مشيمش الى الحرية: فبركة ملف جديد؟

بعد 11 شهرا بالسجن الانفرادي في اقبية المخابرات السورية وخمسة شهور في سجن عدرا السوري، وعلى وتيرة "التحقيق العنجري"، سلمت السلطات السورية إمام بلدة كفرصير الشيخ حسن مشيمش عبر الامن العام اللبناني الى جهاز قوى الامن الداخلي، بعدما استصدر اشارة توقيف بحقه من قبل المدعي العام سعيد ميرزا، بحسب مصادر قوى الامن الداخلي.
وان كان الافراج عنه في سوريا امرا متوقعا، بعدما اصدرت المحكمة السورية قرارا بالافراج عنه دون ربط الافراج بتسليمه لاي جهة، إلا أنّ المحامي السوري المكلف الدفاع عنه فوجىء بقيام السلطات السورية بتسليمه الى السلطات اللبنانية قبل يومين، لجهة عدم تضمن الحكم الصادر بحقه هذه الخطوة، ولأنه ينافي القرار القاضي بالإفراج عنه.

المثير للتساؤل والريبة ان لبنان الرسمي لم يبادر الى اي خطوة في اتجاه الاستفسار عن اسباب اعتقال الشيخ مشيمش رغم الاتصالات والمتابعات على اكثر من مستوى، ولا حاول التأكد من صحة ما وجه اليه من اتهامات بالتعامل مع العدو. وهو تقصير فاضح من وزارة العدل خلال حكومتي الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي. والغريب والمريب كذلك هو كيف ان اهمال لبنان الرسمي في هذه القضية، وسواها من قضايا آلاف المفقودين والمعتقلين في اقبية الاجهزة الامنية السورية، انقلب اليوم الى اهتمام وصل حدّ إهانة الشيخ مشيمش في مقر احتجازه الجديد لدى قوى الامن الداخلي اثر تسليمه بعد معاناة طويلة من التعذيب النفسي والجسدي في السجون السورية المعروفة على هذا الصعيد.

لن نكرر ان سجن الشيخ مشيمش في سورية كان بترتيب لبناني حزبي وبتواطؤ من بعض الاجهزة السورية، وهو ترتيب على وزن تركيب الملفات، الذي يكشف ضعف اصحابه ومستوى الغدر والانتقام. لكن بعدما عانى ما عاناه من تعذيب واهانة، وعانت عائلته ما عانته من اشاعات واقاويل حيكت في ليل من دون وازع او دين، وبعدما اضطرت الاجهزة السورية الى نقله الى لبنان، وبعد انكشاف زيف الاتهامات المفبركة، تبرز مخاوف من ان تدخل قضية الشيخ مشيمش في بلده فصلا جديدا من الانتقام والتواطؤ. ولكن هذه المرة عبر الاجهزة اللبنانية، التي كانت رفضت اعتقال الشيخ مشيمش سواء في مديرية المخابرات التابعة للجيش او عبر فرع المعلومات التابع لقوى الامن الداخلي قبل اشهر قليلة من اعتقاله في دمشق. وكنا اشرنا في هذه الزاوية، نقلا عن مصادر في هذين الجهازين قبل اكثر من عام، ان هذين الجهازين تلقيا ملفا من جهة حزبية ينطوي على اتهام بالتعامل مع العدو. لكن كلا الجهازين، وبعد اجراء المقتضى من التدقيق والتحقيق، ثبت لديهما ان ليس هناك ما يمكن ان يبنى عليه لاتهام الشيخ مشيمش بالعمالة للعدو.

وهذا ما فسر اسباب اعتقاله في سورية لاحقا. اما اليوم ورغم اقتناعنا ان تسلمه من قبل السلطات اللبنانية هو انجاز كبير لكل الذين ناصروا قضية الشيخ مشيمش، وهو يترجم الجهود الحثيثة التي بذلتها عائلته الصغيرة والكبيرة، فإن المخاوف تبقى قائمة من الذهنية المتحكمة ببعض القوى داخل الحكومة وعلى الارض، المرتبطة بسياسة الهروب الى الامام، وبالامعان في منهجية تركيب الملفات، ومحاولة الضغط على الاجهزة الامنية او العسكرية لتنفيذ مآرب البعض ولغايات نفسية انتقامية.
علما ان السلطات اللبنانية مجبورة أن تطالب السلطات السورية بتوضيح اسباب اعتقاله طيلة هذه المدة. كما على المنظمات الانسانية المحلية والدولية ان تقوم بدورها في فحص مدى تطبيق المعايير القانونية لجهة اصل الاعتقال والتوقيف في سورية، وصولا الى ما يتم اعتماده من اجراءات لدى السلطات اللبنانية. خصوصا ان ثمة ما يشير، بحسب ما نقل عن الشيخ مشيمش بعد تسليمه الى الاجهزة اللبنانية، الى تعرضه لاهانات طالت كرامته الشخصية والانسانية، من دون ان نتطرق بطبيعة الحال الى موقعه كرجل دين.
الحملة لاطلاق الشيخ مشيمش من السجن لم تنته بعد رغم الانجاز الذي تحقق حتى الآن، لكنها عملية مستمرة لاستنقاذ حقوق المواطن في البلد من منطق المصادرة والاستهانة بكرامته الى حد تركيب الملفات…
وقضية الشيخ مشمش اكبر من قضية فرد قد يفرج عنه وقد يتم التواطؤ مجددا لتمديد اعتقاله…
 

السابق
منظمات المجتمع المدني في لبنان: من وكيف ولماذا ومتى؟
التالي
“تجمع لبنان المدني”: هيا الى المناطق!