إستنفار عسكري تركي

تبدو الحدود التركيّة السوريّة وكأنّها تنتظر تحرّكاً ما بانتظار القرار الذي سيصدر اليوم عن جامعة الدول العربية، بعد فشل المبادرة العربية.

هذا التحرّك لم يعد مرتبطا فقط بالاستنفار الذي ينفّذه الجيش التركي قرب الحدود، والذي تحدثت أوساط دبلوماسية عن انّه بات كبيراً الى درجة تعبئة فرق مقاتلة كاملة، بما يدلّ على انّ هذا الاستنفار غير مرتبط حصراً بمكافحة حزب العمّال الكردستاني الذي يتحرّك انطلاقاً من شمال العراق، بل بالاستعداد لتنفيذ منطقة حظر برّي تريد تركيا البدء بتنفيذها بعد صدور موقف عربيّ يكون تمهيدا لقرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي يقضي بحماية المدنيّين.

وتكشف الاوساط الدبلوماسيّة في هذا الإطار أنّ المعلومات الواردة من تركيا تتحدّث عن أنّ أكثر من نصف عديد الجيش ينتشر قرب الحدود لتنفيذ مهمّتين، الأولى منع حزب العمّال الكردستاني من القيام باستهداف المراكز العسكرية التركيّة، والثانية إقامة منطقة الحظر البرّي، وتتحدّث الاوساط عن سيناريوهين لتنفيذ المهمّة الثانية: الاوّل وهو المرجّح، يقتصر على الدخول في الأراضي السوريّة لمسافة لا تبعد عن مدينة حلب، وهو ما يعني عمليّا إقامة منطقة حظر برّي لمسافة لن تتعدّى المئة كلم، ممّا سيؤدّي الى خلق مساحة آمنة ستساعد على المزيد من انشقاق عناصر ووحدات من الجيش واللجوء الى هذه المنطقة وترتيب استعدادات لحماية المدنيّين بما يشبه السيناريو الليبي. وتتوقّع الأوساط أن تسرّع هذه المنطقة في حال تمّت حمايتها من الانشقاقات، وأن تؤدّي الى حماية المنشقّين، بحيث يستطيعون تشكيل قيادة يمكن ان تعمل بطريقة آمنة نسبيّا، كما يمكن ان يلجأ اليها المجلس الوطني السوري الذي سيتمكّن من ادارة المعركة السياسية من الاراضي السوريّة، وهو ما سيعطيه قوّة دفع شبيهة بالتي كان يمتلكها المجلس الوطني الليبي الذي بقي صامدا في بنغازي حتى سقوط النظام الليبي.

أمّا السيناريو الثاني، وهو إلى الآن مستبعد، كما تقول الأوساط، ويتحدّث عن إمكان توسيع المنطقة الآمنة الى حدود مدينة حمص، بحيث يستطيع حماية المدينة، وإنقاذ آلاف الجنود المنشقّين الذين يقاتلون فيها، والذين تمكّنوا إلى الآن من ان يمنعوا قوّات النظام من إحكام السيطرة عليها. وتشير الأوساط الدبلوماسية الى انّ النظام عندما قرّر الدخول الى حمص كان يعرف انّه سيواجه معركة طاحنة مع هؤلاء الجنود لكنّه خشي إن لم يفعل أن تصبح المدينة الثائرة بنغازي سوريا، وهو دخل الى المدينة في توقيت أحرج فيه حلفاءه على المستوى الدولي، أي روسيا والصين، ووضع نفسه في مواجهة الجامعة العربية.

في الايّام التي ستلي ما سيصدر عن جامعة الدول العربية بخصوص نزع عضويّة النظام السوري، سوف تنشأ ديناميّة دوليّة غير مسبوقة لتكثيف الضغوط على روسيا والصين في مجلس الأمن بهدف إصدار قرار يحمي المدنيّين في سوريا، وفي الانتظار، تقول الأوساط الدبلوماسية، إنّ الموقف التركي بات جاهزاً لتنفيذ مترتّبات هذا القرار الدوليّ، وتصف الأوساط الأجواء التي تحكم العلاقة بين القيادة التركيّة والنظام السوري بأنّها تقترب من الانفجار، خصوصاً بعدما تناهى لهذه القيادة انّ النظام السوري يتبنّى علَناً المسؤوليّة عن تحريك حزب العمّال الكردستاني داخل الأراضي التركية، وقد أدّى ذلك الى قطع آخر الخيوط المتبقّية في هذه العلاقة، وإلى المزيد من التصلّب في الموقف التركي الذي بات مستعدّا لتحمّل جزء كبير من أعباء أيّة عمليّة تهدف الى فرض منطقة حماية برّية تكون بمثابة نقطة انطلاق للثورة السوريّة، وذلك تجاوزا للتهديدات الإيرانية بفتح مواجهة مباشرة مع تركيا، في حال قامت بهذه الخطوة. عِلما أنّ تركيا والكثير من اللاعبين في المنطقة لم يأخذوا على محمل الجدّ التهديدات التي صدرت عن القيادة السوريّة بتحريك فالق الزلازل إذا ما حصل التدخّل بهدف حماية الشعب السوري. 

السابق
فيصل الدويسان والمفاعل النووي
التالي
ميقاتي: وصول مغارة جعيتا الى المراتب الاولى المرشحة للفوز بعجائب الدنيا السبع يضعها على خارطة السياحة العالمية