دمشق لحكومة مثالثة والتوقيع نتاج تسوية

لا شك في أن توقيع دمشق بروتوكول بعثة المراقبين العرب، قد أربك جميع الأطراف التي كانت تسعى الى تدويل الأزمة السورية. وحسب مراقبين يتابعون تطورات هذه الأزمة، فإنهم يعتقدون ان توقيع هذا البروتوكول هو أحد بنود «تسوية تاريخية» تفتح الباب أمام حل سياسي للوضع السوري.

ولقد حرص وزير الخارجية السورية وليد المعلم على التأكيد في مؤتمره الصحافي أمس أن هذا التوقيع لم يتم إلاّ بعد إدخال التعديلات السورية عليه، بحيث جاء غير متعارض مع مبدأ السيادة السورية التي يعتبرها المسؤولون السوريون "خطاً أحمر" لم يتساهلوا به في أي تجربة سابقة، بما في ذلك محاولة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتيش مواقع يعتبرونها "مواقع عسكرية خاضعة للسيادة الوطنية السورية الكاملة".

وعلى رغم من حرص المعلم على القول أن خبيراً قانونياً عربياً "صديقاً مشتركا" للطرفين كان وراء تسجيل الملاحظات القانونية على البروتوكول التي أخذت بها جامعة الدول العربية، فإن العالمين بكواليس الاتصالات الجارية مع دمشق يؤكدون "أن هذا التوقيع جاء تتويجاً لجهود دولية واقليمية وعربية صديقة لسوريا أرادت من خلال التوقيع السوري أن تُسقِط الذرائع التي قد تفتح الباب أمام تدويل الأزمة السورية".

ولا يستبعد مراقبون سياسيون أن يلي هذا التوقيع سلسلة إجراءات تفتح الباب أمام حل سياسي داخلي في سوريا. والقريبون من دمشق، بدورهم، لا يستبعدون إنعقاد مؤتمر للحوار الوطني الشامل يشارك فيه بعض المعارضين السوريين، إن لم يكن أكثريتهم، وسيفتح هذا المؤتمر الباب أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون لحزب البعث العربي الاشتراكي ثلث مقاعدها وللمعارضة الثلث آخر، وللمستقلين الثلث الثالث. ولعل تحفظ المعلم عن الإجابة على سؤال وجِّه إليه حول هذا الأمر في إعتباره مسألة يقررها الرئيس بشار الاسد والقيادة حسبما قال، فإن البعض قد فسّر هذا التحفظ بأنه محاولة لإبقاء بعض الأوراق مستورة لإستخدامها في الوقت المناسب.

وهناك بالطبع حديث عن دستور جديد يُقِرّ التعددية الحزبية، بما يعني ضمناً إلغاء المادة الثامنة الشهيرة في الدستور الحالي والتي تنص على أن حزب البعث هو "الحزب القائد للدولة والمجتمع".

ويتوقع متابعون للوضع السوري أن ينص الدستور الجديد في وضوح على تحديد ولاية رئيس الجمهورية بدورتين فقط، بما يفسح المجال لتداول السلطة، وهو أحد المطالب الإصلاحية الأساسية. ولا يستبعد هؤلاء ايضاً ان تُجرى إنتخابات نيابية حرّة في وقت قريب وبإشراف جهات عربية ودولية صديقة، لكي يتعرّف العالم على الممثلين الحقيقيين للشعب السوري، بعيداً من نفوذ السلطة، ومن تأثيرات الإعلام الذي يُضخِّم من يشاء ويُحجِّم من يشاء.
 
وقد حرص المعلم في مؤتمره الصحافي أيضاً على التحدُّث من موقع القوة، مطمئّناً الى دعم الأصدقاء، ولا سيما منهم روسيا التي علّقت "جرس الحل" يوم قدمت مشروعها الى مجلس الأمن الدولي الأُسبوع الماضي. كما يعتبر المسؤولون السوريون، على حد ما ينقل عنهم زوارهم، أن من نقاط قوتهم هو تأييد قطاعات واسعة من الشعب السوري للنظام الحالي، وهو ما كشفت عنه تظاهرات التأييد التي كان آخرها التظاهرة الضخمة في ساحة الـ"سبع بحرات" التي تزامنت أمس مع المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية السوري.

ويشدد السوريون، على أن رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني "كان يعرف نيّة دمشق توقيع البروتوكول قبل أن يُعلن إنذاره الشهير والأخير يوم السبت الماضي بعد إجتماع اللجنة الوزارية العربية في الدوحة.

ويعزو سياسيون مطلعون "إنذار" هذا المسؤول القطري الى محاولته الإيحاء بأن توقيع سوريا البروتوكول العربي قد جاء بفعل هذا الإنذار، وذلك بعدما شعرت قطر بتراجع دورها أمام أدوار عربية أُخرى، لا سيما مصر التي يُقال أنّها كانت وراء تبريد الحدة القطرية في معالجة الأزمة السورية.

ويضيف هؤلاء السياسيون أن كواليس الجامعة العربية تشهد تبرماً عربياً واسعاً، خصوصاً في دول كبرى كمصر والمملكة العربية السعودية والجزائر من هذا التضخيم المُفتَعَل للدور القطري التي يتصرف وزير خارجيتها وكأنه الآمر الناهي في الشؤون القطرية والعربية.

كذلك يلاحظ السياسيون أنفسهم إنكفاء في الدور التركي، خصوصاً مع دخول رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اكثر من مرة الى المستشفى خلال الأيام الماضية، مع تصاعد الإعتراضات داخل حزبه، حزب العدالة والتنمية، وداخل المجتمع والجيش في تركيا على ما اعتبروه تهوراً في الأداء التركي إزاء الأزمة السورية. فبالاضافة الى احزاب المعارضة التي تحوذ على ما يقارب النصف من أعضاء البرلمان، كان لافتا موقف رئيس حزب "السعادة" التركي، وهو حزب إسلامي كبير أسسه في وقت سابق مؤسس الحركة الاسلامية التركية الراحل نجم الدين أربكان، بما يؤشر الى أن قسماً كبيراً من الإسلاميين الأتراك، وعلى رغم من تعاطفه مع إسلاميي سوريا، يرفض ان تكون بلاده تركيا "رأس حربة المشروع الاميركي في المنطقة". والعالمون بالشؤون التركية يعرفون أن أحد أسباب خلاف أربكان مع تلاميذه أردوغان وداود أوغلو ورئيس الدولة عبدالله غول الذي يبدو صامتا منذ فترة قصيرة، انما يعود الى إتهام أربكان يومها لهم بالإنفصال عنه لإرضاء الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الاوروبي، وقد وقفوا يوما وراء الإنقلاب العسكري ضده وضد حكومته في أواخر التسعينات من القرن الماضي.

وفي حين بدا واضحاً إرتباك معارضة الخارج بلسان رئيس "المجلس الوطني السوري" الدكتور برهان غليون من توقيع دمشق البروتوكول العربي واعتباره "مراوغة سورية جديدة"، فإن القيادة السورية تعتبر أن المراقبين العرب إذا تصرفوا بموضوعية ومهنية سيكتشفون على الأرض وجود مجموعات مسلحة تُمارس أعمال القتل والتخريب، وهو في حد ذاته ما يُظهر أن العنف الدائر في سوريا ليس من صنع النظام وحده، بل أن هذا النظام يجد نفسه في كثير من الأحيان مدافعاً عن حياة مدنيين أبرياء مُستَهدَفين بالعنف الطائفي، ناهيك عن إستهداف الجيش وقوات حفظ النظام.

ومع ذلك فإن الايام المقبلة قد تكون حُبلى بالمفاجآت، خصوصا وأن الشياطين تقطُن في التفاصيل، فكيف إذا كان بعض المتربصين بدمشق من تل أبيب الى واشنطن وباريس ولندن وبعض حلفائهم العرب والإقليميين هم "شياطين أصلاً" في نظر النظام السوري؟ 

السابق
فرنجيّة… تحليل لشخصيته وحركاته
التالي
شربل: للاتفاق على قانون انتخاب موحد لأن القديم لا يحصل للمسيحيين حقوقهم