بلمار يتلاعب بقواعد الإجراءات والإثبات

صدر أمس قرار عن قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال فرانسين منح بموجبه المدعي العام دانيال بلمار مهلة زمنية تنتهي في 21 تشرين الاول الجاري لإيداعه ملاحظاته بشأن الابقاء على سرية الاجراءات التي سبقت صدور قرار الاتهام. وتنصّ الفقرة الاولى من القاعدة 96 (قواعد الاجراءات والاثبات) على أن «كلّ ما أودع من مستندات واتخذ من اجراءات وصدر من أوامر في مرحلة الاجراءات التمهيدية يكون علنياً». لكن منذ صدور قرار في 28 حزيران الفائت يتّهم أربعة رجال ينتمون الى حزب الله بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سعى المدعي العام دانيال بلمار الى ابقاء أكبر قدر من المستندات والاجراءات التي اتخذت خلال المرحلة التي سبقت الاتهام (المرحلة التمهيدية) بعيدة عن الأضواء بحجة أن الاعلان عنها قد تكون له نتائج سلبية على ملاحقة المتهمين وقد يعرّض حياة أشخاص للخطر.
اقتنع قاضي الاجراءات التمهيدية بهذه الحجة فور تصديقه قرار الاتهام، إذ رأى أن ذلك قد يسهّل عملية توقيف المتهمين، لكن بعد تقديم السلطات اللبنانية تقريرها الى المحكمة الدولية معلنة عجزها عن توقيف المتهمين، وبعد تعميم مذكرات التوقيف عبر الشرطة الدولية (الانتربول) عبر الاعلام والموقع الالكتروني للمحكمة، صدر أمر عن القاضي فرانسين في 21 أيلول الفائت جاء فيه أنه «من مصلحة العدالة الاعلان عن المستندات التي اودعها المدعي العام بشكل سرّي في اطار التحقيقات التي أدت الى الاتهام». لكن، في ما بدا تكراراً لتصرفاته في قضية تسليم اللواء جميل السيد مستندات تتيح له ملاحقة المسؤولين عن اعتقاله التعسّفي، لم ينفذ بلمار أمر القاضي. وفي 7 تشرين الاول الجاري أودع مذكرة طلب فيها من القاضي فرانسين توضيح الامر الصادر عنه متحججاً بالفقرة الثانية من القاعدة 96 التي تجيز الابقاء على السرية «ما دام الأمر ضرورياً لسير التحقيق و/أو لحماية أي شخص». وتضمّنت مذكرة بلمار تلاعباً في مفهوم المصطلحات الواردة في قواعد الاجراءات والثبات وفي اللغة المستخدمة. فأشار المدعي العام الى أن عبارة «ANY FILING» (أي مستند) وردت في النسخة الانكليزية من الفقرة الثانية من القاعدة 96 بينما استخدمت عبارة «TOUT DOCUMENT» (كلّ مستند) في النسخة الفرنسية. فأصرّ بلمار على اعتماد النسخة الانكليزية حيث إنها تتيح، بموجب الفقرة الثانية من القاعدة 96، الابقاء على سرية «أي مستند» ولا يقتصر الأمر على مستندات محدّدة. وقبل الاشارة الى معنى ذلك التلاعب بالمصطلحات والترجمة لا بدّ من الاشارة الى أن النسخة العربية من فقرة القاعدة 96 الثانية تتناسب مع النسخة الفرنسية لا مع النسخة الانكليزية التي يصرّ بلمار على اعتمادها، اذ جاء في النصّ العربي «كلّ مستند» وبالتالي يفترض أن يترجم ذلك الى «EVERY FILING» وليس الى «ANY FILING» كما ورد في النسخة الانكليزية.

ان لتلاعب بلمار بنصّ قواعد الاجراءات والاثبات دلالات قد يكون لها تأثير سلبي على مجريات العدالة الصحيحة، أهمها استخدام نسخة قواعد الاجراءات والاثبات باللغة التي تتناسب مصطلحاتها مع ما يبرّر اجراءات المدعي العام بما فيها الاجراءات المخالفة لنظام المحكمة، وذلك بحجة الحفاظ على «سلامة أي شخص». وهذه الحجة هي بمثابة قارب النجاة الذي قد يلجأ اليه المدعي العام كلما شعر بأن بعض مخالفاته للقواعد قد تنكشف، أو كلما شعر بأنه سيضطر الى التراجع اذا خرج ما في ملفاته الى النور.
ولا بدّ من الاشارة أخيراً الى أن ابرز ما يثير الشكوك في المحكمة الخاصة بلبنان هو الاجراءات السرّية، حيث يمكن تدخّل أجهزة الاستخبارات في الشؤون القضائية ويمكن تغيير المعالم وتركيب الملفات والافادات واختلاق الدلائل الحسية. وبينما بدا أن المدعي العام الدولي فشل في الحفاظ على سرية ملفات التحقيق، اذ إن بعض المحققين السابقين في مكتبه سرّبوا عدداً منها الى تلفزيون «سي بي سي» الكندي والى مجلة «دير شبيغل» الألمانية وغيرها من وسائل الاعلام، يصرّ دانيال بلمار على اخفاء أسرار أخرى سبقت اتهامه لرجال من حزب الله عن الجمهور عامة وعن اللبنانيين خاصة، وذلك لأسباب ما زالت، حتى اليوم، مجهولة الى حدّ ما.  

السابق
أبو عبدو شومان: المقعد الذي أنقذ الإمام الصدر من محاولة إغتيال في 1975
التالي
خامني يرفض اتهامات واشنطن “السخيفة” بشان مؤامرة ايرانية مفترضة