التحكّم لن يحلّ أزمة السير

 أخيراً، بعد 5 سنوات على الإعداد لافتتاحه، أبصر مركز التحكم المروري النور. صار للدولة عيون على طرقات بيروت الكبرى، و«التحق» لبنان بركب الدول الرائدة مرورياً، لكن، هل يحلّ ذلك أزمة السير في لبنان فعلاً؟ الجواب لدى منسق مشروع النقل الحضري، العميد جوزف الدويهي

بات لدى اللبنانيين مركز تحكم مروري. لن تتلف «عجقات» السير أعصابهم بعد اليوم، وستختفي «طوابير» السيارات من الطرقات والأوتوسترادات، ولن «يُبَتْوِن» سائق شاحنة مجنون بين السيارات والمارّة. «عيون» الدولة مفتوحة على اتساعها على شرايين العاصمة الرئيسية، من نهر الكلب حتى السفارة الكويتية.
«مهلاً… من قال إن مشاكل السير ستنتهي. لا، فالسير أزمة وطنية، لا تحل بمركز تحكم مروري». بهذه الكلمات يقطع منسق مشروع النقل الحضري، العميد جوزف الدويهي، شك الأمنيات بيقين الواقع. مركز التحكم المروري الذي بدأ العمل به قبل نحو أسبوعين، واستمر «الشغل» عليه 5 سنوات، لن يحل مشاكل السير في لبنان، بل «سيسهم فقط في التخفيف من الاختناق المروري. فمع 25 كاميرا تصوير مباشر، يفترض أن تصبح 45 قريباً، سُتحدد أماكن الخلل بحيث يُرسل على الفور رجال أمن لحلها، فضلاً عن إمكان تحديد هوية المخالفين بهدف معاقبتهم».
تتصدر قاعة مركز التحكم شاشة ضخمة تحيط بها شاشات أصغر حجماً، تنقل كل منها وضع حركة السير من منطقة معينة. يطلب العميد من العسكري خلف الكومبيوتر أن يدير الكاميرا في غير اتجاه، ثم يقربها على سيارة متوقفة الى جانب الطريق. هذه السيارة «هي السبب في اختناق المسرب وتكدس السيارات». يتصل مباشرة بشرطي السير الأقرب إلى المكان، بهدف رفع السيارة من مكانها. أكثر من ذلك، الكاميرا قادرة على قراءة رقم لوحة تسجيل الآلية، وبالتالي يمكن تحرير محضر ضبط بحق سائقها. يلفت الدويهي إلى أن العاملين في المركز هم من عناصر قوى الأمن الداخلي، معهم مهندسون مدنيون لديهم خبرة تقنية واسعة.
بعيداً عن التفاصيل، يعزو الدويهي «أزمة السير» في لبنان الى أسباب عدة، أبرزها غياب التخطيط المدني بسبب الأحداث والحروب التي مرّ بها لبنان قديماً، ما أدّى إلى عدم ضبط حركة العمران حول الأوتوسترادات، وقوف السيارات على جوانب الطرقات، وهي مخالفة باتت مع مرور الزمن عرفاً عند المواطن اللبناني، عدم التزام السائق بخطوط السير، علماً أن هذه من البديهيات لدى السائقين في كثير من الدول التي يتحلى فيها المواطن بـ «ثقافة مرورية»، عدم تنظيم مسارب الدخول والخروج على الأوتوسترادت والطرق الرئيسية ما يؤدي إلى «اختناق السير»، قلّة مواقف السيارات في مقابل عدد السيارات المرتفع في لبنان (حوالى 1,6 مليون سيارة) نسبة الى مساحته وعدد سكان».
يتوقف الدويهي كثيراً عند مشكلة «عدم وجود أماكن لركن السيارات عند مداخل العاصمة». ففي لندن، مثلاً، عندما وجدت السلطات أن العاصمة بدأت تغصّ بآليات النقل، أنشأت مواقف للسيارات على مداخلها، بحيث يركن المواطن سيارته ويدخل إلى العاصمة بواسطة النقل العام، وإلا فعليه أن يدفع ضريبة مرتفعة لاستخدام سيارته داخل العاصمة. حسناً، لكن أين النقل العام في لبنان؟ يعترف الدويهي، بما هو معروف أصلاً، بأن لا تنظيم لهذا القطاع في لبنان، والمشكلة «لا تُحل إلا من خلال ورشة وطنية شاملة»، فصلها تفصيلاً دقيقاً في مشروع استراتيجيته قبل سنتين، لكنه يعود ليؤكد أنه «مهما حصل من تحسينات، ومن تطوير للمعدات، إذا لم يلتزم المواطن بما عليه فلا حل للمشكلة».
وكان الدويهي قد وضع «مشروع الاستراتيجية المرورية للحد من ضحايا حوادث الطرق وتنظيم السير في لبنان». وهو يطمح الى أن تخرج هذه الاستراتيجية من الإطار النظري إلى الواقع العملي، لكن المسألة تحتاج إلى «تضافر جهود كل الجهات المختصة». مثلاً، على المجلس النيابي أن يسن قوانين عصرية (القانون قيد البحث الآن)، وعلى مجلس الوزراء إنشاء مجلس وطني للسلامة المرورية، وعلى وزارة التربية وضع السلامة العامة في المنهاج والكتاب المدرسي. ولكثير من الوزارات المعنية الأخرى، ومعها قوى الأمن الداخلي والصليب الأحمر والدفاع المدني ومجلس الإنماء والإعمار والبلديات، أدوار بحسب هذه الاستراتيجية.
وهذا المشروع، على ما فيه من إيجابيات، لا يخلو من تمييز طبقي. فمثلاً، ثمة نص فيه يدعو إلى «منع استيراد السيارات المستعملة لأكثر من 5 سنوات»، كما يدعو الى منع استيراد الدراجات المستعملة، باستثناء تلك التي تحمل «صفة أثرية أو ذات قيمة عالية»!
من جهته، يؤكد رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، الرائد جوزف مسلّم، أن افتتاح مركز التحكم يمثّل «تجلياً لرؤيتنا ويجسد حلمنا. صحيح أنه لن يحل كل المشكلة، لكن يمكن ملاحظة النتائج هذه الأيام تحديداً، فخلال السنوات الماضية كنا نعاني كثيراً مع انطلاق العام الدراسي. كانت تردنا الشكاوى من كافة الطرقات. هذا العام لم يحصل تذمر ملحوظ. لقد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح».
المركز غير مخصص لمتابعة الحوادث الأمنية، لكن إذا رصدت الكاميرات مجرماً ما، أو واضع عبوة ما، فإن العاملين خلف الشاشات سيفيدون الجهات الأمنية المعنية بذلك.
هنا، في هذه الحالة، تصبح شرطة المرور في خدمــــة الأمن. إذا سلب أحدهم حقيبة سيــــدة ما، ورصدته الكاميرات، فإن العاملين في المــــركز لديهم القدرة على التحكم في الحركــة الزمنية لإشارات المرور. يمكنهم توقيف السير في نقطة معينة، إلى حين وصول الدوريـــــة إلى السالب. وعـــلى السالبين أن يعلموا أن «زمن أول تحوّل… فليحذروا».
يُذكر أن مركز التحكم سيكمل ما كانت قد بدأته رادارات ضبط السرعة، بحيث أصبح بمقدور الدولة ملاحظة أكبر عدد من المخالفين، الذين تصلهم محاضر الضبط إلى منازلهم، وفي مرحلة لاحقة ستصل إلى هواتفهم عبر الرسائل النصية القصيرة (SMS).
أكثر من ذلك، على اللبنانيين أن لا يفاجأوا عندما تبدأ محاضر الضبط بالوصول إلى منازلهم، ليس بسبب السرعة الزائدة هذه المرة، بل نتيجة مخالفتهم للسير وفقاً لإشارات المرور. هذه الخطوة يفترض أن يبدأ العمل بها قريباً. عين الدولة سترصد من يخالف الإشارة الحمراء، في الليل والنهار. وقيمة الضبط 50 ألف ليرة، وقد تزيد الى أكثر من ذلك. 

السابق
حوري: تجاهل حادث عرسال يؤكد “سورية” الحكومة
التالي
ارسلان: نحن ضد تمويل المحكمة الا بعد اعادة النظر في تكوينها