أيام العلوم:قصص علمية وكفاءات

أكثر ما يمكن أن يحلم به زائر معرض «أيام العلوم» في سباق الخيل، هو تحول تلك التظاهرة العلمية إلى معرض تثقيفي دائم، يؤسس في وقت لاحق لمتحف للعلوم، على غرار ما تشهده الدول المتطورة.
كل شيء هنا يدل على الطاقات والكفاءات المميزة التي تنجح في ابتكار مشاريع تفاعلية، ومفيدة، وجديدة، ومقدمة بقوالب مسلية غير مملة، وتعيد التذكير بأن العلم هو الطريق الأمثل للتطور والبناء. وتدل الوفود المتقاطرة بالآلاف إلى المعرض على الحاجة إلى نوع شبيه من النشاطات المحترفة الناجحة.. والنادرة في لبنان.

في عشرات الخيم البيضاء الموزعة بتنظيم شديد في ميدان سباق الخيل، كان طلاب الجامعات وتلامذة المدارس والعمداء وأعضاء الجمعيات يقدمون شروحات غنية عن مشاريعهم، داعين الجمهور إلى التجربة بأنفسهم على كثب.. علماً أن المعرض الذي انطلق يوم الخميس يختتم أعماله اليوم، ويستقبل زواره لليوم الأخير من الثالثة بعد الظهر حتى التاسعة مساء.
وتنوعت المشاريع العلمية، لتطال الابتكارات مجالات الفيزياء والكيمياء، والبيئة والتنوع البيولوجي، والتكنولوجيا والمعلوماتية، وعلم الأحياء والصحة.
وقد شاركت تسع وثلاثون جهة في المعرض، بين جمعية وجامعة مدرسة، وقدمت 57 مشروعاً، بالإضافة إلى مسرحيتين علميتين تفاعليتين.

في الخيمة الرقم 28، يتجمع أربعة عشر طالبا وطالبة من الجامعة الأنطونية، وهم يشاركون بمشاريع تقنية مبتكرة قدموها بإشراف عميد كلية الهندسة الدكتور بول غبريل، وأطلقوها تحت اسم «أنا عندي حنين لسنين الثمانين!». العنوان «الرومنسي» هذا يعود إلى مشروع هندسي – برمجي بحت، يتمثل بإعادة تدوير للنوستالجيا، أو بكلمات أخرى، تطوير للكومبيوترات وألعاب الفيديو التي عرفت عصرها الذهبي في ثمانينيات القرن الماضي. ويشرح غبريل لـ«السفير» أن «المشروع هدف إلى التأكيد على إمكانية الاعتماد على جهاز مصنوع في تلك الحقبة، وتمكن الطلاب من إعادة تدوير منطقية ومعرفية له، وإدخال مكونات التكنولوجيا الحديثة عليه».
وطبّق الطلاب برامج ألعاب على جهاز FPGA (شبكة أبواب قابلة للبرمجة) وطوّروه بأنفسهم. وحدّثوا ألعاب فيديو مستوحاة من ألعاب تلك الحقبة الذهبية، يمكن تشغيلها على الأجهزة الهاتفية والكومبيوتر الحديثة.
في الخيمة الرقم 16، يسود النقاش الحاد، إذ تعقد محكمة مميزة للحشرات، في مشروع لكلية العلوم الفرع الثاني (الفنار) في الجامعة اللبنانية، يشرف عليه الدكتوران داني عازار وريمون جيز، وتشارك فيه الطالبة ساندرا أبو نجم. يُسأل سؤال أساسي في المحاكمة: «هل الحشرات مذنبة أم بريئة؟»، وبعد مطالعة من محامي الادعاء والدفاع وهما طالبان في الكلية، يتوجب على لجنة المحلفين المكونة من زوار المعرض، الحكم في القضية. ويشرع عازار أن «قرارهم يأتي بعد اطلاعهم على تاريخ طويل للحشرات، وظهورها منذ أكثر من 410 ملايين سنة، وقدرتها على العيش في مناخات مختلفة، ومناطق مأهولة وأخرى غير مأهولة. لذا، العرض مقسم على أربع خيم، أولاها تعرف على هذه العشرات. فنعرفهم على ألوانها وأحجامها، والضار منها والمفيد، علما أن نسبة 99 في المئة من الحشرات تعتبر مفيدة للانسان وللتنوع البيولوجي والتوازن البيئي، وهي ضرورية لصناعة الشمع والحرير والعسل والصبغات للمأكولات (مثلا الجلو، المارتديلا، العصائر كلها تؤخذ صباغتها من حشرات القرمزيات المفيدة)».

في واحد من مشاريع «الجامعة الاسلامية في لبنان» الثمانية، يتعرف الطلاب والزوار على كيفية استشعار الخطر عن بعد، عبر تحليل الاشارات الصوتية. ويأتي مشروعهم «أبعد عن الشرّ وراقبه»، ليعلم كيفية مراقبة الحياة البرية، والنشاط الزلزالي، وحركة البراكين عن بُعد، تجنباً لتعريض الانسان للخطر. ويقترح الدكتور وليد فحص والمهندس أحمد قبيسي، المشرفان على المشروع، «تحليل الاشارات الصوتية عن بعد بواسطة القطعة الالكترونية DISPC من دون الحاجة إلى التدخل البشري المباشر. وتستعمل لهذه الغاية، الماسحة الصوتية 4013 DSPIC لتحليل معطيات الاشارات الصوتية عبر الاستعانة بميكرفون عالي الدقة مع استخدام تقنية «خورزمية تحويل فورية سريعة fft» التي تميز نوع الصوت ودلالته». عند ذلك، يوضح فحص وقبيسي «كيف يمكن أن ترتسم مروحة معطيات الصوت على شاشة LCD بيانية، تعرض خطوط الترددات الأساسية». كما يمكن «استخدام مرسل/ مستقبل FM RF لتثبيت الميكرفون في أماكن بعيدة، والسماع عن بُعد من دون الاقتراب من البركان، أو الدخول في الغابة حيث الحيوانات المفترسة على سبيل المثال لا الحصر».

من الاشارات الصوتية في الغابات، إلى قلب حرج بيروت، وهو ما يركز عليه مشروع «مؤسسة نحن»: «مساحات وساحات للصحة والحياة»، حيث يضيء على حرج بيروت من حيث موقعه وما يوفره لسكان العاصمة والضواحي، في ظل دخول بيروت دائرة الخطر عمرانياً، وانحسار المساحات الخضراء. ويلفت مدير الجمعية محمد أيوب إلى أن «الاضاءة على الحرج هدفها الأساسي الدفع باتجاه هذا الحرج ضمن برنامج واسع بعنوان «فسحة عامة، حياة عامة»، لما للحرج من أهمية بيئة واجتماعية لإعادة الحس الاجتماعي والتواصل بين سكان المدينة، في حين لم يعد لهؤلاء المجال للتواصل واللقاء إلا في المقاهي التي لا يمكن اللعب فيها وربما تحمل تكلفتها». ويضيف أيوب أن «وجود المساحات ضروري جدا لتفريغ طاقات الأطفال، ومجال للعب، بالإضافة إلى أن الحرج يمكن ان يشكل مساحة جغرافية مشتركة بين الأحياء البيروتية ذات اللون الواحد، ومكاناً للاختلاط».
وتسعى الجمعية إلى تكريس ذلك كله في عقول زوار المعرض، عبر دعوتهم لرسم الأماكن التي يلعبون فيها الآن، ومن ثم رسم تلك التي يحلمون باللعب فيها، والتي تتمثل بالحدائق والأشجار. ويتم رفع الرسوم فوق جدار مليء بالصور عن حرج بيروت، «ونجعلهم بهذا يتبنون المطالبة بفتح هذا الحرج بحق من حقوقهم». ويذكر أيوب أنه كان «من المفترض افتتاح الحرج منذ عشر سنوات بعد تأهيله، ولم يتحقق هذا الشيء، على الرغم من جهوزيته الكاملة وبنيته التحتية الكاملة ولا ينقصه إلى إدارته وتنسيق صيانته».  

السابق
السيد نصر الله يعد بمفاجآت تغير وجه المنطقة إذا ما شنت إسرائيل حرباً على لبنان
التالي
حزب الله لن يدع الأسد يسقط …مهما كان الثمن