اليوم العالمي للقلب.. جهل فادح في عوارضه و20% ممن تجاوزوا الخمسين يعانون منه !!

شكّل الأمراض القلبيّة الوعائيّة بما فيها النوبات القلبيّة والسكتات الدماغيّة، بحسب أرقام منظمّة الصحة العالميّة، السبب الأوّل للوفيات في العالم الذي يودي بحياة 17 مليونا ومئة ألف شخص كلّ عام. ومن المتوّقع أن يرتفع العدد إلى 23 مليون وستمئة ألف شخص في العام 2030 ، 82 في المئة منهم في الدول ذات الدخلين المنخفض والمتوسط.
وتحيي منظمة الصحة العالمية في التاسع والعشرين من أيلول من كل عام يوم القلب العالمي، وشعاره للعام الحالي «عالم واحد، بيت واحد، قلب واحد»، وهو يهدف إلى زيادة الوعي حول عوامل الوقاية من أمراض القلب كالمحافظة على الوزن وتناول الأغذية الصحيّة وممارسة الرياضة بانتظام والتوقفّ عن التدخين. وتخفف عوامل الوقاية من الوفيات الناجمة عن النوبات القلبيّة والسكتات الدماغيّة بنسبة ثمانين في المئة.
وتشمل الأمراض القلبيّة الكثير من الاضطرابات أو المشاكل التي تصيب القلب. وتعتبر النوبة أو الذبحة القلبيّة المؤشّر الرئيسي الأكثر شيوعا لمعظم تلك الأمراض.
أما في لبنان، فقد بيّنت دراسة أجرتها الأستاذة الجامعيّة في قسم الوبائيات والعلوم السكانيّة في الجامعة الأميركية في بيروت عبلة سباعي في العام 2010، أن نسبة عشرين في المئة من الذين يتجاوزون الخمسين عاما يعانون من أمراض القلب في لبنان.
كما تشير أرقام السجل الوطني لأمراض القلب، الصادر عن «الجمعية اللبنانيّة لأطباء وجراحي القلب» ووزارة الصحة في تموز 2010، إلى إنّ نسبة ستين في المئة من الوفيات لدى كبار السن تعود إلى أمراض في القلب، وأن معدّل عمليات القسطرة (التمييل) وعمليات توسيع الشرايين مرتفعة بالمقارنة مع معدّلات التي تسجلّها الدول الغربية.
وتشير دراسات علمية أجريت في «مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت» الى أن الكثير من اللبنانيين يجهلون أعراض النوبات القلبية، بما يؤخر عمليات الإنقاذ ويساهم بالتالي في زيادة عدد الوفيات الناجمة عنها. كما أظهرت إهمالا من قبل الأطباء في التوعية من المراحل التالية للأزمات.

النوبات القلبية وأعراضها

يشرح رئيس «جمعية أطباء القلب في لبنان» البروفسور سمير أرناؤوط أن النوبة القلبيّة تنتج عن انسداد كلّي أو جزئي في الشرايين التاجيّة للقلب، التي تقوم بتغذية وتروية عضلة القلب. ويوجد نوعان من الذبحة القلبيّة، هما المكتملة الناتجة عن الانسداد الكلّي للشرايين، والجزئيّة الناتجة عن انسداد جزئي في الشرايين.
ويعود سبب الانسداد في الشرايين إلى تسرّب أو تكسّر المواد الدهنيّة الموجودة على جدار الشرايين، والتصاقها مع خلايا الدمّ، ما يؤدّي إلى تخثّر الدمّ أو تجلّطه.
ويوضّح أرناؤوط أن أعراض النوبة القلبيّة ترتكز على الشعور بوجع في الصدر، من الممكن أن يمتدّ إلى الرقبة والفكّ الأسفل وإلى بين الأكتاف واليد اليمنى أو اليسرى.
وفي غالبية الأحيان، يصاحب الوجع عرق بارد، ولعيان في النفس، وتقيّؤ وضيق في النفس. وفي بعض الحالات، يشكّل ألم رأس المعدة عارضا لأزمة قلبيّة، ويجب عدم إهماله أو اعتباره ناتجا عن قرحة في المعدة. وتختلف تلك الأعراض بين الأفراد ومن الممكن أن تظهر بشكل ألم متواصل أو متقطّع لكنها تتشابه عند النساء والرجال.
ويلفت أرناؤوط إلى أن حدة آلام أعراض النوبة القلبيّة تكون أقلّ حدة لدى مرضى السكّري الذين يشعرون بالأوجاع بدرجات أقلّ من الأشخاص العاديين.
ويشدّد أرناؤوط على أن عامل الوقت أساسي في تروية عضلة القلب وإحيائها، فالوصول إلى المستشفى في غضون ساعة من بدء العوارض يساعد الأطباء على إعادة عضلة القلب إلى طبيعتها. أما التأخّر إلى حدود ست ساعات، فيؤدّي إلى تلف عضلة القلب.
لذا، يتعين على الأفراد الذين يشعرون بأي عارض بسيط التوجّه مباشرة إلى المستشفى خاصة إن كانوا من الفئات الأكثر عرضة لنوبة قلبيّة.
وبحسب أرناؤوط، هناك عوامل أساسية وأخرى جزئية تتسبب بالنوبات القلبيّة.
وتشمل العوامل الأساسيّة ارتفاع ضغط الدمّ، وارتفاع معدّل الكوليسترول في الدمّ، ومرض السكّري، والتدخين بالإضافة إلى العوامل الوراثيّة.
وتشمل العوامل «الثانوية» أساسا التوتر النفسي، والسمنة وعدم ممارسة الرياضة، ووجود خلل في عمليّة الأيض (حرق الجزيئات الغذائية).
ويعتبر الرجال أكثر عرضة من النساء للإصابة بأزمات قلبيّة، ولكن في المرحلة التي تلي انقطاع الطمث، تزيد نسبة التعرّض لنوبات قلبيّة عند النساء ما يجعلهن معرّضات بنسبة متساويّة مع الرجال.
ويشددّ أرناؤوط على أن النوبات القلبيّة تسبب مضاعفات فوريّة كالموت المفاجئ في بعض الأحيان بسبب عدم انتظام «كهرباء القلب»، ومضاعفات متأخرّة تؤدّي إلى تدنّي في وظيفة عضلة القلب، وإلى زيادة نسبة التعرّض للوفاة خلال السنوات اللاحقة، وإلى مشاكل في الكلى والكبد والدماغ نسبة إلى أن عضلة القلب تضخّ الدم في كامل الجسم.
ويوضح أرناؤوط أن علاج النوبة القلبيّة يرتكز على إعطاء الأدوية المسيّلة للدمّ والأدويّة التي تخفّف من سرعة دقات القلب، وتلك التي تسيطر على معدّل ضغط الدمّ كما يتمّ اللجوء إلى الأساليب الميكانيكية كعمليّة القسطرة التي تعرف بـ«التمييل» لتحديد مكان التضيّقات أو التصلّبات في الشرايين ولغرس ما يعرف بـ«البالون» و«الراسور» لتوسيع الشرايين.
 
السرعة في العلاج أساسية

تؤكّد مساعدة مدير»كلية رفيق الحريري للتمريض» في «الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتورة سمر نور الدين أن تلّقي العلاج في غضون ساعة من بدء عوارض الأزمة القلبيّة يخفّف من الوفيات الناجمة عن النوبات بنسبة خمسين في المئة. وتنخفض تلك النسبة إلى خمسة وعشرين في المئة إذا حصل المريض على العلاج بعد مرور فترة ثلاث ساعات.
وبحسب معطيات «الجمعيّة الأميركيّة للقلب»، تكون الأدوية المسيّلة للدمّ، والتي تعطى عادة لعلاج النوبة القلبيّة، أكثر فعاليّة في غضون ثلاث ساعات من بدء العوارض، كما تكون عمليّة القسطرة (التمييل) أكثر فعاليّة في غضون ساعة ونصف من بدء ظهور العوارض.
وتنصح نور الدين المرضى، عند ظهور أعراض النوبة، بالتوقّف عن الحركة، وتناول حبة أسبرين والتوجّه مباشرة إلى المستشفى من دون أن يقوموا بقيادة السيارة بأنفسهم.
وتلفت نور الدين، إستنادا إلى أبحاث أجرتها بالتعاون مع زملاء لها، إلى وجود نقص في معرفة أعراض النوبة القلبيّة لدى اللبنانيين، ما يؤدّي إلى تأخرّ المرضى في التوجّه إلى المستشفى.
وبحسب نتائج الدراسة التي أجرتها نور الدين بين العامين 2003 و2005 ونشرت نتائجها في العام 2006، وشملت 212 مريضا، فإنّ نسبة خمسين في المئة من المرضى توجّهوا إلى المستشفى بعد مضي أربع ساعات ونصف الساعة من بدء عوارض النوبة القلبيّة، بينهم خمسة وعشرين في المئة تأخّروا لفترة زمنيّة تصل إلى 12 ساعة.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن السيدات يتأخرن أكثر من الرجال في استشارة الطبيب أو في التوجّه إلى الطوارئ، خوفا من إزعاج أفراد العائلة.
ويعود سبب التأخّر إلى عوامل عدة، منها النقص في المعلومات حول أعراض الذبحة القلبيّة، وتجريب بعض الطرق العلاجيّة التي يظنّ المرضى بأنها مناسبة لتلك الأزمة الصحيّة، كالتداوي ببعض الأعشاب أو المسكّنات أو الاتصال بأحد الأطباء المقربين.
وتثبت جميع الدراسات العلميّة، بحسب نور الدين، أنّ الاتصال بالطبيب من دون التوجّه إلى الطوارئ يساهم في تأخّر حصول المريض على العلاج.
كما تلفت إلى أن معظم المرضى الذين شاركوا في الدراسة لم تخطر لهم فكرة التوجّه إلى المستشفى أو الإتصال بالصليب الأحمر اللبناني عند بدء العوارض، بل قاموا بتجريب الأساليب التي يعرفونها أو التي سمعوا عنها.

جهل فادح بالمخاطر

وتظهر نتائج دراسة أخرى أجرتها نور الدين في العام 2008، شملت أربعمئة زائر لمريض، أن نسبة سبعة وعشرين في المئة فقط من العينة يدركون عوامل الخطر التي تسبّب النوبة القلبيّة، وأن واحدا وعشرين بالمئة فقط يفكّرون بالتوجّه إلى المستشفى عند الشعور بالأعراض وذلك بسب النقص الفادح في التوعيّة عن أعراض النوبة القلبيّة وسبل التعاطي معها ومعالجتها وربما تخوّفا من الأعباء الماديّة التي يتكبدّها المواطن في المستشفى.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر المرضى الذين أصيبوا بنوبة قلبيّة أكثر عرضة للإصابة بنوبة ثانيّة ما يستوجب، وبحسب أرناؤوط، قيام الأطباء بإعطاء نصائح واضحة وصارمة للمرضى حول أهميّة إتباع الإرشادات اللازمة والإلتزام بالأدوية الموصوفة والسيطرة على عوامل الخطر وتجنبّها.
وعلى الرغم من ذلك، أظهرت دراسة ثالثة أجرتها نور الدين في العام 2010 على خمسين مصابا بأزمات قلبيّة بعد مضي شهر من حصول الأزمة وعودتهم إلى بيوتهم، أن نسبة ثمانين في المئة منهم لم يتلّقوا النصائح والإرشادات من الأطباء الذين أهملوا تثقيفهم عن أعراض النوبة القلبيّة بغية السيطرة عليها في حال تكرارها. 

السابق
الوكالة اليهودية.. أساس قيام دولة العدو
التالي
إتلاف 90 دراجة نارية في صيدا