إتهام الشيخ مشيمش: إجراءات قانونية غير عادية… خوفا من جهة حزبية!!
التالي
البناء: مناورات جويّة وبحريّة للقوات السورية بالذخيرة الحية