السفير: نصر الله يضع ميقاتي والحكومة أمام امتحان شهود الزور

اذا كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد اشترى التمديد سياسياً لحكومته، لمدة ثلاثة أشهر، على الأقل، بأكثر من ثلاثين مليون دولار أميركي، فإن خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ليل أمس، وضعه ومعه الحكومة وكل مكوناتها السياسية، أمام مواجهة ملف شهود الزور، على طاولة مجلس الوزراء مجدداً، وهو الاختبار الذي كان أحد أبرز عناصر تعطيل الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري قبل استقالتها، أو إقالتها، مطلع العام 2011.
ومن حيث لا يدري السيد نصرالله، فإن المحكمة الدولية، التي جدّد نعتها بأنها «أميركية وإسرائيلية»، أعطته رمية سياسية، بتنصلها مجدداً من ملف شهود الزور ورميها الكرة مجدداً في ملعب القضاء اللبناني، بإعلانها عبر موقع التواصل الاجتماعي («تويتر»)، «أن إفادات بعض الأشخاص للجنة التحقيق الدولية التي حصلت قبل وجود المحكمة ليست من اختصاصها»، مشيرة إلى «أن الإدلاء بإفادات مضللة للجنة يعتبر جريمة في القانون اللبناني لذا قد يكون من الممكن للقضاء اللبناني ملاحقة من قام بذلك».

ويعني هذا وذاك، أن الحكومة بأكثرية مكوناتها، قادرة على حسم إحالة ملف شهود الزور، الى الجهة القضائية المختصة، غير أن من شروط تحقيق ذلك، تعيين رئيس جديد لمجلس القضاء الأعلى، دونه حتى الآن، تذليل الخلاف القائم بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد ميشال عون من جهة، وموافقة رئيس الحكومة سياسياً على السير بهذا الملف حتى يبلغ خواتيمه، ومهما كانت تداعياته، وهو المدرك قبل غيره، «الرؤوس» التي يمكن أن تتدحرج، على «مذبح» تزوير شهود الزور.
لم يكتف نصرالله بتبني هذا الملف، بل أضاف إليه، ملف مطالب العماد ميشال عون، قائلاً «إنه آن الأوان أن تكون الحكومة منتجة لا تقطّع الوقت بل تتحمّل مسؤوليتها»، مؤكداً «أن وزراء تكتل «التغيير والإصلاح»، الذين اعتكفوا، هم محقون في شروطهم ونؤيدها بالكامل ويجب العمل على تحقيقها».

وقد تزامن ذلك مع زيارة قام بها، أمس، وزير الطاقة جبران باسيل موفداً من العماد عون، الى السرايا الكبيرة، وسلم خلالها الرئيس ميقاتي مطالب «التكتل» رسمياً، وتتضمن الآتي: تفعيل العمل بقانون الكهرباء والتوقف عن وضع العراقيل في وجهه، إقرار الخطة المائية، إعداد الموازنة بحسب الأصول التي تم الاتفاق عليها في لجنة المال، إنجاز الحسابات المالية المتوقفة، حسم مسألة تصحيح الأجور ربطاً بمشروع التغطية الصحية الشاملة، تحضير قانون برنامج لدعم الجيش اللبناني، بالإضافة إلى إنجاز التعيينات الإدارية والقضائية المطلوبة وفي طليعتها رئاسة مجلس القضاء الأعلى.
وأبلغ باسيل ميقاتي أنه انطلاقاً من طريقة معالجة هذه الملفات، سيقرر التيار التعامل مع المرحلة المقبلة. وهو يصرّ على أن تمرير التمويل حفاظاً على الحكومة لا يعني أنه سيتراجع عن أي مطلب من مطالبه، مؤكداً أن كل الاحتمالات تبقى مطروحة، بما فيها الاستقالة.
وقال مصدر في «تكتل التغيير» لـ«السفير» إن وزراء التكتل سيشاركون في الجلسة المقبلة، وهم ينتظرون تحديد جدول الأعمال.  
 نصرالله: المحكمة أميركية واسرائيلية
وكان السيد نصرالله قد جدد، أمس القول إن المحكمة الدولية هي محكمة غير شرعية وغير دستورية وإنها محكمة أميركية وإسرائيلية وهدفها النيل من المقاومة، وقال في خطابه الذي ألقاه في المجلس العاشورائي المركزي في مجمع سيد الشهداء في الرويس «إننا لسنا موافقين على ما قام به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لجهة تمويل المحكمة من «الهيئة العليا للإغاثة»، لكننا لن نقوم بمشكلة وسنغلب المصلحة الوطنية»، وأكد أن رئيس الحكومة «الذي تحدث عن العدالة وإحقاق الحق هو الآن أمام امتحان إنصاف الضباط الأربعة من خلال وضع ملف شهود الزور على جدول أعمال مجلس الوزراء لإنصاف هؤلاء الذين بينهم إثنان من الطائفة السنية».
ونبّه نصرالله قيادة «حزب المستقبل» إلى خطورة التحريض المذهبي الذي تعتمده، وقال «اذا كان أحد يخطط للدخول في معركة معنا من خلال المراهنة على تطورات إقليمية لاستئصالنا فهم واهمون ويستطيعون أن يعرفوا من الآن نتيجة المعركة»، ودعا البعض إلى عدم الاستقواء بأحد في المنطقة لاستئصال القوى الأخرى في لبنان محذراً هؤلاء من أن «طابخ السم آكله».
وكشف الامين العام لـ«حزب الله» عن المزيد من الحقائق والمعلومات عن «الصفقة» التي عرضت على المعارضة السابقة مقابل إعادة الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، ومنها «إسقاط المحكمة وتحديداً وقف التمويل وسحب القضاة وإلغاء بروتوكول التعاون مع المحكمة على ان يعقد مؤتمر لوزراء خارجية دول عدة في انقرة وبعده مؤتمر في باريس برئاسة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وحضور وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لمباركة الاتفاق»، وتضمن الاتفاق الذي تلا نصرالله بعض بنوده «تعهّد الحريري تنفيذ البنود السالفة عن المحكمة على ان يوقع الاتفاق الرؤساء الثلاثة وهو اتفاق من تحت الطاولة. والمطلوب بالمقابل بحسب الاتفاق تسمية الحريري وإعطاؤه الاكثرية في الحكومة وحماية فريقه الأمني والسياسي في إدارات الدولة».

وتابع نصر الله: «نحن مصرّون على رفض التعاون مع المحكمة ولو عقدت جلسة لمجلس الوزراء وطرح التمويل كنا سنصوّت ضده ولو عرض على مجلس النواب كنا سنصوّت ضده ونحن نرفض أن تموّل المحكمة من جيوب الشعب اللبناني، ومع كل هذا الجدل كنا مستمرين بالحوار والتعاون وأكدنا حرصنا على بقاء الحكومة وتصحيح الخلل، لأننا نرى في ذلك مصلحة وطنية»، وخلص الى انه «حرصاً منا على الاستقرار السياسي وبقاء الحكومة نقول الآتي: نحن مع تأكيدنا على موقفنا برفض شرعية المحكمة لن نوجد مشكلة في البلد وسنقدم المصلحة الوطنية على أي أمر آخر ونحن لسنا موافقين ولكن لن نعمل مشكلة. واذا أخذت سلفة من هبات نحن سنرفض أي تشريع لها في مجلس النواب».
وقال حول ربط قوى 14 آذار بين ما قام به رئيس الحكومة وموقف «حزب الله» من المحكمة وقولهم إنه اعتراف بالمحكمة: «نحن كنا سنصوّت ضد تمويل المحكمة في مجلس الوزراء حتى لو أدى ذلك الى سقوط الحكومة».
المحكمة الدولية: للقضاء اللبناني أن يلاحق شهود الزور

الى ذلك، أعلنت المحكمة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، امس إن إفادات بعض الأشخاص للجنة التحقيق الدولية، التي حصلت قبل وجود المحكمة ليست من اختصاصها، لافتة الانتباه إلى «أن الإدلاء بإفادات مضللة للجنة يعتبر جريمة في القانون اللبناني لذا قد يكون من الممكن للقضاء اللبناني ملاحقة من قام بذلك». وتابعت: «إذا قام أشخاص بالإدلاء بشهادات مضللة أمام المحكمة يجوز اتهامهم بجرم تحقير المحكمة».
وشكرت المحكمة الخاصة بلبنان في بيان امس، «الحكومة اللبنانية لتسديدها مبلغ مساهمتها في تمويل المحكمة كاملاً للعام 2011 الذي تسلمناه، وبهذه المساهمة البالغة 32,184,635 دولارا أميركيا، أثبت ممثلو الشعب اللبناني التزامهم العمل في سبيل تحقيق سيادة القانون والاستقرار الطويل الأمد. وإننا نتطلع إلى المضي قدماً في التعاون مع لبنان في سعينا إلى إنجاز ولايتنا القضائية».

واعتبرت المحكمة «أنه من خلال هذه المساهمة، تكون السلطات اللبنانية قد وفت أحد التزاماتها الدولية الرئيسية لهذا العام»، مشيرة إلى «أن الدولة اللبنانية ملزمة بدفع 49% من ميزانية المحكمة كل عام»، لافتة إلى «أن هذه الدفعة ستسمح للمحكمة بالعمل من أجل النجاح في إنجاز ولايتها لمصلحة كل الشعب اللبناني».
وختمت: «إن المحكمة تتطلع للتعاون المستمر مع السلطات اللبنانية بالنسبة لالتزاماتها كافة من ضمنها البحث عن المتهمين الأربعة في اعتداء 14 شباط 2005 واعتقالهم وتسليمهم».
من جهة ثانية، وفيما تواصل الترحيب الدولي بمبادرة لبنان الى تسديد حصته في تمويل المحكمة الدولية، وآخرها ترحيب وزارة الخارجية الفرنسية، حيث تستعد باريس لتوجيه دعوة رسمية الى ميقاتي للاجتماع بالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، كانت الساحة الداخلية تعيش هدوءاً ملحوظاً على الجبهة السياسية، ساهم بإشاعة حالة من الاسترخاء في مجمل القطاعات الاقتصادية والمالية، خلافا لما كان سائدا خلال الاسبوعين الماضيين، حيث تأثرت تلك القطاعات بأزمة التمويل والتشنج السياسي الذي صاحبها. وقد عكس هذا الاسترخاء نفسه على الاسواق المالية، حيث تحوّل الطلب على الدولار والعملات الصعبة السائد منذ نحو اسبوعين، الى عروض للدولار ساهمت في انخفاض سعر التداول من 1513 ليرة للدولار بداية الاسبوع الحالي الى 1502 ليرة للدولار امس. وبالتوازي شهدت الاوراق المالية اللبنانية (اليوروبوند) طلبا ملحوظا من الداخل بعدما تأكد المتعاملون من تراجع الضغوط الخارجية على لبنان واستبعاد فكرة انعكاس العقوبات العربية ضد سوريا على السوق اللبنانية. 

السابق
ماذا لو ؟
التالي
عاشوراء.. الحزن الذي يجمع