فلسطين مرّت بجونيه!

لم يَكُفّ الاحتدام المسيحي المتصاعد في محطات ايلول المتعاقبة عن ادهاش المسيحيين انفسهم وسائر الشركاء حتى في المسائل الخارجة عن نطاق تلك المشهدية التي حصلت السبت بين جونية وصور. في الاطار الشكلي والرمزي والمضمون السياسي بدا الانشداد محموما الى ملامح ازدواجية سياسية مسيحية يبررها الصراع الاكبر على المستوى اللبناني الاعم. لكن ثمة من يحلو له ان يخفف وطأة هذا التوصيف بأن الكنيسة المارونية غالبا ما بدت قوتها ايضا في تعدديتها وديموقراطيتها. هو جدل لن يحط رحاله في قابل الاسابيع والاشهر نظرا الى ارتباطه بمصير الجمهورية برمتها التي تنتظر مع المجتمعين العربي والدولي مآل "الربيع العربي" بحلوه ومره.

لذا لا بأس من استراق نقطة لافتة لم يتسع لها الانشداد الى المشهدية المسيحية. وقد تمثلت في "مرور فلسطين" بجونيه هذه المرة. فبعد اكثر من ثلاثة عقود على ذلك الوعيد الشهير للرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية "ابو اياد" في مطالع الحرب بأن "طريق فلسطين تمر بجونيه"، مرر قائد "القوات اللبنانية" وزعيمها السياسي سمير جعجع "دولة فلسطين" مع خطابه الصاعق ولم يكن إلهابه حماسة "القواتيين" والـ"14 آذاريين" المسيحيين للدولة الوليدة الموعودة ترحيبا بها سوى دليل تحول هائل لا يقل رمزية عن رفض "تحالف الاقليات". جمهور مسيحي شديد العصب يصفق بحرارة لدولة فلسطين مثلما ألهب حماسته حضور البطريرك التاريخي الكاردينال صفير، ليس مسألة عابرة في تقلبات بلد بدأت حربه بين المسيحيين والفلسطينيين.

في تلك الامسية التي ألقى فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطابه في الامم المتحدة، قلما صفقت الجمعية العمومية لخطيب مثلما حصد "ابو مازن". اللبنانيون ايضا لا بد ان يكونوا قد قارنوا بين مرور الدولة بمجتمع دولي ينتصر لفلسطين رغما عن اميركا واسرائيل ومرورها قبل اكثر من 35 عاما بجونيه بأبوات تلك الايام وأدواتها وفلسطين لا تزال الاسم الساحر حين تطرق ابواب الشرعية والحقوق والعدالة، وبدليل ان لبنان نفسه العاصي على اي توحد، توحد مع فلسطين من رئاسته لمجلس الامن الى جونيه حيث رمزية "المقاومة اللبنانية" التي ولدت من حضن القتال والدفاع ضد "الدويلة الفلسطينية" التي قوضت الدولة اللبنانية وكانت السباقة في تشليع الجمهورية وإباحة الدويلات وتفجير حرب اضحت لاحقا حربا اهلية.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، ثمة قرار قيل ان اجماعا حصل حوله في حوار عام 2006، ولم يبق اجماعا لبنانيا صرفا بل وافقت عليه "دولة فلسطين". فلماذا لا تقترن رئاسة لبنان لهذا الحدث التاريخي بما يحميه ويحمي الدولة الموعودة؟ وما نفع سلاح داخل المخيمات وخارجها بعد الان لمواطني "دولة" اخرى داخل دولة لبنان؟

السابق
لبنان يقدّم دولة فلسطين..
التالي
عرقجي: مواقف جعجع تناقض توجهات الفاتيكان والكنيسة