حزب الله والفساد

لن يكون حزب الله بمنأى عن الفساد المستشري في الدولة اللبنانية، ومع انه لا يتغنى بخطاب محاربة الفساد واجتثاثه، فإن ذلك لا يأتي من باب الاعتراف بأن الفساد بدأ ينخر جمهوره وناسه، على رغم انه صار واقعا ملموسا، عمل الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله على التصدي له عندما اطلق حملته لاعتماد النظام في الضاحية الجنوبية لبيروت، وعندما عاتب سيدات الحزب خلال حفل افطار على ازدياد المظاهر الاجتماعية الميالة الى حب الظهور وعرض الامكانات المالية وما نسميه عادة مظاهر"التشبيح"، اذ ان مجتمع المقاومة صار مقتدرا ماليا وبدت عليه علامات الغنى، مع ما يستتبع ذلك من آفات اجتماعية في طليعتها المخدرات التي حولت الضاحية بؤرة للتجارة وللاستهلاك ايضا.

ويبدو جليا ان حلفاء الحزب ادركوا ذلك، بعضهم هلل له لإدخاله في صلب الحياة اللبنانية وتحوله الى اعمال الفساد ونزع هالة المقاومة الشريفة، والبعض الآخر خاف منافسة الحزب له في تقاسم الحصص والمواقع والمكاسب، وآخرون رأوا انه لا يمكن للحزب في الجنوب ان يحمي الحدود وان يقاوم العدو وان يحمي في الوقت عينه الفساد في الداخل، وهذا ما عبر عنه الوزير جبران باسيل قبل ايام لـ"النهار" معاتبا الحزب الذي مضى مع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط في مواجهة مشروع باسيل للكهرباء.
هذا الكلام، معطوفا على كلام للعماد ميشال عون في خلوة "التيار الوطني الحر" الجمعة، واعتراض الوزير نقولا صحناوي على شبكة اتصالات ترشيش التي يعمل عليها الحزب، يوضح التباعد القائم بين كل المجموعات اللبنانية والحزب. وقد اعادتني هذه الحوادث والاحاديث الى حوار معمق عن مستقبل الحزب حضرته متفرجة قبل نحو ثماني سنوات في حضرة ديبلوماسيين، إذ قال احدهم: "عندما يزيح "حزب الله" وجهه عن الجنوب الى الداخل اللبناني لن يصير في أفضل الاحوال افضل من (…) الذي ينشد مقعدا وزاريا ومديرية خدماتية لتحقيق مصالح مناصريه، وعندما سيتذوق مسؤولوه طعم الادارة اللبنانية لن يتمكن السيد حسن او غيره من ضبط فسادهم، لأن طريقة حياتهم مع عائلاتهم ستتبدل تلقائيا، وسيتحول الحزب مطية لهم لضمان المصالح الخاصة كما يجري حاليا مع آخرين".
 
صحيح أن الحزب لم يغرق حتى تاريخه في الفساد، لكن ما يحوطه من حوادث، وربما شائعات لا تجد من يردها، مع بعض معطيات اكيدة، تشير الى ما ذهب اليه الديبلوماسي في حينه. فالاصلاح في الوزارات التي تسلم الحزب حقائبها لم يتحقق، والخدمات لم تتضاعف ولم تتحسن جودتها، والخطط المستقبلية لم تقر، بل بقي الوضع على حاله. كل ما انجزه الحزب اعتراض على سياسات مالية وادارية سابقة اعتبرها سيئة، وها هو اليوم في حكومته يمضي بها. وها هي شبكة اتصالات ترشيش تكشف عن شبكات اخرى تنسف مفهوم الدولة والمؤسسات، وها هي مستوعبات "دعم المقاومة" تدخل كل أنواع البضائع عبر المرافئ اللبنانية من دون رسوم او ضرائب وحتى من دون رقابة مما يجعلها أقل ثمنا في الضاحية. وماذا عن حماية التعليق على شبكات الكهرباء، وتغطية قطاع الطرق كما شاهدنا امس، والسيارات غير المسددة الرسوم والتي تعجز القوى الامنية اللبنانية عن ملاحقة اصحابها العائشين في رعاية الحزب؟
هل سلك "حزب الله" الطريق إياها وصار أكثر لبنانية اليوم؟ 

السابق
من الأمن إلى الانتخابات
التالي
النهار: تراكمات أمنية وسط التصدع الحكومي