إطلاق فلسطين من الأسر

هناك من يقول إن ثورات الحرية لا تُقاس قيمتها بما تحققه من إنجازات في مسارها، وإنما تُقاس إنجازاتها بقدر ما تقرّبها من هدفها وهو في هذا السياق: تحرير فلسطين· لكنّ هناك أيضاً من ينظر إلى الأعباء والتكلفة، ويقارن بين الهدف من جهة، والتكاليف المترتبة من أجل إنجاز الهدف· وفي هذا السياق، فلا شك أن تجربة حماس في غزة كلّفت الشعب الفلسطيني غالياً وغالياً جداً، وحتى عملية تحرير الأسرى هذه لا تُبرّر الأعباء التي وضعتها حماس بتصرفاتها على الشعب الفلسطيني·
إنما علينا في مناسبة إنجاز اتفاق إطلاق شاليط والأسرى، أن لا ننظر للأمر بالشكل الضيّق السالف الذكر· فمنذ العام 2008 تجري الوساطات بواسطة المانيا ومصر وغيرهما لإجراء صفقة التبادل، إنما الصفقة ما كان يمكن إنجازها، لأن إسرائيل كانت لها اليد العليا، ولأن إيران وسوريا أيضاً كانتا تريدان استمرار الانقسام الفلسطيني، والمواجهة مع إسرائيل، واستمرار حصار غزة، ليظل الملف صالحاً للاستخدام في تجاذبات فلسطين والمنطقة· أما اليوم فقد مكّن من إجراء الصفقة الربيع العربي أولاً، بحيث تغيّر موقف مصر وموقعها إذ ما عادت وسيطاً محايداً· وصارت إسرائيل مهتمة بإرضاء مصر حتى لا تتهدّد اتفاقية كامب ديفيد· واستطاع أبو مازن بفضل الربيع العربي والإجماع العربي أن يذهب إلى الأمم المتحدة فارضاً العُزلة على إسرائيل، بحيث التمست خط الرجعة من طريق تنازلات تكف العالم عن استمرار النظر اليها بتحفز واستغراب· ومن ضمن ذلك إطلاق سراح الأسرى، وإسقاط الحصار على غزة، وهكذا شعر خالد مشعل أنه يخسر على طول الخط إن بقي على خط المواجهة والاستنزاف لفلسطين والعرب لصالح إيران، فآثر التملص بقدر الإمكان من التحالف مع النظام السوري، والتملص بقدر الإمكان من القبضة الإيرانية، فاقترب من فتح ومصر، وأنجز الصفقة معطياً الأمل للشعب الفلسطيني وللعرب بأن تعود الوحدة الفلسطينية، فيطلق سراح جميع الأسرى، وتقوم الدولة الفلسطينية المستقلة·

لقد كانت مشكلة أبو عمار بعد انكفاء مصر ذلك التجاذب بين النظامين البعثيين الفظيعين في سوريا والعراق· وفي عهد أبو مازن، وقد ضاع العراق وليس نظام صدام فقط، دخلت إيران على الخط، وصارت للجنرال سليماني كلمة وازنة في فلسطين أيضاً، وليس في العراق ولبنان فقط· ولذلك صار على أبو مازن والعرب أن يواجهوا إسرائيل، ويواجهوا إيران، ويواجهوا النظام السوري، وتهدّد ذلك سائر قضايا العرب بالضعف والضياع، وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية·

إن المأمول – وقد شهدنا احتفالات تلفزيون المنار بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين – أن لا تظل أفكار حماس والجهاد كما كانت حتى أواخر العام 2010، أي انهم كانوا يراعون توجهات سليماني والأسد ونصرالله أكثر مما يراعون وحدتهم ومصلحتهم هم· إنها حقبة مؤلمة وماضية ولا يجوز استعادتها أو الاستمرار في الخضوع لمنطقها الانقسامي والفتنوي·

يفرح الفلسطينيون بإطلاق سراح أسراهم نتيجة اتفاق وليس نتيجة حرب· والذي نأمله أن يكون ذلك بداية مسار قوي للقرار الوطني الفلسطيني المستقل والموحد، والقادر بوحدته على تحرير كل الأسرى، وتحرير أرض فلسطين وإقامة الدولة عليها·  

السابق
سوريا.. جمد واعترف
التالي
التدخين يسرّع انقطاع الطمث!