منبري الاغر

كانت، وستظلّ، وستبقى، ما بقيتُ وبقيتْ في قيد الحياة، منْبَرِي الأَغَرّ. صحيحٌ أنها لم تكن نافذةَ إطلالتي الأولى على صعيدي الكتابة الشِّعريّة والصحافيّة، لكنَّها، وهذا هو الأهمّ، كانت الأفق المُضيءَ والأرحب لحريّتي التَّعبيرية. إذ إن مجلة "شؤون جنوبية" – وعلى الصعيد الشخصيّ البحت – هي المجال الإعلاميّ الذي عمِل على "ترويض" قلمي الصّحافيّ ترويضاً مهنيّاً صِرفاً، شاقّاً وعذْباً، في الوقت عينه. ترويضاً ميكانيزميّاً مكَّن ذائقتي الصحافيّة من امتلاكها – إجرائيّاً – مفاتيح تحويل النصّ "المجرَّد" (الخام)، إلى نصٍّ صحافيّ كامل الثوب، صحيح الوجهة والهدف، وبالتالي، كانت هي المجلّة التي دمغت بصْمتي الإعلاميّة (بالميم) بإفرادها لي المساحة الحتميّة التي كان من شأنها صَقْلَ وإنضاج خبرتي الصِّحافيّة، وفي حدود ما بلغْتُه منها حتى الآن، بالتّعميق والتأصيل والتطوير، وذلك بالتّساوق مع احتضان خطواتي المهنيّة العملانيّة، بتسديد مفاعيل تطويعها المحكم لمقتضيات أسلوبيَّة خدمة مهنة المتاعب، بفعل الحثّ والتَّحفيز "المحمومين" – من خلال "الضغط" الدؤوب المكثَّف والمستمر – على إبداء رأيي الخاص والمستقلّ – كتابةً – ليتصدَّر ملفَّها الثقافي، كخصوصيّة جزئيّة داخل تميُّز خصوصيّة هويّتها الكلّية التي تعكس، وبوضوح، تجليّات طموحها الأساس، هي التي وُلدتْ من أجله، لأنْ تكون منبراً إعلاميّاً (حديثاً وعصريّاً) متمتِّعاً بأعلى درجات المصداقيّة والاعتبار في الحقل المِهنيّ، بشخصيّةٍ مستقلّة، على صعيدي الإضافة الإعلاميّة النوعيّة، والنَّقد الموضوعيّ الجادّ، الرَّصين والمتوازن.
 
فلقد وُلدتْ "شؤون جنوبية" لتأدية دورٍ إعلاميّ (بالميم) بارز، يُبلوره مضمون صفحاتها المعبِّر عن "نداءاتٍ" صريحة وواضحة تدعو – خفيةً وعلانيةً – إلى رفْع راية الوطنية عالياً من خلال الانتماء الحرّ والتجذُّرِ الولائيِّ القاطع والنهائيّ للإنسان والهويّة والأرض. ولدتْ "شؤون جنوبية" لتكون ابنة زمنها، روحاً ونصّاً، قلباً وقالباً، تعيش عصرها مواكِبَةً أحداثه، مُوَاكَبةً لا تقْتُل أباها الروحي (جبل عامل) ولا تُصَنِّمُ العراقة الفذّة والفريدة لجوهر أصالته الإيديولوجيّة. وُلدتْ "شؤون جنوبية" لتكون لسان حال الواقع الحيّ للجنوب اللبناني في العصر الحديث، من خلال ارتباط هذا الواقع الوثيق والمُحْكَم بالواقع الحي للوطن اللبناني ككلّ، ككيانٍ واحدٍ موحَّد، وهذا ما أهَّلها لأن تحتلّ موقعاً بارزاً في المشهد الإعلامي اللبناني والعربي على السواء. ذلك لأنها استطاعت تقديم المشهد الجنوبي بصفته مشهداً لبنانياً تكامليّاً بوجهيه الوطني والقومي وأبعاده الكونيّة، وهي تقف اليوم على أعتاب ربيعها الحادي عشر، تُعلن عن انقضاء عشر سنوات كاملة – بحلوها ومرّها – من عمرها كمجلّةٍ مناطقيّة لا تُشبهها المجلاَّت المناطقية تلك التي تتّصف بمحدوديّة طبيعة التناوُل. فمجلّة "شؤون جنوبية" لها تجربتها الرائدة – حقّاً – في العمل الصحافي للإعلام المناطقي، تحديداً، وعلى وجه الخصوص، هذه التجربة المتمثّلة بشموليّة الأداء المهنيّ، بجملته وتفاصيله وتنوُّعه واغتنائه، تغطيةً ومعالجةً، للمواضيع الحياتية كافّة. فكانت فعلاً، كما قدَّمتْ وتقدّم نفسها إلى القراء بإعلانها أنها "صوت الجنوب في الوطن وصوت الوطن في الجنوب".

طوت "شؤون جنوبية"، حتى الآن، عقداً كاملاً من عمرها مذلِّلة ما اعترض شقَّ طريقها من عقباتٍ كأداء، ومخلِّفةً وراءها، هاجِس البحث عن مواطئَ راسخةٍ لأقدامها في الميدان الإعلامي (بالميم) العام، ما يمكِّنها أو ما يجب أن يمكِّنها، من التّفرّغ الكامل – وبطبيعة الحال – لمُراكمة ما تحصده من إيجابيّاتٍ، في مخاضات تجارُبها الآتية، في سيرورة وصيرورة وكينونة مسيرتها اللافتة. 

السابق
تجمع لبنان المدني يحذر من سلوك الفتنة ويطالب الحكومة بلجم الاقطاعات في المؤسسات العامة
التالي
سليمان استنكر انفجار صور: فرنسا بذلت تضحيات كبيرة ولن ترضخ للارهاب