الاخبار: الجميّل: نداء 2011 يستكمل نداء 2000

 الاخبار قالت :
لم يتعدّ كلام الراعي عن حزب الله وسوريا التحليل العام (أرشيف ــ بلال جاويش)لا يوافق الرئيس أمين الجميّل القائلين إن البطريرك مار نصر الله بطرس صفير كان بطريرك 14 آذار، كي يصبح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بطريرك 8 آذار. أكمل الخلف ما بدأه السلف لترسيخ الثوابت التاريخية لبكركي. لكن المهمة مختلفة: كيف يمكن إنقاذ الوجود المسيحي في الشرق؟
حملايا مسقط البطريرك مار بشارة بطرس الراعي جارة بكفيا مسقط الرئيس أمين الجميّل، الذي يكاد يكون الوحيد بين الزعماء والسياسيين الفاعلين الأكثر إلماماً برأس البطريركية المارونية. وهو بالتأكيد الوحيد من بينهم (باستثناء النائب بطرس حرب، زميله في كل المراحل منذ عام 1972) رافق أربعة بطاركة، هم: بولس المعوشي بين عامي 1971 و1975، وأنطونيوس خريش بين عامي 1975 و1985، ونصر الله صفير بين عامي 1986 و2011، والآن بشارة الراعي. عرف أيضاً أشهراً من حقبة المدبّر الرسولي المطران إبراهيم الحلو بين عامي 1985 و1986 عندما عيّنه الفاتيكان خلفاً لخريش.
ويكاد يكون الجميّل أحد قلة رؤساء جمهورية لم يصطدموا إبّان ولايتهم بالبطريرك، خلافاً لبشارة الخوري مع أنطون عريضة، وكميل شمعون وفؤاد شهاب مع المعوشي، وإلياس الهراوي وإميل لحود مع صفير. يكاد يكون من قلة منهم، كذلك، ممّن تحالف مع البطريركية في وجه استحقاقات لم يُؤتَ من قبل لأسلافه إلا لشارل حلو شريكاً للحلف الثلاثي عامي 1967 و1968، ولسليمان فرنجيه مناهضاً الشهابية عام 1970 والفلتان الفلسطيني عام 1973.
بذلك يتقدّم الجميّل اليوم كل شركائه في معرفة مغزى علاقة البطريركية برئيس الجمهورية أولاً، وموقعها في المعادلة السياسية لا الدينية فحسب، وفاعلية دورها حيال الجوار القريب وأيضاً مع الغرب. قبل كل ذلك في ظلّ والده الشيخ بيار الجميّل، قبل انتخابه نائباً لأول مرة عام 1971 وبعد ذلك، لم يشهد الابن نزاعاً بين بكركي وحزب الكتائب. حتى في عزّ ثورة 1958، عندما اختلف حزبه مع الناصرية وقاوم بالقوة والسلاح تدخّلها في الشؤون اللبنانية لإسقاط شمعون، لم يُقل إن حزب الكتائب اختلف يوماً مع المعوشي وأساء إلى مقامه وهيبته بسبب تأييد البطريرك الرئيس جمال عبد الناصر وتفهّم علاقته بلبنان. لم ينتقد الحزب البطريرك ولا هاجمه؛ لأنه كان أقرب إلى فريق لبناني منه إلى فريق آخر هو الذي قاد حزب الكتائب مقاومته. اصطدم بكل الفريق السياسي الذي حالفه البطريرك وجبهه بالسلاح، ولم يختلف مع المعوشي.
كل ذلك ولم تكن جزين مسقط المعوشي والحلو، وعين إبل مسقط خريش، وريفون مسقط صفير، جارة بكفيا. فكيف الحال بحملايا؟
رغم أن ردّ فعله الأول على مواقف البطريرك في باريس، وخصوصاً حيال سلاح حزب الله وسوريا، عَكَسَ تحفظاً، إلا أن الجميّل لم يشأ المغالاة كسائر شركائه في قوى 14 آذار، وأخصّهم المسيحيون، في توجيه الانتقاد واللوم إلى الراعي والتدخّل في موقفه، وتجاوز حدود اللياقة في التعامل مع هذا المقام.
من دون أن يؤيد موقفي البطريرك من سلاح الحزب وسوريا، متمسّكاً بوجهة نظره حيالهما، أدرجهما الرئيس الأسبق للجمهورية في سياق تصوّر جديد لبكركي بإزاء مرحلة مختلفة، لم يُفضِ في أي حال إلى استنتاج تناقض بين ما قاله البطريرك وبين ثوابت بكركي.
يتفهّم الجميّل دوافع تمسّك قوى 14 آذار بأن يكون البطريرك بطريركها. يلاحظ أن موقفاً كهذا هو في الظاهر مشروع «عندما يسعى كل فريق إلى أن تكون كل المواقع الرسمية والدينية والسياسية إلى جانب خياراته. لكن الواقع هو غير ذلك تماماً. لم يكن البطريرك صفير بطريرك 14 آذار، ولا البطريرك الراعي هو بطريرك 8 آذار
.
يضيف: «عندما وضع البطريرك صفير نداء عام 2000، لم تكن قوى 14 آذار قد وُلدت، ولا من قبلها اجتماعات البريستول، ولا كل ما سبق هذا الفريق أو تلاه. طرح حينذاك مبادئ لا يسع أحداً أياً يكن نكرانها أو الاعتراض عليها كسيادة لبنان وكرامة المواطن. بدوره نداء 2011 أتى في غمرة تطورات وظروف مغايرة، وبعد أحداث مهمة كانت قد وقعت كانسحاب الجيش السوري من لبنان وإنشاء المحكمة الدولية وإجراء انتخابات نيابية عبّرت عن تطلعات اللبنانيين. تالياً، إن ظروف نداء 2011 غيرها ظروف نداء 2000. لذلك، كنت قد طالبت مراراً بمقاربة حركة وطنية جديدة حبّذا لو تقودها الكنيسة على غرار تجربة عام 2000 لانتشال لبنان من مستنقعه
يقول الرئيس الأسبق أيضاً: «نقل البطريرك صفير لبنان من ضفة إلى أخرى، من الهيمنة إلى السيادة والتحرّر. والمطلوب اليوم من البطريرك الراعي استكمال هذا الانتقال من ضفة القلق الذي يعبّر عنه ونخشاه مثله على المصير والأمن والجوار وموقع لبنان في المنطقة، وكذلك مسيحيو الشرق، إلى ضفة الطمأنينة والاستقرار
لم يرَ كآخرين أن نداء مجلس الأساقفة الموارنة عام 2011 يتعارض مع ندائهم عام 2000، بل يشير إلى أن «المعطيات التي خيّمت على نداء 2000 كالهيمنة السورية على البلاد والتشرذم والانقسام والاعتكاف المسيحي عن الانخراط في الحياة العامة، ليست نفسها عام 2011. ولأن تطورات كثيرة حدثت مذ ذاك، وخصوصاً في الآونة الأخيرة، لا بد من أن يأتي نداء 2011 متأثراً بمعطيات المرحلة الراهنة، فضلاً عن اختلاف شخصية البطريرك بين مَن قاد نداء 2000 ومَن يقود نداء 2011. كل بطريرك يطبع بصماته على بطريركيته ومجلس الأساقفة الموارنة، فيرسم برنامجاً وخطة عمل لمسيرته الجديدة
هكذا، لا يلاحظ الجميّل «تعارضاً بين النداءين. في بكركي ثوابت لا تحيد عنها الكنيسة المارونية على الإطلاق. أما أن تكون لكل بطريرك قراءة خاصة به، أو أفكار، أو مبادرات، فذلك يدخل في حقه الإنساني الذي لا جدال فيه. إذا وقع اختلاف في الرؤية مع البطريرك، فإن من أبسط القواعد، ولا سيما منها ما يتعلق بالقيادات السياسية المسؤولة، مصارحته والتحاور معه بعيداً من الضوضاء الإعلامية والتشنّج وإقحام البلد في سجالات لا تفيد أحداً
لايرى الجميّل أن القلق الذي أبداه الراعي حيال مصير المسيحيين اللبنانيين ومصير مسيحيي الشرق يتناقض مع الثوابت التاريخية لبكركي؛ «لأن الكنيسة المارونية متحسّسة أكثر من سواها الواقع الصعب لكل الأقليات في الشرق، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولن ندخل هنا في التفاصيل. انحسار عدد مسيحيي الشرق واقع لا مناص من الاعتراف به، والعمل على مواجهته والحدّ منه. بدأ منذ تهجير المسيحيين من القدس وانتقل إلى باقي فلسطين، ثم إلى بلدان عربية أخرى. إذاً، قلق البطريرك في محله. كذلك فإن التجربة التي مرّ فيها المسيحيون اللبنانيون في السنوات الأخيرة لا يمكن الاستهانة بها ولم تكن سهلة، ولا نزال نذكر التنكيل المباشر الذي لحق بالقادة المسيحيين وعانوا منه بألم ومرارة. عبّرت بكركي عن هذا القلق على نحو مماثل لما أثاره عن تداعياته مسؤولون روحيون وسياسيون آخرون
وما هو السبيل إلى معالجته، يقول: «بالتأكيد ليس بالسجالات العلنية، بل بخطة واعية وهادئة تتناول الآتي:
ـ نهضة داخلية للأفرقاء المعنيين.
ـ سياسة رسمية في الدول العربية تعمل على استيعاب التعددية وتجعل منها عنصر إغناء، لا تنافر.
ـ إشراك الفاعليات والمؤسسات الفكرية والأكاديمية والإعلامية في حركة وطنية شاملة تعمل على تعزيز القيم والمبادئ وبلورتها، بما يؤدي إلى نشوء مفهوم جديد للإنسان العربي الجديد يتجاوز الحقد والطائفية والمذهبية والفئوية، ويخلق المواطن العربي الذي يحترم تعدّد الأديان والثقافات.
وضع وثيقة تاريخية تكوّن الإطار الصحيح لحركة الثورات في العالم العربي، وتفاعلها مع الأنظمة من أجل تطورها في اتجاه الحداثة والحضارة، وخشية أن تؤدي هذه الثورات ذات الأهداف السامية إلى فوضى ومزيد من الاقتتال والتطرّف. ولا يقتصر ذلك على سوريا فقط. كنت قد تحدّثت عن هذه الوثيقة عشية سفر الأمين العام للجامعة العربية إلى سوريا.
وهل يرى في موقفي الراعي من سلاح حزب الله وسوريا خروجاً على الثوابت التاريخية لبكركي؟ يقول الجميّل: «إن موقفي من العلاقة مع سوريا وسلاح حزب الله ثابت ومعلن، ويعبّر عن اقتناع بأن مصلحة لبنان تكمن أولاً في تصحيح العلاقة مع سوريا، وثانياً في اختزال الدولة اللبنانية بقواتها الشرعية الأمن والدفاع. أما كلام البطريرك عن هذين الموقفين، فلا أرى أنه يتعدّى التحليل العام. بل إن نداء مجلس المطارنة الموارنة قبل أيام أكد ثوابت بكركي ولم يخرج عنها البتة
.
لكن الرئيس السابق للجمهورية ينظر إلى الجدل الذي أحاط بمواقف البطريرك كجزء لا يتجزأ من مأزق وطني عام: «الجميع اليوم في مأزق. الحكومة في مأزق المحكمة الدولية. والمسيحيون في مأزق الموقف من بكركي. لبنان بأسره في مأزق تطوير النظام وتفاعله مع الثورات العربية. الموقف الرسمي اللبناني ليس واحداً حيال ما يجري في سوريا وإيران، رغم أن الخلفية واحدة. المؤسسات اللبنانية تعيش اهتراء لم يمر به البلد منذ الاستقلال. وكل المعالجات ــــ إذا كان ثمّة معالجات ــــ تنطبق عليها سياسة النعامة عندما تدفن رأسها في الرمال، فيما الشعب يدفع الثمن بقلقه على مستقبل الوطن وأمنه ولقمة عيشه. يتلهى السياسيون بالقشور، ويكذب بعضهم على البعض الآخر، وينتهج منطق الهروب إلى الأمام للتغطية والتعمية على جهلهم أو تواطؤهم أو تهرّبهم من مواجهة الواقع والواجب والمسؤولية. هذا هو وضعنا في الوقت الحاضر. أين بكركي من ذلك كله؟ أولاً أين رئيس الجمهورية كموقع وطني ورمزية لبنانية يقتضي أن تكون جامعة. أنا طرحت على رئيس الجمهورية الحضور شخصياً إلى مجلس النواب وطرح المشكلة كما هي، ووضع القيادات أمام مسؤولياتها، والتقدّم باقتراحات يمكن أن تكون شافية هذه المرة. ربما رأى رئيس الجمهورية أن الوقت لم يحن بعد لكن هل يحين اوان هذا الوقت بعد خراب البصرة 

السابق
الديار: الصراع الآن في مجلس الأمن: عقوبات ضد سوريا ووقف التمويل
التالي
المدارس: غزوة مخدّرات؟