هل يتفكك الهلال الشيعي قبل اكتماله؟

 اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن نتائج الانتخابات في مصر, التي تقدم فيها الإخوان المسلمون كما التيارات الإسلامية الأخرى على تنوعها, بنسبة تقارب حصولهم بنتيجتها على نحو 65% من المقاعد البرلمانية, تعود لطول مدة حالة الكبت التي كانت تلازمهم, ولممارسة السلطات السابقة معهم نهج الملاحقة والاعتقال على مدى عقود. ورغم أن هذه ليست إلا نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التي ستمتد حتى مارس المقبل, إلا أن غالبية الأوساط المراقبة على الساحة العربية, ترى أن فوز الإسلام السني في مصر بعد تونس والمغرب, إنما يشكل رسالة بينة للعالم الغربي, وللولايات المتحدة خصوصا, مفادها أن الشارع المسلم السني له كلمة الفصل بالنهاية, وبأن الغرب عليه تفادي الوقوع مستقبلاً في مطبة مساندة أنظمة كرتونية لا تمثل في الواقع ميول الغالبية الشعبية.
يقول الهضيبي, المحلل والقيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين: "لقد سُئل المصريون سؤالاً عن الهوية, وهو: هل تريد أن تكون هذه الدولة علمانية أم إسلامية? واختار الناس الإسلام". وبغض النظر عن كون الإخوان المسلمين حقيقة وواقعاً على الأرض في مصر, وسواها من الأقطار العربية المجاورة, إلا أن هناك مخاوف حقيقية بدأت تطفو على السطح, بعد صدور نتائج الصناديق, مخاوف دفينة وغير منظورة من تبدد أحلام الثوار في القدرة على التغير الفعلي في مجتمعاتهم, حيث أن الليبراليين والتيارات الشبابية المتحررة التي لازمت ساحة الميدان وضحت بالغالي والرخيص, باتت مقتنعة اليوم بأنه لا يكفي الانتقال من الأنظمة الديكتاتورية إلى النظام الديمقراطي, حتى يرافق ويلازم ذلك حكم تطور فكري مغاير على مستوى الشعب, وبأن تطيير النظام هو أمر, والتغيير على صعيد الشعوب وقناعاتها شيء مختلف تماماً.
في مطلق الأحول وبغض النظر عما يثيره صعود الإسلام السياسي من مخاوف على الصعد الشبابية المتحررة, ومع اختلاف نتائج الربيع العربي الذي توسل صناديق الاقتراع, فقد يكون تقدم التيارات الإسلامية في تونس والمغرب ومصر اليوم, وربما غداً أيضاً في سورية, وصولاً إلى لبنان والعراق, مؤشراً إلى لحقيقة بدأ يتبلور شكلها, وهي أن هناك تغييراً جوهرياً في طابع الأنظمة المقبلة على سدة السلطة في هذه البلدان التي اجتاحتها الرياح الربيعية, إن لم يكن على مدى العشر سنوات المقبلة, على أقله على المدى المنظور في السنين المقبلة. أن يكون الطابع الإسلامي ولكن السني الهوى, هذه المرة هو البديل الذي سيحتل المساحة الخالية, والتي سوتركها خالية تراجع النفوذ الإيراني بعد الضربة القاسية المرتقبة للحليف السوري. وللتذكير هذه الهيمنة الشيعية الإيرانية على العراق بعد سقوطه, كانت قد حملت الملك الأردني عبد الله الثاني على الاعتبار أن ¯"مشروع الهلال الشيعي" الذي بدأ بالعراق, سيمتد إلى سورية وينعطف بعدها إلى فلسطين ولبنان, مع طموح ضمني لتصدير الثورة الشيعية ذات الهوية الإيرانية إلى كل الأقطار العربية المجاورة. ما يحمل بالتالي على القول بأن سقوط النظام السوري قد يشكل أهم مؤشرات انهيار المنظومة الإيرانية والتي حاولت تارة عن طريق الترهيب وأخرى عن طريق الترغيب مد نفوذها عبر العالمين العربي والإفريقي. فكما كان العراق هو المحور القاتل للنفوذ السني العربي, فالنفوذ الشيعي أو ما سمي "الهلال الشيعي" هو على أهبة تلقي الضربة القاسمة في وسطه, أي في سورية ركيزته الأساسية, حيث من المتوقع وصول التيارات الإسلامية الإخوانية إلى مواقع السلطة تماما كما حصل في مصر.
ومع كل الاحترام للطائفة الشيعية الكريمة لا بد من القول ان الوضع القائم عبر هذا الهلال الشيعي لم يكن مستتباً, ولم يكن مرشحاً للاستمرار, في ظل اختلال موازين القوى ناهيك عن المقياس العددي, حيث تشكل الطائفة السنية الأكثرية الساحقة, في العالم العربي. كما أن نزعة الشيعة الصفويين للاستئثار بصناعة القرار في بلدان هذا الهلال الشيعي لم يكن أمراً طبيعياً, وكان معرضاً للانهيار بين ليلة وضحاها. وقد لا يكون بعيداً هذا الشعور بالغبن أمام اختلال الموازين هذا, بالإضافة إلى الاستياء من أنظمة متراخية أمام هذا المد الصفوي, قد لا يكون بعيداً عن الدوافع والمسببات التي استولدت ولكن بشكل غير مباشر ما درج على تسميته بالربيع العربي. والذي يؤكد حقيقة عدم استبعاد أهمية دور الشعور المذهبي السني الطابع بالغبن والغضب, ظهور نتائج للانتخابات تصب في مصلحته, في مختلف البلدان التي شهدت الربيع العربي, ما يحملنا على الاعتبار أن الربيع العربي بجزء منه كان يستهدف تصحيح أوضاع شاذة وغير متوازنة على صعيد السلطة بين المذهبين السني والشيعي.
فهل بات "الهلال الشيعي" الذي تكلم عنه ملك الأردن على مشارف التفكك قبل اكتمال بدره? هذا الهلال الذي كانت تدعي بعض الجهات الموالية لنظام الجمهورية بأنه اكتمل بدره وبان إشعاعه. احتمال ليس بالمستبعد, ومن المتوقع أن تتلاحق فصول التفكك والانهيار لتطال رأس الهلال أي الجمهورية الإسلامية, بعد انهيار النظام السوري وبالتالي السند العسكري الأهم أي "حزب الله" سيلقى المصير نفسه حكماً.
ولكن ماذا عساه أن يُقال للتيارات الليبرالية وللشباب الذين رأوا بأنها خرجت خاوية اليدين من ثورة أرادتها متحررة ومنعتقة من كل القيود والأطر التقليدية المتشددة أو حتى المحافظة الذي من الممكن قوله لهم في المرحلة القائمة هو ان الإسلاميين كانوا سيصلون إلى السلطة بطريقة أو بأخرى, ووصولهم لا يرتبط بحركة الربيع العربي بل هو متأتٍ من ردة فعل طبيعية ناتجة عن حالة غبن وفعل لقمع طال أمده. بيد أن حركة التطور التاريخية التي تخضع اليوم لقوانين الانفتاح في عصر الاتصالات السريعة والانترنت, والديناميكية الناتجة عنها قد تفتح نافذة على احتمال تراجع هيمنة هذه القوى المذهبية المحافظة. حيث يتحول نجاحهم نجاحاً مرحلياً, هذا إن لم يحسنوا قراءة المستقبل جيداً ولم يحسنوا استشراف واقع سوف يفرض نفسه, والمتمثل بالنزعة الشبابية الليبرالية الطامحة للحاق بركب التطور والانفتاح والتحرر من الأطر التقليدية القديمة. أما وقد علمنا التاريخ بأن كل الثورات التي تأتي بواسطة شرعة إيديولوجية أو دينية صارمة ومتشددة, تليها حكماً ثورات تصحيحية تأتي بوقتها لتعيد الأمور إلى سويتها ولتصحيح ما شوه مرحليا صورة الثورة الحقيقة. 

السابق
المخاض عربي والمولود أردوغاني!
التالي
احتلال إيراني من الداخل