إستراتيجيات ثلاث تقف خلف الإستعراض الإيراني للقوة البحرية

رفعت الأخبار الواردة عن نشر السفن الحربية الإيرانية عبر المحيط الأطلسي وصولاً الى خليج المكسيك هواجس جديدة بخصوص الإستعراض المتزايد للقوة البحرية التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية ( وكالة أخبار مهر، 30 أيلول؛ برس تي في، 5 تشرين أول). وتأتي الأخبار عقب تقارير خطيرة تتعلق بالنشاطات البحرية الإيرانية في المياه الدولية هذا العام. ففي آذار، على سبيل المثال، تسببت سفينتين حربيتين بعاصفة من الجدل بسبب مرورهما من خلال قناة السويس وزيارتهما لمرفأ سوري في الشرق الأوسط ( أنظر Terrorism Monitor، 10 آذار). وبطريقة مماثلة، وفي شهر تشرين الأول، أبحرت البعثة البحرية الإيرانية الـ 16 الى خارج الحدود الإيرانية وصولاً الى بحر عمان، خليج عدن وشمال المحيط الهندي، تحرك راقبه بحذر وإهتمام جيران إيران العرب في الخليج الفارسي ( وكالة أخبار مهر، 11 تموز، 2011؛ برس تي في، 17 تشرين اأول، 2011). ومنذ العام 2009، قامت إيران بـ 15 عملية إنتشار بحري تتخطى منطقتها البحرية، في خطوة غير مسبوقة في التاريخ العسكري الإيراني ( وكالة إيرنا، 21 نيسان).
إن هكذا تطورات تحمل طابعاً مقلقاً بما أن وزارة الدفاع الإيرانية توسع منظومتها من الأسلحة، تسلح السفن القديمة والحديثة الموجودة لديها بقدرات صاروخية جديدة من نوع كروز، المنتجة بأعداد كبيرة في إيران والمصممة، الى حد كبير، لأغراض الإستهداف البحري ( وكالة إيرنا، 1 تشرين الأول). أما صواريخ "غادر" المضادة للسفن ذات الإنتاج الضخم التي يحملها كل من الأسطول البحري النظامي وسلاح البحرية التابع للحرس الثوري الإسلامي، فبالإمكان إطلاقها من البر والبحر وهي مجهزة بقدرات رادارية مضادة للتشويش. وتزعم وزارة الدفاع الإيرانية بأن مدى صواريخ " غادر " يصل الى أكثر من 200 كلم ( برس تي في، 28 أيلول). ومن المتوقع أن تحل صواريخ " غادر" مكان منظومة الصواريخ الدفاعية S-300 الروسية التي لم يتم تسليمها، وذلك بهدف حماية المواقع النووية الإيرانية من هجمات جوية أو بحرية إسرائيلية أو أميركية بصواريخ كروز.
وبطريقة مماثلة، فإن مدمرات "جمران" المصنعة محلياً هي نتاج إستراتيجية جديدة لسلاح البحرية الإيرانية التي تعتمد على سفن حديثة الصنع لإطلاق صواريخ كروز المصممة لضرب أهداف بحرية. فالسفن الجديدة كالمدمرة " جمران" مجهزة بتكنولوجيا حربية إلكترونية متطورة تتضمن قدرات مضادة للطائرات ( برس تي في، 6 تشرين أول، 2011). في هذه الأثناء، يتطابق بناء سفن جديدة مع إنتاج غواصات جديدة مثل " غدير" (تم إطلاقها في العام 2007) و" فاتح" ( تم إطلاقها في العام 2011)، بالإضافة الى طائرات وزوارق بحرية حاملة لصواريخ فائقة السرعة في محاولة لزيادة القدرات البحرية للدولة في الخليج الفارسي وما وراءه ( برس تي في،تشرين أول، و 1 حزيران). ومع الإعلان عن خططها لبناء حاملة طائرات جديدة، تزعم الجمهورية الإسلامية بأن لديها إحدى أقوى القوات البحرية في المنطقة، القادرة حتى على تحدي الولايات المتحدة ( برس تي في، 28 أيلول، 2011(. إن هكذا مزاعم هي، في كل الأحوال جزء من إستراتيجية بروباغندا " الحرب الناعمة" بالتأكيد بما أنه لا يمكن لسلاح البحرية الإيرانية أن يشكل تحدياً جدياً وخطيراً للبحرية الأميركية، حتى مع وجود حاملة طائرات ( لإستراتيجية " الحرب الناعمة"، أنظر Terrorism Monitor، 12 حزيران، 2010).
في كل الأحوال، إن نشاطاً بحرياً متزايداً كهذا يحتم وجود عدد من الأهداف والغايات التي تتخطى موضوع الردع البسيط للولايات المتحدة. بالإمكان تحديد الأنشطة البحرية الإيرانية، من نواح عديدة، وفق ثلاث مستويات إستراتيجية. المستوى الأول والأكثر وضوحاً، هو على المستوى الأمني. فالإستعراض الإيراني هو لكبح الولايات المتحدة في مرحلة الهجوم الجوي الإبتدائي، الذي سيكون مركزاً، على الأرجح، على مواقع سلاح الجو والمواقع النووية الإيرانية. إن المقصود أساساً من تطوير القدرات الصاروخية الإيرانية في السنوات الأخيرة التسبب بأضرار بالغة للقوات البحرية الأميركية، خاصة وأن الهجمات الجوية الأميركية سوف تشن على الأرجح من الأساطيل الأميركية الموجودة في الخليج الفارسي. هذا النوع من العمليات العسكرية التقليدية، بما فيها قاذفات الصواريخ الساحلية، ستتضمن، على الأرجح، إغلاق مضيق هرمز مدعوماً بنشر أسلحة غير متماثلة، مثل إطلاق العنان للزوارق السريعة التابعة للحرس الثوري الإسلامي ضد أهداف بحرية كالسفن الحربية الأميركية ( وكالة إيرنا، 7 تموز؛ وكالة أخبر مهر، 1 شباط).
الإستراتيجية الثانية للنشاط البحري الإيراني تدور حول الأمن الإقتصادي. فمع إزدياد القرصنة في خليج عدن، يتحمل سلاح البحرية الإيراني المسؤولية عن حماية حمولات السفن التجارية الإيرانية وضمان أمن نشاطات إيران الإقتصادية في الممرات البحرية للخليج الفارسي ( إيرنا، 17 تشرين أول). في كل الأحوال، إن الوجود البحري الأخير لإيران في المحيط الأطلسي والبحر المتوسط يسلط الضوء على إستراتيجية ثالثة لا تخدم المصلحة العسكرية المباشرة ولا الأمن الإقتصادي. فبينما يستطيع المرء أن يرى بنشر سفنها الحربية قرب السواحل الأميركية والإسرائيلية مجرد تحرك رمزي، فإنه ينبغي النظر الى الإستراتيجية البحرية الثالثة لإيران على أنها جزء لا يتجزأ من "الحرب الناعمة" التي أطلقتها طهران ضد أعدائها في أيلول 2009. ففي محاولة للحصول على معلومات إستخبارية و" نشر الثقافة الإيرانية"، يمثل وجود البحرية الإيرانية في مياه الأطلسي الذي تهيمن عليه الأساطيل البحرية الأميركية إستراتيجية بروباغندا للمبالغة في قدرات القوات المسلحة الإيرانية وإعطاء الإنطباع لأعداء الجمهورية الإسلامية عن وجود قوة ساحقة لديها ( إيرنا، 9 تشرين أول). علاوة على ذلك، وبينما تمر طهران بصراع فئوي داخلي كبير وتخضع لمحاولات إضعاف النظام، فإن إستعراضات عسكرية كهذه قد توفر فرصة أيضاً للقائد الأعلى آية الله علي خامنئي للترويج لصورة القوة، للإستهلاك المحلي في الغالب.
إن هزيمة أميركا في نيسان 1988 للقوات البحرية الإيرانية مع إقتراب نهاية الحرب الإيرانية -العراقية لا تزال تؤرق طهران. ولمنع تكرار هذه النتيجة، ستستمر البحرية الإيرانية بجعل وجودها ملموساً في الوقت الذي تتجنب فيه حصول مواجهة. وفي الوقت الذي تقرب فيه المؤامرة الإرهابية الإيرانية ضد ديبلوماسي سعودي على الأرض الأميركية مسألة حصول صراع مفتوح بين الولايات المتحدة وإيران، فإن الإفتقار الى الإتصالات ما بين القوات البحرية الإيرانية ( تحديداً تلك التابعة للحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن الحرب اللامتماثلة) وسلاح الحرية الأميركية يحمل في طياته إمكانية كبير ة بحصول مواجهة عسكرية.

ملاحظة:
بالرغم من أن المسؤولين الإيرانيين يصفون "جمران" بالغواصة، إلا أن حجمها وتسليحها يتساويان مع حجم وتسليح فرقاطة صغيرة.

(*) نيما أديلكاه: محلل مستقل موجود في نيويورك. تتضمن أجندة أبحاثه الحالية الشرق الأوسط، الإستراتيجيا العسكرية والتكنولوجيا، والإنتشار النووي من بين قضايا دفاعية وأمنية أخرى.
الترجمة خاصة بموقعنا, يرجى ذكر المصدر عند الاقتباس
Reaserch Services Group

السابق
رعد دعا المراهنين على الخارج لأن يحفظوا ما تبقى من ماء وجوههم المبذولة
التالي
إيران، إسرائيل، والقنبلة