اللواء: برّي يناشد الملك عبد الله التدّخل لطائف سوري ومصالحة العرب والعرب

بدا الموقف الترقبي والانقسامي ازاء ما يجب فعله بشأن الازمة السورية، سواء على الصعيد السياسي او على صعيد النازحين او ضبط الحدود، او في الحقلين المالي والدبلوماسي، العلامة الفارقة في لبنان، في وقت تعيش فيه المنطقة العربية والشرق اوسطية ارهاصات زلزلة كبرى شبيهة بما عرفته بلدان اوروبا الشرقية ويوغوسلافيا السابقة في غرة عقد التسعينيات·
واذا كان لبنان الرسمي من شمال لبنان، وعلى لسان الرئيس ميشال سليمان اجتهد في الدفاع عن الموقف الذي قال <لا> لتعليق عضوية سوريا في مجلس جامعة الدول العربية، واضعاً قاعدة عامة تقضي برفع العزل عن اية دولة عربية، وداعياً في الوقت نفسه نظام الرئيس بشار الاسد الى <خطوة عجائبية> تقضي بتنفيذ بنود المبادرة العربية في غضون اليومين المقبلين، فإن لبنان السياسي بدا اكثر حساسية ازاء التطورات الدراماتيكية الخطيرة على الجبهة السورية وارتداداتها اللبنانية، بدءاً من الشمال، حيث كانت لقوى 14 آذار السبت الماضي وقفة تضامنية مع النازحين ودعوة الحكومة لتقديم ما يلزم من معونات وايواء، مع تسجيل نقد حاد لاداء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، اذ اعتبر الرئيس سعد الحريري، في دردشة جديدة مع متتبعيه على موقع <تويتر> ان موقف لبنان في مجلس الجامعة لا يعبر عن ارادة اللبنانيين لكنه موقف حكومة حزب الله برئاسة ميقاتي>، رافضاً <التبريرات التي اعطيت لهذا الموقف معتبراً انها غير مقبولة>، مشيراً الى ان <هؤلاء الذين يدعون انهم يحاولون الحفاظ على حيادية لبنان وحمايته من ارتدادات الازمة السورية، القوا بالبلاد في قلب العاصفة، والى جانب الطرف الخاطئ، الطرف الذي يتبنى القتل والديكتاتورية والهوية المعادية للعرب>، مكرراً قوله بأن النظام السوري فقد شرعيته، وان ما يجب ان يقوم به هذا النظام هو الرحيل>·

وفي حين بدأ حلفاء دمشق في لبنان، عقد سلسلة اجتماعات للتداول في ما تقتضيه المرحلة الجديدة الناجمة عن قرار مجلس الجامعة، والذي قد يتطور باتجاه اتخاذ الترتيبات مع تركيا لانشاء منطقة عازلة لحماية المدنيين السوريين، كانت قوى 14 آذار تستعد للمرحلة الجديدة والتي تتسم بدينامية متحركة عبر ممارسة الضغوطات على حكومة الرئيس ميقاتي لتعديل أدائها بما ينسجم مع المواقف العربية والدولية من تصاعد الازمة·

ولاحظت مصادر سياسية ان الرئيس سليمان حاول عبر المواقف التي اطلقها في طرابلس التمهيد لسياسة متوازنة، او ما يمكن اعتباره سياسة وسطية، لا تسقط لبنان في مواجهة مع المجتمعين العربي والدولي، وفي الوقت نفسه لا تعمق الشرخ الداخلي، لا سيما بين الائتلاف الحكومي·

واشارت المصادر الى ان تأكيد الرئيس سليمان، ومن طرابلس بالذات، على تمويل المحكمة، بصرف النظر عن اخطاء يمكن ان تكون اثرت على بعض مصداقيتها، تصب في الاتجاه الذي يرى ان لا مناص في هذه المرحلة من الحفاظ على مصداقية لبنان مع قرارات الشرعية الدولية، لكنه تجاه الازمة السورية اتخذ هو والحكومة موقفاً متضامناً مع النظام السوري من قرار تعليق عضويته في الجامعة، خلافاً للمواقف التي كان يتبناها الرئيس ميقاتي، وكررها مرات عدة في اثناء زيارته الاخيرة الى بريطانيا، حيال ضرورة ان ينأى لبنان بنفسه، ازاء كل ما يتصل بالازمة السورية الأمر الذي شكّل مفارقة في السياسة اللبنانية الخارجية، لم يستطع كثيرون من اللبنانيين استساغتها، خصوصاً وأن الحكومة تضامنت مع نظام من دون شعبه الذي يتعرّض لمذابح يومية·

ولفتت المصادر إلى أن التبرير الذي أعلنه الرئيس ميقاتي، ومن طرابلس أيضاً، من أن الموقف اللبناني انطلق من اعتبارات ووقائع تاريخية وجغرافية، تراعي الخصوصية اللبنانية، لم يكن مقنعاً، إذ أن هذه الوقائع التاريخية والجغرافية، كان يفترض أن تأخذ بالاعتبار خصوصية العلاقة بين الشعبين، وليس فقط بين الحكومتين، أو النظامين·

اما قوله (الرئيس ميقاتي) بأن لبنان سيبقى دائماً متفاعلاً مع محيطه العربي ومتمسكاً بالحلول التي تحفظ وحدة الدول العربية وشعوبها على قاعدة المبادرة العربية الأخيرة، فانه وجد من ينقضه، إذ أكدت مصادر دبلوماسية في الخارجية، بأن لبنان لن يسحب سفيره من دمشق، انطلاقاً من اعتبارين:

الأوّل أن هذه الخطوة لا تنسجم مع مبدأ سيادة الدول، وهو ما لحظه البند الرابع في قرار الجامعة·

والثاني انه لا يجوز للبنان بعدما خاض معركة سياسية على مدى سنوات لإنشاء علاقات دبلوماسية مع سوريا، أن يتخلّى عن هذا المكسب، ويسحب سفيره، علماً انه سيكون لهذه الخطوة تداعيات سلبية كبيرة عليه، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والتبادل التجاري·
 سليمان وكان الرئيس سليمان، الذي أمضى يوماً طويلاً في طرابلس، تضمن محطات ثقافية وقضائية وبيئية وإنمائية، على هامش رعايته احتفالية <طرابلس مدينة خالية من السيارات> التي نظمتها مؤسسة <جائزة موريس فاضل> قد حاول امساك العصا من وسطها، إزاء موقف لبنان من قرار الجامعة، فلاحظ بدءاً أن لبنان الديمقراطي هو مع الديمقراطية وتداول السلطة في كافة الدول المحيطة به سواء في سوريا أو في غيرها، لكنه لا يحبذ ابداً تحقيق الاهداف السياسية بالوسائل العنفية، متمنياً على الجانب السوري الاسراع في تنفيذ المبادرة العربية، وأن يفتح حواراً مع المعارضة السورية ويسير بسرعة في الإصلاحات، وفي هذا الموقف ما يوحي بتأييد المبادرة العربية وتعاطف مع الشعب السوري، الا انه من ناحية ثانية، أعلن معارضته لتعليق عضوية سوريا في مجلس الجامعة، من رفضه لعزل أية دولة عربية، لأنه يعاقب الشعوب وليس فقط الحكومة، ويقطع سبل الحوار وقنوات الاتصال، مع الإشارة ايضاً إلى ان العزل قد يتضمن مخاطر قد تؤدي الى تدخل خارجي، وهذا ما يرفضه لبنان، مفضلاً ابقاء العضوية قائمة، وفي الوقت عينه تتخذ القرارات التي تراها الجامعة ضرورية بصرامة·

ميقاتي وجاءت مواقف سليمان، رداً على أسئلة الصحافيين الذين رافقوا جولته التفقدية، والتي شملت مجمع الجامعة اللبنانية الذي لا يزال قيد الإنشاء، ومبنى قصر العدل الجديد، ومرفأ طرابلس، قبل رعايته ظهراً احتفالية <طرابلس مدينة خالية من السيارات>، بمشاركة لافتة من نواب طرابلس الذين ينتمون إلى تيّار <المستقبل> وقوى 14 آذار، الا أن هؤلاء النواب ما لبثوا ان قاطعوا مأدبة الغداء التي أقامها الرئيس ميقاتي على شرف الرئيس سليمان في معرض رشيد كرامي الدولي، في حضور 12 وزيراً ورئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجية، وقرابة ألف مدعو من نواب وقيادات امنية وقضائية وادارية وفاعليات شعبية·

ولاحظ الرئيس ميقاتي في كلمته الترحيبية بالرئيس سليمان والحاضرين، بأن حكوته التي لم تعط فرصة لمحاسبة موضوعية ومجردة، نجحت في امتحان العمل، ما يدفعها إلى المضي في مسيرتها لخدمة النّاس، مطلقاً وعداً وعهداً جديدين بمواصلة العمل والابتعاد عن السجالات، والالتزام بما ورد في البيان الوزاري الذي وصفه بأنه خارطة طريق للحكومة، وهو كل لا يتجزأ، واحترام مضامينه· وجدد مناشدة جميع القيادات اللبنانية أن تتجاوب مع الدعوات المتكررة إلى كلمة سواء من خلال حوار وطني جامع، برعاية رئيس الجمهورية، يطرح حلولاً عملية لملفات عالقة، ويجيب عن تساؤلات مشروعة حول مستقبل لبنان ويضع الأسس الوفاقية الكفيلة بتجنيبه تداعيات واضطرابات المنطقة·

وقال: <ثقوا أن هذه الحكومة تقدم مصلحة لبنان واللبنانيين على أي حسابات أخرى، بما يحفظ الاستقرار ويحمي لبنان وسلمه الأهلي، عوضاً عن الخوض في رهانات ومغامرات غير محسوبة، واستغلال للشأن الإنساني المتمثل بوضع الأخوة السوريين الذين نزحوا قسراً إلى بعض المناطق اللبنانية، والذين يجدون من الحكومة كل رعاية ومتابعة واهتمام، انطلاقاً من اعتبارات إنسانية لا مكان فيها للاستثمار السياسي>·

برقية بري إلى ذلك لفت الانتباه البرقية التي بعث بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي ناشده فيها، بعد الذي جرى ويجري، بأنه <لا يرى غيره، بعد الله، لمصالحة ليس ما بين السوريين فحسب، بل بين العرب والعرب>·

ورأت مصادر مطلعة في كلام بري إشارة إلى دعوة ضمنية لعقد طائف سوري، والى تبني الدعوة إلى قمة عربية تكون الرياض مكانها الطبيعي للمصالحة التي يقترحها رئيس المجلس بين القادة العرب، وقبلها بين النظام ومعارضيه·

ولاحظت أن الرئيس بري تجنّب حتى الآن الدخول في مواقف حادة إزاء الأزمة السورية، خلافاً لحلفائه الذين أطلقوا العنان، أمس، لمواقف تندد بقرار الجامعة العربية وتهاجم القادة العرب، ولا سيما الخليجيين منهم، في حين نظمت مسيرة مؤيدة للنظام تجمعت أمام السفارة السورية في بيروت، كما انطلقت مظاهرة أخرى في جبل محسن في طرابلس، رد عليها معارضو النظام بتظاهرة مماثلة في محلة باب التبانة، لكن الجيش تدخل وشكل حاجزاً بين الفريقين مانعاً الاحتكاك بينهما، إلى أن تم تفريق التظاهرتين بهدوء· 

السابق
تواطؤ الشعوب خير من تواطؤ الأنظمة
التالي
الحياة: سليمان: مع المحكمة ولو ارتكبت أخطاء وضد عزل سورية ونتقيد بقرارات الجامعة