أي ربيع لأي لبنان؟

إن الموقف الوحيد الجامع لمختلف الفرقاء المتنازعين في لبنان, قائم اليوم حول الشعور المشترك النرجسي الفوقي, والذي يعتبر بأنهما, أي " 8 اذار و14 آذار", رواد وملهمي كل الثورات في العالم العربي, إنما طبعاً كل فريق من موقعه الخاص وانطلاقاً من اعتباراته الذاتية. ففي حين يعتبر فريق "14 آذار" أن مليونية 14 فبراير هي الملهمة لكل الثورات العربية, يدعي بالمقابل فريق "8 آذار" حصرية النموذجية إياها, ولكن على خلفية إيديولوجية ترتبط بمفهوم الثورة في إيران, والمروجة لمقولات من نوع مناهضة الاستكبار الغربي العالمي, ومقاومة النزعة الاستعمارية للشيطان الأكبر. يبقى أن انقسامات اللبنانيين هي عديدة في مقاربة موضوع الثورات العربية حيث تراهم يختلفون حول نظرتهم التقييمية لها ودائماً تبعاً لميولهم وانتماءاتهم الحزبية, ولما يمليه عليهم زعماؤهم الروحيون من مواقف مسبقة. وفيما هم مقتنعون بحتمية الالتزامات هذه, إلا أنهم يدركون حتمية تداعيات الثورة الحاصلة في سورية على الداخل اللبناني, وتراهم يحلمون بربيع مماثل يأتيهم بالتغيير المنشود أسوة بما هو حاصل في الأقطار العربية المجاورة. وعندما تسألهم حول شكل هذا الربيع المنشود يؤثرون الإحجام عن الإجابة, مخافة الخروج عن تعليمات المرجع الطائفي الذي يحرم رفع شعار "إسقاط النظام الطائفي". وبالتالي من هذا المنطلق يصبح التساؤل واجباً ليس حول احتمال قدوم الربيع العربي إلى الربوع اللبنانية, بل حول شكل وطبيعة هذا الربيع, أو حول أي ربيع لهذا اللبنان؟ وبسبب هذا الخوف والذي تعمد رجال الدين زرعه في نفوس اللبنانيين من أي تغيير يطال المعادلة الطائفية القائمة, وضمن استحالة استنساخ شعار "إسقاط النظام" المستبد والفاسد من ثورات العالم العربي, وضمن استحالة التوافق حول عنوان محلي بديل, يرى بعض المحللين فجوة تحتم استحالة الثورة فيه. بيد أنه من المهم الإشارة إلى موقف هذه الفئة من المحللين من ناحية التباسه, وخبثه, وعدم تجرده وربما أكثر من ذلك اندراجه ضمن المخطط المتعمد للنظام بشقيه الموالي والمعارض, للترويج لعملية تفشيل أي محاولة للتغيير تكون لمصلحة الشعب على حساب السلطة القائمة. وقد لا يكون غريباً أو مستهجناَ تحول شعار "لا ثورة في لبنان" أو "استحالة الثورة في لبنان", أو "في كل العالم العربي إلا في لبنان" كما كتب أحدهم, إلى الشعار الجامع المريح والذي باتت تلتف وتلتقي حوله اليوم مختلف القيادات الطائفية المتنافرة عادة. وبالتالي فإذا كانت المصيبة تجمع كما يقال وإن كان ذلك صحيحاً في الأحوال العادية, فالخوف من دنو الكوارث في الأحوال الاستثنائية قد يُشكل عنصراً جامعاً أقوى من المصيبة بحد ذاتها, وذلك على خلفية الحاجة المشتركة للتضامن والتكاتف من أجل مواجهتها. حاجة رأيناها تتجسد خلال الفترة الماضية في لقاءات تشاورية تميزت بأجواء المحبة والألفة, بين مختلف الرؤساء والقادة الدينيين من مطارنة وبطاركة وشيوخ ومفتين.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن البطريرك الماروني بشار الراعي عاد والتقى المرجعيات الأخرى والسنية منها تحديداً, بالحفاوة المطلوبة, رغم نشره قبل فترة أجواء الخوف مما قد يحصل على الصعيد اللبناني في حال هيمنة الطائفة السنية في سورية. إذ لا بد من التمييز ضمن هذه الستراتيجية بين طريقة تعامل زعيم الطائفة المارونية مع رعيته, وبين سياسته العليا القائمة على التنسيق المشترك مع الزعامات الروحية الأخرى لتفادي السيناريو الأسوأ ضمن احتمال الخروج من المعادلة السياسية ومن القدرة على التحكم والسيطرة على صناعة القرار السياسي.

ولكن هل سوف تتمكن هذه الزعامات الروحية من درء هذه الأخطار فعلياً في حال سقوط النظام في سورية? وهل تخرج سليمة ومعافاة وعلى سابق عهدها من التحكم بالمصير? هنا بيت القصيد بالنسبة إلى مستقبل أي ربيع مقبل إلى الربوع اللبنانية. يبقى الأمر الأكيد هو حتمية حصول تداعيات أكيدة نتيجة سقوط النظام في سورية, ليس أقلها اندحار فلول النظام البعثي العلوي المستبد في لبنان, وانهيار أهم مكون لسورية في لبنان أي "حزب الله", يليه تفكك سواه من التيارات التابعة والمنضوية تحت خط وسياسة فريق "8 آذار".
هذا مع العلم بأن شكل الثورة المقبلة حتما على لبنان سوف يكون تحت عنوان إسقاط النظام الطائفي, تبدأ بنفضة كاملة لكل الكيان الطائفي القائم ورموزه, ويليها فتح لكل ملفات الفساد والهدر والسرقات الموصوفة. وبما أنها تغيرات قد لا توافق ولا تتلاقى بل تتناقض مع مصالح السياسيين ناهيك عن معظم المراجع الدينية, بالتالي لا بد من انتظار نهاية الثورة في سورية حتى تظهر الأطر الواضحة للمرحلة المقبلة في لبنان.  

السابق
السفير علي لجنبلاط: من يخطئ مع سورية يمكنه أن يراجع حساباته
التالي
الراي: الأسد حريص على بقاء حكومة ميقاتي الأموال تتدفق من لبنان لدعم المجموعات المسلحة