النووي الإيراني والصخب المرافق

تأخذ المناقشة في الكيان "الإسرائيلي" حول توجيه ضربة جوية للمنشآت النووية الإيرانية شكلاً صاخباً، بل هستيرياً. تصور فيه المسألة، ولعلّها كذلك، على أنها تتعلق بديمومة وجود "إسرائيل" أو عدم وجودها. فمنذ بداية ستينات القرن الماضي تحولت "إسرائيل" بواسطة مفاعل "ديمونا" إلى دولة نووية، وحيدة في هذه المنطقة، نتيجة التزام الغرب بجعلها متفوقة على الدول المحيطة فرادى ومجتمعين. ولم يزل هذا الالتزام قائماً على أكثر من صعيد، خاصة على الصعيد العسكري ومنه حيازة التكنولوجيا المتعلق بالسلاح النووي.

إن إيران التي تمتلك وضعاً جيوستراتيجياً على ضفاف قلب العالم وتمتلك مقدرات وثروات اقتصادية كبيرة، ولديها المؤهلات العلمية والتقنية الكافية لتحقيق أغراضها النووية، تقف على أرض صلبة لمواجهة المشروع الغربي وصنيعته "إسرائيل". إن امتلاك إيران قدرات نووية، يعني ببساطة انتقالها، من واقع الردع التقليدي إلى واقع الردع الاستراتيجي، وسيشكل تحدياً للتفرد "الإسرائيلي" السائد من خمسة عقود. وبالتأكيد سيكون معرقلاً لفلتان "الكاوبوي" الأميركي في النهب الاقتصادي والثقافي القيمي للمنطقة. هذا "اليانكي" القادم على حصان طروادة "الإسرائيلي" بالنسبة الى الاستعمار القديم والمتمثل في الهجوم الثلاثي على مصر عام 1956. إذ بات الاستعمار القديم جزءاً من منظومة السيطرة الأميركية في المنطقة بعد تطويعه. وصارت "إسرائيل" الفزاعة والعصا الغليظة للاستعمار الجديد.

بعد سقوط الكيان "اللقيط"، في تجربة حرب الأسلحة التقليدية عام 2006، وانهيار الاستعمار الأميركي في العراق، وسعي سورية إلى الوصول إلى دولة ندية قوية، وبروز مصر بعد الحراك الشعبي كدولة تستعيد مواقفها العربية وشخصيتها التاريخية، لم يبق أمام "إسرائيل" إلا السلاح النووي خشبة خلاص في معركة البقاء. وهو جوهر المناقشة الدائرة في الأوساط السياسية والعسكرية العليا في الكيان الصهيوني، كما في أوساطه الشعبية. 
لعلّ القاعدة التي سطّرها "مناحيم بيغن" أثناء حرب الخليج الأولى، بالهجوم على "تموز" العراقي، والتي أعاد "أولمرت" صوغها في الهجوم على ما قيل عنه مفاعل دير الزور السوري في ما بعد، لم تعد صالحة بتلك الصيغة، لاستخدامها في إيران، رغم الإشارات الواضحة بالنية المبيتة لدى الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل"، فالولايات المتحدة ترعى اللقاءات والتفاهمات الجانبية بين بريطانيا الخبيرة بالوضع الإيراني و"إسرائيل"، وتنسق بدورها الرسائل "الإسرائيلية" إلى إيران، بدءاً من تجربة الصاروخ "يريحو 3" الذي يتراوح مداه بين 4000 و7000 كلم، إلى التدريب الذي يقوم به سلاح الجو "الإسرائيلي" على المسافات الطويلة في إيطاليا، وصولاً إلى المناقشة العلنية بين القيادة السياسية المتمثلة بالوزراء الثمانية في "إسرائيل" ورئاسة أركان الجيش المدعومة بالاستخبارات على قاعدة النتائج المترتبة لهجوم من هذا النوع.

القاعدة الذهبية لـ"مناحيم بيغن" لا يمكن استخدامها للأسباب الآتية:
أولاً: لأن إيران حالياً هي غير العراق المنشغل بحرب الخليج آنذاك، وغير سورية المحاصرة المنسحبة من لبنان بعد 2005 عام والقرار 1559.
ثانياً: إن أماكن تخصيب اليورانيوم في إيران ليست متمركزة في مكان واحد محدّد بل منتشرة على مئات المواقع في طول البلاد وعرضها.
ثالثاً: إن مواقع التخصيب الإيرانية محمية بأسلحة حديثة ومحصنة بشكل يستحيل إصابتها بضربة عابرة مهما تكن قوية وكبيرة.
رابعاً: إن القرار الإيراني بالرد على أي هجوم "إسرائيلي" موجود ومنسق على أعلى المستويات داخلياً، ومع قوى حليفة خارجياً على تماس عملاني مع "إسرائيل".
خامساً: إن روسيا والصين كقوتين عظميين تمانعان معالجة الملف النووي الإيراني بالوسائل العسكرية حالياً في خضم الصراع الجيوسياسي القائم في المنطقة.
سادساً: إن أي هجوم جوي أو بواسطة صواريخ "كروز"، أو بالاثنين معاً، مهما تفاوتت نسبة نجاحاته، لا يمكن أن يوقف المشروع، بل في أحسن حالاته، يشكل تأخيراً في التنفيذ، نظراً الى امتلاك إيران القدرة المعرفية والتقنية للانتاج.
فهل استناداً إلى ما تقدّم يُقدم الغرب و"إسرائيل" على عمل غير مضمون النتائج؟ أم أنها عملية صخب لابتزاز مالي جديد للمجموعة العربية؟  

السابق
وجهة نظرالأكثر عجيبة من جعيتا
التالي
الصداقة اللبنانية ـ الكورية تكرّم تاي آب