قصة الصراع المفتوح بين سليماني وبتريوس

تعتبر مصادر إيرانية مطلعة في بيروت أن ازدياد الضغوط على سوريا وإيران من قبل الإدارة الأميركية والدول العربية المتأثرة بها يرتبط بشكل أساسي باقتراب موعد الانسحاب الأميركي العسكري من العراق من دون أن ينجح الأميركيون في الحصول على الضمانات التي طلبوها لبقاء جنودهم ولو على شكل مدربين أو كأجهزة حماية للسفارة والقنصليات والشركات الأميركية الباقية في العراق.
وتوقعت المصادر ان تزداد الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية خلال الفترة التي تسبق نهاية العام الحالي وذلك بهدف إحداث تغيير في الخريطة الاقليمية يجعل إيران توافق على الجلوس الى طاولة المفاوضات لبحث الأوضاع في العراق وأفغانستان كي يتم الانسحاب الأميركي في ظل رؤية واضحة لمستقبل الأوضاع في المنطقة وخوفا من الفراغ الذي سيحصل بعد هذا الانسحاب والانعكاسات التي سيتركها على الأوضاع الإقليمية والدولية.
وتشير المصادر الى ان قائدي المعركة في المنطقة اليوم هما قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" اللواء قاسم سليماني من جهة ومدير المخابرات الأميركية الجديد الجنرال ديفيد بتريوس والذي كان قائدا للقوات الاميركية في العراق وأفغانستان من جهة اخرى، وما يجري بينهما هو استكمال للصراع الذي خاضاه عندما كان بتريوس مسؤولا عن القوات الاميركية في العراق حيث خاض الجنرال الأميركي معركة قاسية من اجل التأثير على مستقبل الواقع السياسي والامني العراقي.
وتروي المصادر الايرانية بعض القصص والمشاهد التي كانت تحدث عندما كان ديفيد بتريوس قائدا للقوات الاميركية في العراق وكان الصراع على أشده مع الايرانيين حول كيفية ترتيب الاوضاع العراقية بحيث كان الاميركيون يريدون إجراء مفاوضات مباشرة مع بعض المسؤولين الايرانيين لمعالجة بعض الملفات الامنية والعسكرية وكان بتريوس يرغب في أن يكون مفاوضه في المقابل على الطاولة، الجنرال قاسم سليماني اضافة للمسؤولين العراقيين لكن الايرانيين كانوا يرفضون ذلك وكانوا يتركون الامر للسفير الايراني في العراق مع بعض الدبلوماسيين.
ووفق المعلومات، كان سليماني يرسل رسائل خلوية قصيرة (اس. ام . اس) الى القائد الاميركي ليخبره ببعض المعطيات التي ينبغي ان يأخذها الاميركيون بعين الاعتبار.
وتشير المصادر الى انه خلال المفاوضات الاخيرة التي تمت بين ايران والدول الست في جنيف طلب المفاوض الاميركي وليام بيرنز اكثر من تسع مرات اللقاء بشكل منفرد مع المفاوض الايراني المعني بالملف النووي الايراني سعيد جليلي لبحث بعض القضايا المشتركة، كما ان مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون توسطت اكثر من مرة لعقد مثل هذا اللقاء لكن المفاوض الايراني كان يرفض ذلك.
وقد شكل العراق احد أبرز مراكز الصراع بين الاميركيين والايرانيين الى أن انتهت المعركة باتخاذ اميركا قرارها بالانسحاب العسكري الكامل بعد ان رفضت الحكومة العراقية اعطاء اية ضمانات للجنود الاميركيين الذين سيبقون في العراق بما في ذلك الحصانة للمدربين الأميركيين مما يعني نجاح الاستراتيجية الايرانية وفشل الاستراتيجية الأميركية.
وبعد ان تم حسم المعركة في العراق وتقرر الانسحاب الاميركي الكامل من دون اية ضمانات او مفاوضات مباشرة، ازدادات الضغوط على ايران وسوريا حيث اطلقت الاتهامات للايرانيين بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في اميركا عادل الجبير ومن ثم اعيد فتح الملف النووي وفي موازة ذلك، ازدادت وتيرة الضغوط الغربية والعربية على سوريا من أجل فرض عملية تغيير النظام فيها قبل نهاية العام.
وتقول المصادر الايرانية ان الرئيس السوري الدكتور بشار الاسد نجح وبدعم روسي – صيني -ايراني – عراقي باستيعاب الضغوط وهو وافق على المبادرة العربية وبدأت تظهر الخلافات بين قوى المعارضة السورية وكل ذلك ادى الى العودة للضغوط مجددا من خلال التصعيد بالموقف من قبل قطر والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، خاصة أن الأسد تمكن من استيعاب الموقف، الأمر الذي استدعى استنفارا أميركيا تمثل بقرار أعطته واشنطن من خلال سفرائها في المنطقة الى جميع الحكومات العربية وبعض الدول الاسلامية باحتضان المعارضة السورية وتوفير لقاءات سريعة مع قياداتها.. حتى إن تلك الضغوط لم تستثن الحكومة اللبنانية من خلال السفارة الأميركية في عوكر، وهو الأمر الذي استوجب التركيز على قضية اللاجئين وتوقيفات المعارضين بعدما تعذر احتضان المعارضة السورية سياسيا.
وتضيف المصادر ان ما يجري اليوم هو صراع شامل على مستقبل المنطقة بعد الانسحاب الأميركي من العراق وبعد ان فشل الاميركيون في تحقيق اية أهداف استراتيجية او اقتصادية او سياسية من جراء حربهم على العراق وإسقاط نظام صدام حسين، ولذلك هم يعملون الآن لاسقاط النظام السوري لعلهم يغيرون خريطة المنطقة قبل نهاية العام الحالي، ويعوضون ما خسروه في لبنان والعراق خلال المرحلة الاخيرة، وبالتالي يجبرون الايراني على الجلوس الى طاولة التفاوض.
ووفق تقديرات المصادر نفسها، فإن الامور لن تكون لصالح الأميركيين لان الاوضاع في المنطقة كلها تتغير وهناك تطورات استراتيجية ستحصل في المنطقة وستؤدي الى مفاجآت لن تكون بحسبان احد وخصوصا بعض الدول التي تدير الصراع ضد سوريا اليوم من خلال الواجهة القطرية.
وتختم المصادر الإيرانية اذا كان هدف الاميركيين من وراء كل الضغوط على سوريا وإيران هو دفع الايرانيين مجددا للجلوس الى طاولة المفوضات، فلن يكون مفاجئا لأحد تركيز الاميركيين حملتهم واتهاماتهم على قائد "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني سواء من بوابة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري أو توجيه الاتهامات له بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير ودعم النظام السوري وإدارة العملية السياسية في العراق والامساك بملف حركتي "حماس" و"الجهاد" ومن خلالهما بالملف الفلسطيني، وبالتالي، لم يكن مستغربا صدور مواقف في الكونغرس الاميركي تدعو لاغتياله وكل ذلك قد يكون هدفه واحدا وهو دفعه الى الجلوس الى طاولة المفاوضات التي قد يرأسها من الجانب الاميركي مدير المخابرات الاميركية الجنرال ديفيد بتريوس.
ولكن الموقف الايراني كان واضحا برفض اية مفاوضات جزئية تختص بالوضع العراقي او الافغاني فقط بل ان تشمل كل ملفات المنطقة وأن تكون وفقا لبرنامج واضح وبرعاية دولية، كما ان القيادة الايرانية لا تفضل اليوم الجلوس الى طاولة المفاوضات بل تريد تأجيل ذلك الى ما بعد الانسحاب الاميركي من العراق لانه عند ذلك ستكون خريطة المنطقة قد تغيرت كليا وتطوى صفحة ما بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003.
ولذلك يتوقع الايرانيون ان تشتد الضغوط طيلة الاسابيع المقبلة التي تسبق نهاية العام ومهما قدم النظام السوري من تنازلات فالضغوط ستزداد عليه، وإن كانت وجهة النظر الايرانية والروسية والصينية تؤكد ضرورة استيعاب الضغوط عبر بعض المبادرات السياسية والميدانية داخل سوريا والتعجيل بعقد مؤتمر المصالحة برئاسة الرئيس بشار الاسد شخصيا ومن خلال ذلك يمكن تقطيع المرحلة المقبلة بأقل الاضرار الممكنة.

السابق
تجمع العلماء في جبل عامل: ينوه بالموقف اللبناني الرسمي، ويشيد بصلابة الشعب السوري
التالي
فنيش: أي حرب على الجمهورية الاسلامية ستحرق من يسهم في إشعالها تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لاسقاط أي تعان عربي