هل سقط المستقبل في طرابلس؟

في مفهوم نواب الأمة محمد كبارة وخالد ضاهر ومعين المرعبي، يمثل تحالف لبناني من الطائفة السنية مع حزب الله جرماً يعاقب الشرع عليه. وتصبح الأحزاب والجمعيات التي تنسق ـ من «عاصمة المسلمين السنّة» ـ مع حزب الله جريمة تستوجب تعليق المشانق لأعضاء هذه المجموعات. ولا مشكلة هنا في القتال السُّني ـ السُّني، حفاظاً على وحدة الصف

من دون كلل، يواظب تيار المستقبل منذ 25 كانون الثاني 2011، على محاولة إنتاج غضب طرابلسي يسحب بساط المدينة من تحت الرئيس نجيب ميقاتي. لصناعة الغضب، وُجِّهَت شتى الاتهامات إلى الرئيس نجيب ميقاتي. حشَد المستقبل المتظاهرين ضد «حكومة الأسد في لبنان»، في مسيرات حزب التحرير لنصرة الشعب السوري. «رئيس هيئة علماء الصحوة»، الشيخ زكريا المصري، يصحو كل يوم جمعة مذكراً بوجوب «إعدام حزب الله لاحتلاله مطار بيروت وتغيير اسمه إلى مطار حسن نصر الله» (الاقتباس من خطبة المصري بتاريخ 31/7/2011 في منطقة القبة). حتى النائب سمير الجسر بات يشارك في اجتماعات زميليه محمد كبارة ومعين المرعبي، ونقاشاتهما «الجيوسياسية».
لكن رغم كل ذلك، ورغم انخفاض وزن النائب خالد ضاهر نحو عشرة كيلوغرامات، فشل المستقبل. فكان لا بد إذاً من فتيل جديد للتحريض، سمي هذه المرة «مجموعات حزب الله الأمنية».
بعض المتابعين لأحوال عاصمة الشمال يؤكدون أن التحريض هو هدف المستقبل الثاني من إثارة هذا الملف. أما الهدف الأول، فهو تعزيز قدرة المستقبل على السيطرة الأمنية والعكسرية على المدينة، في حال حدوث أي تطور مفصلي في سوريا. فالحريرون يعترفون بالعجز عن السيطرة السياسية على المدينة؛ لأن تحالف ميقاتي ـــــ كرامي ـــــ الصفدي يمثل منافساً انتخابياً جدياً، مهما فعل تحالف المستقبل ـــــ مصباح الأحدب ـــــ أشرف ريفي.

حزب الله يتغير

وجود حزب الله في المدينة قديم، على حد قول نواب المستقبل أنفسهم، كخالد ضاهر مثلاً الذي يعيد هذا الوجود أكثر من عقدين إلى الوراء. يتحدث ضاهر عن «محاولات إيرانية مستمرة لاختراق المدينة، بدأت بالتواصل مع حركة التوحيد، ومرت بمحاولات احتضان خليل عكاوي (أبو عربي) وتكثيف الأمين العام الأسبق لحزب الله السيد عباس الموسوي زياراته للمدينة». لكن ضاهر يجزم بأن المدينة «لم تتقبل الحزب»، رافضاً الاعتراف بأن بعض من سماهم، كالتوحيد وعكاوي، صالوا وجالوا في تاريخ المدينة.
أما الجديد في الخبر، فبدأ بعد أحداث 7 أيار. في تلك المرحلة اكتشف الحزب، تقول أوساط طرابلسية قريبة من 8 آذار، أن بعض شركائه في العاصمة الثانية لا يختلفون كثيراً عن بعض شركائه في العاصمة الأولى والجبل والبقاع الغربي ومناطق أخرى: «بهورة على الفاضي». فما كان من الحزب إلا أن غير طريقة تعامله مع هؤلاء الشركاء المفترضين، أسوة بالتغيير الذي اتبعه في سائر المناطق. وأدى ذلك، بحسب المصادر ذاتها، إلى ردود فعل سلبية من بعض أصدقاء الحزب، أسوة بما حصل في مناطق أخرى أيضاً. مع الأخذ في الاعتبار أن الحليف الطرابلسي الأساسي وشبه الأوحد في تبادله مع الحزب ثقة شبه مطلقة هو وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي، على حد وصف مصادر 8 آذار.
 
جولة أمنية

تبلغ مساحة مدينة طرابلس نحو 15 كلم مربعاً، ويتجاوز عدد الساكنين فيها، بحسب التقارير الرسمية، 700 ألف نسمة، لتكون بذلك من أعلى المناطق اللبنانية كثافة سكانية. أما أهم أحيائها فهي: المعرض، أبو سمراء، القبة، جبل محسـن، باب التبانة، باب الرمل وباب الحديد والتل، البحصاص والزاهرية، إضافة إلى ضاحيتي المدينة البحصاص والبداوي وجاراتها القريبة جداً منها جغرافياً وسياسياً، الميناء والمنية والقلمون.
التجوال أمنياً في هذه المناطق يظهر، بحسب من يرصدون الخريطة الأمنية لطرابلس ومحيطها، أن حركة التوحيد الإسلامي برئاسة الشيخ هاشم منقارة، التي تصف نفسها بحليفة حزب الله، هي القوة الأقوى في الميناء. وفضلاً عن تدرّب المقربين من منقارة بانتظام، يتميز هؤلاء بمعرفتهم الكبيرة بأسرار الأحياء التي ولدوا وعاشوا فيها. ولا أحد يشك في أن رهان المستقبليين على «توبة» المقاتلين في المجموعات المقربة من حزب الله حين يدق النفير المذهبي، يستثني «جماعة التوحيد».
في منطقة المعرض، يُقال إن الحزب استوعب خليتين على الأقل من تلك التي أنشأها تيار المستقبل ووجدت نفسها إثر أزمته المالية بلا مياه وكهرباء. ويروى في المدينة أن الكثير ممن أنبتهم المستقبل في ظل الطفرة المالية وعوّدهم مستوى حياة معيناً، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى طرق الباب الوحيد الذي يعوضهم الشح الحريريّ. فالمال مال، سواء كان تومان أو ريال. لهذا السبب، يؤكد النائب ضاهر أن هذا النوع من المجموعات «سيعود إلى كنف المستقبل حين يستأنف الدفع، حتى لو عرض على الشباب نصف الأجور التي يتقاضونها من حزب الله اليوم».

في التبانة، للوزير فيصل كرامي مجموعة من المؤيدين تزداد تنظيماً يوم بعد يوم. وللحزب شريك آخر أساسي أمنياً، وراسخ شعبياً، هو أبو عبد الله الأسود الذي كان مقرباً من خليل عكاوي ويجمعه الكثير بمن بقي من أنصار أبو عربي.
في الأسواق الداخلية، هناك عبد الكريم النشار. يعرفه المستقبليون جيداً ويلاحظون تحوله أمنياً من خطر إلى أخطر، يوماً بعد آخر.
بين المدينتين، الجديدة والقديمة، يتوقف خالد ضاهر بما لا يستطيع أبداً أن يستخف به، ألا وهو «الحضور القوي للحزب السوري القومي الاجتماعي في منطقة الجميزات، بعناصر غالبيتهم من خارج المدينة».
وأخيراً خرج إلى العلن من صفوف المحيطين برئيس حركة التوحيد الشيخ بلال شعبان أبو بكر المشلاوي، الذي يتنقل من حي طرابلسي إلى آخر، محاولاً فتح مكتب لـ«أنصار المقاومة». ويتردد في المدينة أن ما فعله المشلاوي خلال بضعة أشهر يعد على صعيد الاستقطاب والوضوح في الخيار السياسي أهم بالنسبة إلى حزب الله مما فعله كثيرون. ويكفي في هذا السياق سماع نواب المستقبل يتحدثون عن المشلاوي ويطلبون من مساعديهم إعداد «تسجيلات فيديو عن تشيعه»، لتقدير الجدية التي يتسم بها الرجل. مع العلم بأن الرحلة التي نظمها المشلاوي أخيراً لأبناء المدينة إلى «مليتا» استقطبت أكثر من ثلاثمئة طرابلسي.

في أبو سمرا، هناك الشيخ بلال شعبان وأكثر من خمس مجموعات بات هناك في حزب الله من يتفرغ لينسق معها على مدار الثانية. من هذه المجموعات في منطقة الزاهرية شباب عائلة الموري الذين نجحوا إثر الإشكال الأخير، بفضل إعلام المستقبل، أن يأخذوا عائلاتهم كلها والتفرعات باتجاه حزب الله.
هذا في المدينة، أما على أطرافها فالصورة واضحة بالنسبة إلى تيار المستقبل في المنية، حيث الحاج كمال الخير. أما في الأطراف الأخرى، فيخبئ حزب الله مفاجآته.

حماية الانتصار السياسي

في النتيجة، تشير الخريطة الأمنية إلى أن ما ربحه الحزب في السياسة في طرابلس نتيجة تحالفاته وتفاهماته الحكومية لن يخسره في الأمن؛ إذ تبدو سيطرة المستقبل على المدينة إذا استوجبت التطورات في سوريا ذلك، مهمة مستحيلة. ففي مواجهة تمدد حزب الله، لا تزال الأسماء الجدية في ضفة المستقبل هي نفسها: النائب محمد كبارة، النائب خالد ضاهر، عميد حمود وكنعان ناجي الذي يمطر شباب منطقته بالوعود عن إحياء «الأفواج» قريباً جداً، تحت مسمى آخر هو «الرواد». وتجدر الإشارة إلى أن الخطورة الجدية للشح المادي الذي يعانيه تيار المستقبل تكمن هنا أكثر من أي مكان آخر. فالصرف المالي في اللحظات الأخيرة يفيد انتخابياً، لا عسكرياً أو أمنياً. وحديث النائب خالد ضاهر عن اضطراره إلى بيع إحدى شققه لتسديد الأجور الشهرية المستحقة عليه للمرافقين وتغطية «مصاريف الشباب» لا يكفي لدفع «الشباب» إلى تنفيذ ما يهدد به النائب العكاري، ولا سيما أن هؤلاء الشباب يلاحظون أن 11 مستوصفاً ومركزاً صحياً تابعة للمستقبل أقفلت.
يقود كل ذلك إلى التأكيد أن تيار المستقبل يسعى اليوم، وكما تؤكد تصريحات «نوابه الأمنيين» إلى ضرب «التوازن الأمني» في طرابلس، بعد عجزه عن كسر التوازن السياسي القائم في الشمال منذ 25 كانون الثاني، محاولاً استمالة أنصار الرئيس نجيب ميقاتي إلى هذا «الهدف السني المشترك»، وكأن هؤلاء لا يعلمون أن المهمة المنطقية الوحيدة لما يوصف بمجموعات حزب الله الأمنية هو حماية انتصار ميقاتي السياسي والانتخابي.

ضاهر وسلاح الثورة

يخشى بعض الطرابلسيين جدياً من دفع تيار المستقبل الأمور باتجاه اقتتال مذهبي سُني ــ علوي، عسى ذلك أن يؤجج التوتر المذهبي أكثر في سوريا، ويدفعها بسرعة أكبر صوب الانفجار. ويقول النائب خالد ضاهر في سياق حديثه عن مجموعات حزب الله الأمنية إن بعض الشباب يأخذون من الحزب السلاح الإيراني ولا يلبثون أن يبيعوه، في دليل برأيه على عدم التزام هؤلاء مخططات حزب الله و«ضحكهم على الحزب». ثم يؤكد أن غالبية السلاح الذي «يدافع به الثوار السوريون عن أنفسهم هو إيرانيّ جُمع من السوق الطرابلسية». ضاهر سيؤكد طبعاً أن ما من تهريب للسلاح من لبنان إلى سوريا. 

السابق
نشاط زراعي وبيئي في دير ميماس
التالي
النبطية بألوان وشعارات شبابية